-A +A
طارق فدعق
يضايقني مستوى جهلي بشكل عام، وخصوصا في الأمور الأساسية البديهة والسهلة.. وللأسف أن معظمنا نهمل العديد من العلوم الجميلة النافعة في المدرسة لأننا لا ندرك أهميتها ومنها مادة الجغرافيا. وموضعنا هو أزمة جغرافية روسيا أو بالأصح الاتحاد الروسي. تخيلوا أن مساحة هذه الدولة تعادل نحو 70 مثل بريطانيا، ولكن عدد سكانها أقل من عدد سكان الباكستان. وتخيلوا أن بالرغم من قوتها العسكرية التاريخية، فقد تعرضت للغزو بمعدل ثلاث مرات في القرن الواحد خلال 500 سنة الماضية، وأنقذتها في العديد من المرات العوامل الطبيعية مثل البرد القارس الذي دمر محاولة نابليون في 1812 وهتلر في عام 1941.. كما أنقذتها المسافات الهائلة من أوروبا إلى موسكو والتي تطلبت إمدادات كسرت ظهر العديد من الجيوش. وكانت جغرافية روسيا هي أحد أسباب تلك الغزوات، فلو تأملت في تضاريسها من الناحية الغربية فستجد أنها تبدو وكأنها «وكالة من غير بواب» لأن السهول المفتوحة بينها وبين العديد من جيرانها تجعل غزوها مغريا. وفضلا، الملاحظة أن العديد من الدول تتمتع بعناصر دفاعية طبيعية تعرف حدودها.. محيطات مائية شاسعة تحمي بعض الدول مثل الحال في أمريكا.. وأنهار تُعرّف الحدود مثل الحال في العديد من دول أوروبا.. وسلاسل جبال تقول «وين رايحين» مثل الحال بين الهند والصين.. ولكن في حالة غرب روسيا ستجد أن الدنيا «مكشوفة». وربما كان هذا أحد الأسباب أن الرئيس الروسي الحالي شكله دائما قلق ولا يبتسم.. وينطبق هذا على جميع رؤساء روسيا عبر التاريخ.. وأن الانشغال بالأمور العسكرية هو من سمات تاريخ ودبلوماسية وسياسة روسيا. وهناك المزيد.. لو تأملت في أهم مدن العالم عبر التاريخ، ستجد أن نحو 80% منها موانئ.. الإسكندرية، ولندن، ونيويورك، وهونج كونج.. الموانئ لها قيمة مضافة كبيرة في اقتصاد الدول، بل وفي الاقتصاد العالمي ككل لأنها مراكز تجارة، وتصنيع، وتعبئة، وإعادة تعبئة، وسمسرة، وضيافة، ونقل، والعديد من الأرزاق الأخرى. وتعاني روسيا من عدم وجود موانئ تقع على مياه دافئة. والمقصود هنا أن جميع الموانئ الروسية تصاب بما يشبه الشلل في أشهر الشتاء بسبب البرودة الشديدة التي «تقص المسمار» وتجمد المياه، وتعطل حركة السفن. وبعد تفتت الاتحاد السوفييتي عام 1989 ازداد الوضع خطورة لأن روسيا فقدت بعضا من موانئها التي أصبحت تابعة لدول مستقلة. ولذا، بادرت روسيا باحتلال شبه جزيرة القرم عام 2014 باستخدام أغرب الأعذار. وكانت إحدى الأسباب الحقيقية هي التحكم في ميناء «سيفستا بول» وهو من الموانئ ذات المياه الدافئة نسبيا الذي يقع على البحر الأسود. ولكن الموضوع الآخر هنا هو ميناء «طرطوس» في سوريا. فمن خلال التحالف مع النظام السوري يضمن النظام الروسي استخدام ذلك الميناء الذي يقع على البحر الأبيض المتوسط وفي ذلك ميزات إستراتيجية عسكرية وتجارية كبيرة جدا.

أمنيــــــة:


أتمنى أن نقدر نعم الله التي لا تعد ومنها موانئنا السعودية المميزة التي تفتح أبواب الخير علينا كل يوم. من جدة، والدمام، إلى ينبع، ومدينة الملك عبدالله، كلها تستقبل وتصدر بفاعلية كبيرة لننعم بمنتجات لم نحلم بها بالأمس. انظروا إلى ما نجد على رفوف أصغر البقالات، والمتاجر، وتأملوا في الخيرات التي ننعم بها في بلدنا اليوم وكل يوم بسبب ما يسر لنا الله عز وجل من عناصر جغرافية فتحت لنا أبواب الخير بإراداته..

وهو من وراء القصد