-A +A
عبدالله صادق دحلان
إذا ذكرت بيوت أهل المدينة المنورة يذكر بيت آل المدني، فهم الأوفياء أصحاب التاريخ العريق في العلم والأدب والثقافة وفي الوفاء، وإذا ذكر أعضاء مجلس الشورى الأوائل عن المدينة المنورة فيأتي في مقدمتهم الشيخان الفاضلان السيد عبيد والسيد أمين مدني رحمهما الله. وفي القرن الماضي نبغ من هذه الأسرة رجال دولة وعلم ذوو خلق عظيم، ومنهم وعلى رأسهم عميدهم أستاذنا معالي الأستاذ الدكتور غازي عبيد مدني مدير جامعة الملك عبدالعزيز الأسبق وعميد كلية الاقتصاد والإدارة فيها ورئيس مركز الاقتصاد الإسلامي في الجامعة ورئيس مجلس إدارة مؤسسة المدينة للصحافة. كان رحمه الله من أوائل دكاترة إدارة الأعمال في الجامعة ومن المؤسسين للتعليم الجامعي في كلية الاقتصاد والإدارة وفي جامعة الملك عبدالعزيز عاصر نشأت الجامعة منذ إنشاء أول كلية فيها وهي كلية الاقتصاد والإدارة، كان صاحب خلق رفيع وعلم واسع أحبه الصغير قبل الكبير يتسابق الطلبة للتسجيل في مادته لجودة أدائه العلمي وحسن تعامله مع طلبته، كانت المناصب تسعى له ولم يكن يسعى لأي منصب في حياته، كان زهيداً مترفعاً بعيداً عن الأضواء ولم يختلف اثنان في الجامعة وخارجها على محبته وأمانته وديانته وعلمه، كان رجلاً وفياً لزملائه وأصدقائه وكان أكثر وفاءً لأصدقاء والده ولن أنسى وفاءه لوالدي صديق وزميل والده في عضوية مجلس الشورى رحمهم الله جميعاً، فكان والده يرسل (صندوق التمرة) لوالدي عبر البريد من المدينة المنورة قبل قدوم شهر رمضان بأيام ونذهب للبريد أنا وأخي الأكبر سيدي الدكتور ربيع دحلان لاستلام التمرة من البريد في مكة المكرمة، وكانت من أجود أنواع التمور يفطر بها الوالد والعائلة كل شهر رمضان وندعو له، وبعد وفاة الشيخ عبيد مدني تولى مهمة إيصال التمرة لوالدي شخصياً ابنه البار أستاذنا الدكتور غازي مدني، وكان يحرص على أن يذهب بنفسه إلى منزل والدي، وكنت أرافقه في ذلك لمدة أربعين عاما، حتى عندما أصبح مديراً للجامعة. وبعد أن انتقل والدي إلى رحمة الله كان يصر الدكتور غازي رحمه الله إلاّ وأن يستمر في إيصال التمرة إلى منزل أخي الكبير الدكتور ربيع ويطلب أن يرى جميع أبناء صديق والده السيد صادق دحلان، ولكنه ضاعف عدد صناديق التمرة لتشمل أبناء صديقه الخمسة. ونظراً لمرضه في العام الماضي أصررت عليه إلا أن نزوره جميعاً ونأخذ التمرة من بيته، وقد كان، وكأنه يعلم أنه آخر عام له فنادى ابنه عبيد ليوصيه بأن يستمر في عادة جده عبيد ويتولى المسؤولية عنه لو فارق الحياة. هذا هو الوفاء للآباء، لقد بكيت كثيراً على فراقه، ويبكي أبناء جيلي من طلبته في بداية السبعينات، وستبكي عليه جامعة الملك عبدالعزيز، متمنياً أن تسمى إحدى قاعات كلية الاقتصاد والإدارة باسمه تخليدا لدور الرجال والأكاديميين الأوائل، وسنطلق تسمية قاعة باسمه في كلية إدارة الأعمال في جامعة الأعمال والتكنولوجيا، إذ كان أكبر داعم لها. رحم الله أبا عبيد وأسكنه الفردوس الأعلى.

وبارك الله له في ابنه عبيد وشقيقاته الأربع إن شاء الله تعالى.