-A +A
سعيد السريحي
لم يكن كثير ممن حاولوا استلهام الموروثات الشعبية لتكريس الهوية التي ينتمون إليها في أعمالهم السردية بأسعد حظا من أولئك التشكيليين الذين سعوا لتحقيق الغاية نفسها فانتهوا إلى أن ملأوا شوارع مدنهم وميادينها بالدلال والفناجين لا يختلف ميدان عن آخر إلا بنوع دلاله، ولا شارع عن شارع إلا بعدد الفناجين المحيطة بتلك الدلال.

تحولت الأعمال الفنية، سردية كانت أو تشكيلية، إلى متاحف شعبية تقف على هامش التيار العام للحياة، بل وللفن كذلك، مثلها مثل بيوت الشعر والديوانيات التي باتت تحتل جزءا من هامش فناء كثير من البيوت لا تعبر إلا عن محاولة يائسة للتمسك بهوية عمرانية أفلتت من بين أيدي من يضعون السياسة العمرانية، ولعل الأمر نفسه يمكن أن يقال في مجال الموسيقى والغناء الذي انتهت فيه جهود الملحنين عند استعادة الفلكلور الشعبي فتحولت الأغاني إلى مجرد اجترار لذلك الفلكلور وضاقت المسافة بين الأغاني الشعبية وفن الغناء الذي يحرص على استلهام جماليات لمنجز العالمي على النحو الذي تحقق على يد الآباء المؤسسين للموسيقى العربية الحديثة.


ما تعرض له السرد من استغراق في تفاصيل الموروثات الشعبية كعلامة للولاء للهوية في بعديها الوطني العام والإقليمي الخاص جزء من حركة الارتكاس نحو الماضي الذي مس جوانب كثيرة من حياتنا وعبرت عنه أطياف كثيرة في المجتمع بطرائق تبدو مختلفة حينا ومتعارضة حينا غير أنها في مجملها تنطلق من حنين نحو الماضي عبر عن نفسه بهذا الشكل أو ذاك دون أن يمتلك الشروط الفنية التي تمنح العمل الفني صفة أن يكون عملا إبداعيا.