alitawati@
ينطبق هذا القول على بشار وحلفائه في سوريا. فهم بإصرارهم على الاستمرار في استخدام الأسلحة الكيماوية كمثل الدجاجات التي تصر على دعوة فيل لقنّها.
ربما ظن بشار وحلفاؤه أن راية الحمار (الحزب الديموقراطي) ما زالت ترفرف فوق البيت الأبيض أو هكذا خيل لهم أمام شهوة القضاء على آخر معاقل المعارضة السورية في إدلب بعد أن دانت لهم حمص وحلب ومعظم معاقل المعارضة القوية الأخرى.
لقد كانت ضربة خان شيخون الكيماوية خطأ استراتيجيا غير محسوب العواقب والتبعات. ولم تكن اختبارية للساكن الجديد في البيت الأبيض كما تصور كثيرون، بل كانت تمهيداً لتنفيذ الشق الثاني من خطة محكمة بدأ تنفيذها مع تعزيز التواجد الإيراني/ الروسي منذ ثلاث سنوات تقريبا. واكتمل الشق الأول منها بسقوط حلب والتهجير القسري لمعارضي النظام منها ومن مختلف المدن والقرى السورية الأخرى، خاصة في محيط دمشق ومدينة التل والمناطق الساحلية مرورا بحمص لتشمل قدسيا وحي الوعر في حمص وغيرها. وكانت وجهة التجميع دائما هي «إدلب». بل إن النظام لجأ لمقايضة سكان بلدتي «كفريا والفوعة» العلويتين في إدلب بثوار الزبداني ومضايا المحاصرة منذ سنتين ما أكد للمراقبين أن بشار وحلفاءه يفرقون بين المواطنين على أسس طائفية وأنهم يضمرون شرا لإدلب وأهلها. ولذلك يجمّعون كافة المعارضين فيها حتى لو اضطروا للتنازل عن بلدات تسكنها غالبية علوية.
أما تنفيذ الشق الثاني، الذي بدأ بالضربة الكيماوية المحدودة، فلم يكن مفاجئا بل توقعه كثيرون بحسب المراسلة أماني العلي من المركز الصحفي السوري التي نشرت في أبريل 2016 استطلاعا عن إدلب تضمن تساؤلا لأبو عبدو (أحد سكان إدلب) حين قال «مع كل هدنة تحصل أتساءل: هل من الممكن القضاء على الجميع بضربة كيماوي جديدة؟ فالنظام مجرم فعلها قبل سنوات ليقتل أكثر من 1600 شخص في لحظات».
نعم، فالضربة الكيماوية لم تكن مفاجئة حتى لرجل الشارع ولم تكن الأولى ولم تعقد النية على أن تكون الأخيرة، ولكن الخطأ القاتل الذي وقع فيه المخطط الإيراني/ الروسي قصير النظر هو في فهم الإشارات الصادرة عن البيت الأبيض. فيبدو أنهم فهموا من الضربة التي نفذها الطيران الأمريكي في إدلب وأصابت مسجداً وأدت الى استشهاد 42 مصلياً على الأقل، ومن تصريحات وزير الخارجية الأمريكي ريكس تيلرسون، الخميس (30 آذار/ مارس 2017) في مؤتمر صحفي في تركيا بأن «وضع الرئيس الأسد على المدى الطويل سوف يقرره الشعب السوري»، بمثابة ضوء أخضر لهم بتنفيذ الشق الثاني من خطتهم الدنيئة في حرق إدلب بمن فيها بمختلف أنواع الأسلحة بما فيها المحرمة دوليا.
ولذلك لم يعر بشار وحلفاؤه بالا لتصريحات الكولونيل جون توماس الناطق باسم القيادة المركزية الأمريكية بأن استهداف المسجد في إدلب لم يكن متعمّداً وأنه سيفتح تحقيقا استقصائيا، ولا لدوافع تيلرسون الحقيقية خلف تصريحه، وهي حشد الجهود لإنهاء وجود داعش في سوريا والعراق كأولوية قصوى للسياسة الخارجية الأمريكية حاليا. فكانت الضربة الكيماوية يوم 4 أبريل 2017، التي كان ثمنها باهظا، بإطلاق البحرية الأمريكية لـ59 صاروخ توماهوك على قاعدة (الشعيرات) الجوية التي انطلقت منها الطائرة التي ألقت الرأس الكيماوي على خان شيخون، والطائرات الأخرى التي ضربت المستشفيات التي نقل إليها الضحايا في اليوم التالي في محاولة جبانة للتغطية على الجريمة النكراء التي كان جل ضحاياها من المدنيين.
ولعل الصدمة التي يعيشها الإيرانيون والروس اليوم ليست بسبب المفاجأة، فالضربة لم تكن مفاجئة على الإطلاق بل أحيط الروس علما بها قبل تنفيذها بساعات، ومرت الصواريخ من فوق رؤوس جنودهم المتمركزين في قاعدتي طرطوس واللاذقية ولم يعترضوها رغم وجود منظومتي دفاع جوي متقدمتين في القاعدتين من صواريخ إس 300 وإس 400 الأكثر تطورا في الترسانة الروسية. بل كانت الصدمة في أن ردّ الفعل الأمريكي كان سريعا وقويا وغير متوقع وخلط أوراقا وأفسد مخططات هيمنة ومكاسب إقليمية ظن فريق حلفاء بشار انها أصبحت مكتسبة ولا ينازعهم فيها أحد.
ويسجل للأمريكيين أن ضربتهم لم تكن بهدف القتل بل كانت بهدف تسجيل موقف تاريخي وتأكيد للخطوط الحمر التي لا يسمح بتجاوزها، ويسجل لهم أيضا أن الضربة لم تؤثر على الأولوية القصوى في القضاء على داعش والإرهاب في سوريا والمنطقة التي لا تعلو عليها أي أولوية أخرى، وأن الضربة يمكن أن تكون حدثا منفصلا خارج السياق، إذا ما التزمت باقي الأطراف بضبط النفس والابتعاد عن التصعيد، وإذا ما أوقفت دعمها لبشار الذي لم يعد له مكان في مستقبل سوريا سواء في نظر أمريكا أو غيرها من دول العالم.
وبالتالي، نحن الآن أمام مشهد عادت أمريكا فيه لتحتل الصدارة وتمسك بخيوط اللعبة الدولية في منطقتنا من جديد ولا أتوقع أن تتخطى ردود أفعال روسيا وإيران تلك الفرقعات الصوتية التي ما تلبث أن تتلاشى ويثوب كل ذي رشد إلى رشده..
* أستاذ الاقتصاد والتمويل المساعد في جامعة الأعمال والتكنولوجيا بجدة
altawati@gmail.com
ينطبق هذا القول على بشار وحلفائه في سوريا. فهم بإصرارهم على الاستمرار في استخدام الأسلحة الكيماوية كمثل الدجاجات التي تصر على دعوة فيل لقنّها.
ربما ظن بشار وحلفاؤه أن راية الحمار (الحزب الديموقراطي) ما زالت ترفرف فوق البيت الأبيض أو هكذا خيل لهم أمام شهوة القضاء على آخر معاقل المعارضة السورية في إدلب بعد أن دانت لهم حمص وحلب ومعظم معاقل المعارضة القوية الأخرى.
لقد كانت ضربة خان شيخون الكيماوية خطأ استراتيجيا غير محسوب العواقب والتبعات. ولم تكن اختبارية للساكن الجديد في البيت الأبيض كما تصور كثيرون، بل كانت تمهيداً لتنفيذ الشق الثاني من خطة محكمة بدأ تنفيذها مع تعزيز التواجد الإيراني/ الروسي منذ ثلاث سنوات تقريبا. واكتمل الشق الأول منها بسقوط حلب والتهجير القسري لمعارضي النظام منها ومن مختلف المدن والقرى السورية الأخرى، خاصة في محيط دمشق ومدينة التل والمناطق الساحلية مرورا بحمص لتشمل قدسيا وحي الوعر في حمص وغيرها. وكانت وجهة التجميع دائما هي «إدلب». بل إن النظام لجأ لمقايضة سكان بلدتي «كفريا والفوعة» العلويتين في إدلب بثوار الزبداني ومضايا المحاصرة منذ سنتين ما أكد للمراقبين أن بشار وحلفاءه يفرقون بين المواطنين على أسس طائفية وأنهم يضمرون شرا لإدلب وأهلها. ولذلك يجمّعون كافة المعارضين فيها حتى لو اضطروا للتنازل عن بلدات تسكنها غالبية علوية.
أما تنفيذ الشق الثاني، الذي بدأ بالضربة الكيماوية المحدودة، فلم يكن مفاجئا بل توقعه كثيرون بحسب المراسلة أماني العلي من المركز الصحفي السوري التي نشرت في أبريل 2016 استطلاعا عن إدلب تضمن تساؤلا لأبو عبدو (أحد سكان إدلب) حين قال «مع كل هدنة تحصل أتساءل: هل من الممكن القضاء على الجميع بضربة كيماوي جديدة؟ فالنظام مجرم فعلها قبل سنوات ليقتل أكثر من 1600 شخص في لحظات».
نعم، فالضربة الكيماوية لم تكن مفاجئة حتى لرجل الشارع ولم تكن الأولى ولم تعقد النية على أن تكون الأخيرة، ولكن الخطأ القاتل الذي وقع فيه المخطط الإيراني/ الروسي قصير النظر هو في فهم الإشارات الصادرة عن البيت الأبيض. فيبدو أنهم فهموا من الضربة التي نفذها الطيران الأمريكي في إدلب وأصابت مسجداً وأدت الى استشهاد 42 مصلياً على الأقل، ومن تصريحات وزير الخارجية الأمريكي ريكس تيلرسون، الخميس (30 آذار/ مارس 2017) في مؤتمر صحفي في تركيا بأن «وضع الرئيس الأسد على المدى الطويل سوف يقرره الشعب السوري»، بمثابة ضوء أخضر لهم بتنفيذ الشق الثاني من خطتهم الدنيئة في حرق إدلب بمن فيها بمختلف أنواع الأسلحة بما فيها المحرمة دوليا.
ولذلك لم يعر بشار وحلفاؤه بالا لتصريحات الكولونيل جون توماس الناطق باسم القيادة المركزية الأمريكية بأن استهداف المسجد في إدلب لم يكن متعمّداً وأنه سيفتح تحقيقا استقصائيا، ولا لدوافع تيلرسون الحقيقية خلف تصريحه، وهي حشد الجهود لإنهاء وجود داعش في سوريا والعراق كأولوية قصوى للسياسة الخارجية الأمريكية حاليا. فكانت الضربة الكيماوية يوم 4 أبريل 2017، التي كان ثمنها باهظا، بإطلاق البحرية الأمريكية لـ59 صاروخ توماهوك على قاعدة (الشعيرات) الجوية التي انطلقت منها الطائرة التي ألقت الرأس الكيماوي على خان شيخون، والطائرات الأخرى التي ضربت المستشفيات التي نقل إليها الضحايا في اليوم التالي في محاولة جبانة للتغطية على الجريمة النكراء التي كان جل ضحاياها من المدنيين.
ولعل الصدمة التي يعيشها الإيرانيون والروس اليوم ليست بسبب المفاجأة، فالضربة لم تكن مفاجئة على الإطلاق بل أحيط الروس علما بها قبل تنفيذها بساعات، ومرت الصواريخ من فوق رؤوس جنودهم المتمركزين في قاعدتي طرطوس واللاذقية ولم يعترضوها رغم وجود منظومتي دفاع جوي متقدمتين في القاعدتين من صواريخ إس 300 وإس 400 الأكثر تطورا في الترسانة الروسية. بل كانت الصدمة في أن ردّ الفعل الأمريكي كان سريعا وقويا وغير متوقع وخلط أوراقا وأفسد مخططات هيمنة ومكاسب إقليمية ظن فريق حلفاء بشار انها أصبحت مكتسبة ولا ينازعهم فيها أحد.
ويسجل للأمريكيين أن ضربتهم لم تكن بهدف القتل بل كانت بهدف تسجيل موقف تاريخي وتأكيد للخطوط الحمر التي لا يسمح بتجاوزها، ويسجل لهم أيضا أن الضربة لم تؤثر على الأولوية القصوى في القضاء على داعش والإرهاب في سوريا والمنطقة التي لا تعلو عليها أي أولوية أخرى، وأن الضربة يمكن أن تكون حدثا منفصلا خارج السياق، إذا ما التزمت باقي الأطراف بضبط النفس والابتعاد عن التصعيد، وإذا ما أوقفت دعمها لبشار الذي لم يعد له مكان في مستقبل سوريا سواء في نظر أمريكا أو غيرها من دول العالم.
وبالتالي، نحن الآن أمام مشهد عادت أمريكا فيه لتحتل الصدارة وتمسك بخيوط اللعبة الدولية في منطقتنا من جديد ولا أتوقع أن تتخطى ردود أفعال روسيا وإيران تلك الفرقعات الصوتية التي ما تلبث أن تتلاشى ويثوب كل ذي رشد إلى رشده..
* أستاذ الاقتصاد والتمويل المساعد في جامعة الأعمال والتكنولوجيا بجدة
altawati@gmail.com