gbadkook@
في الثاني من أغسطس عام 2014، كتبت مقالا (خاصا) في هذه الصحيفة عن الخطوط السعودية بمناسبة مباشرة مديرها العام الحالي (الجديد آنذاك) عمله في ذلك اليوم؛ بعد اختياره من قبل مجلس إدارتها لرئاسة جهازها التنفيذي. كان عنوان المقال (صباح الخير والعمل يا سعادة المدير العام)، وهدفت بمقالي إلى نقل صورة واقعية لسعادته، مع بداية توليه منصبه الهام، عن مطالب وتطلعات عملاء المؤسسة، بعد أن خذَلت الكثيرين منهم. تعيين المهندس صالح الجاسر في ذلك المنصب جاء بعد تدهور أداء (الخطوط) وتدني مستوى خدماتها؛ نتيجة لـ(متلازمة) ضعف الإدارة، والأكيد هو أن مجلس إدارتها وجد (حينئذٍ) في شخص المدير العام الكفاءة والخبرة المناسبتين لانتشال المؤسسة من (قيلولتها) الطويلة بعد عصرها الذهبي.
واليوم وبعد مرور نحو ثلاث سنوات على استلام مديرعام الخطوط مهام عمله، يتساءل الكثيرون عن الإنجازات التي (ربما) تكون قد نجحت في تحقيقها منذ ذلك الوقت؟، خصوصا أن منصبه يتقاطع مع احتياجات ومصالح سكان المملكة وزوّارها؛ على مدار الساعة وطوال العام، والأكيد هو أننا لم نلمس حتى الآن تطورات مهمة فيها. وتحرياً للموضوعية، فقد تكون هناك عوائق لا نعلمها، وربما حدث بعض التطوير، ولكن معظمنا لم يسمع عنه شيئاً؛ لقصور إعلام الخطوط، إلّا إذا كانت خطوطنا تعتبر أن شراء بعض الطائرات ورفع أسعار التذاكر الداخلية هو إنجاز فريد!، لذلك فلا نستغرب الانطباع السلبي الذي نحمله كعملاء، عن مؤسستنا العريقة، رغم اعتزازنا بها، كاعتزازها بنا.
وفي مقالي المشار إليه طرحت على (مدير الخطوط) بضعة أفكار وتصورات كفيلة بتحسين أداء المؤسسة؛ لو تم الأخذ بها، راجياً منه وضعها في عين الاعتبار، (ويبدو الآن أن تجاوبه كان محدوداً)؛ كان منها:
1ــ حصر التحديات والعوائق، وإعادة تقييم الموارد والإمكانيات؛ تمهيداً لوضع (خارطة طريق) تنقذ المؤسسة من وضعها المتردي؛ على أن يتم يتم الإعلان عنها بعد 3 أشهر.
2ــ وضع رؤية إستراتيجية لإصلاح المؤسسة؛ وإعادة هيكلتها جذريا وفق أسس مختلفة بعد التعامل مع المشكلات التي أعاقت تطويرها؛ لتلحق بالمنافسين الإقليميين الأكثر كفاءة.
3ــ إقرار خطة عمل ذات إطار زمني محدّد؛ لإجراء الهيكلة الضرورية التي يتوقف على تنفيذها بمهنية عالية وحوكمة داخلية وعدالة مطلوبة، إعادة إنطلاق المؤسسة على أسس أفضل.
وبعد انقضاء هذه الفترة التي نراها كافية لتحقيق نقلة (معقولة) على أداء الخطوط؛ دون تحقيقها تقدما يُذكر، زادت قناعتنا بوجود (خلل ما) فيها، لذا يحق لنا الآن أن نسأل مديرها العام عن ماهية التطورات (الجوهرية) التي شهدتها المؤسسة منذ اضطلاعه بعمله، وربما تختلف عن ما قدمه سلفه في المنصب؟، راجياً أن يتسع صدره للنقد، وأن لا يعتبره موجّها لشخصه الكريم؛ لأن معظمنا لا يعرفونه شخصياً، لذلك فالمُحدِّد الذي يرسم علاقتنا به أو بغيره من التنفيذيين (العموميين) هو مدى جودة وتنافسية الخدمات التي تقدمها المؤسسات العامة.
وفي تقديري فإن شواهد ومؤشرات قصور أداء الخطوط السعودية واضحة كالشمس في رابعة النهار، وليست بحاجة لبراهين أو لدراسات ومتخصصين لكشفها؛ لعل من أبرزها ما يلي:
1ــ استمرار تسجيلها خسائر متزايدة سنوياً، رغم الدعم الحكومي المتعدد الذي ما زالت تحظى به ولا يتسع المجال لذكره، وشغل الطاقة الاستيعابية لمقاعدها في معظم رحلاتها!.
2ــ قلّة عدد الوجهات الدولية التي تسيّرها مقارنة بمنافيسها في المنطقة والعالم، وتواضع مستوى الخدمة على رحلاتها؛ خصوصاً المحلية منها ولا سيما لركاب الدرجة الاقتصادية.
3ــ تراجع انضباط مواعيد إقلاع رحلاتها، وعدم منطقية تبريرها لذلك بالأحوال الجوية، وضعف وبطء تفاعلها مع شكاوى العملاء.
4ــ انسحابها تدريجيا من خدمة مدن الأطراف في البلاد، وترك ذلك لخطوط الطيران المنافسة محلياً.
5ــ زيادة شكاوى بعض كوادرها الإدارية الفنية؛ خصوصا قائدي الطائرات وأطقم الخدمة الجوية؛ من تقليص الامتيازات، وسوء المعاملة، وتضارب القرارات، وتعطيل العلاوات والترقيات، والفصل التعسفي.
6ــ انخفاض تنافسيتها، وتأخيرها في تجديد أسطولها، وزيادة الطائرات المستأجرة، والبطء الملحوظ في مواكبتها لمستجدات صناعة النقل الجوي؛ سريعة التطوّر.
7ــ تزايد الأعطال وضعف الصيانة مما يترتب عليه تأخير إقلاع الرحلات، أو توقفها في محطات غير مجدولة، أو تغيير مواعيدها قبل وقت قصير من إقلاعها.
ورغم أنني لست ضد الاستعانة بالخبرات الأجنبية، إلّا أن قيام الخطوط في الآونة الأخيرة بتوظيف عدد من غير السعوديين في بعض المواقع التنفيذية والاستشارية لم يكن موفقاً -حسب رأي العارفين ببواطن الأمور ومستوى السِيَر المهنية التي نشرتها وسائل الإعلام- إذ إن بعض أولئك المعينين بمرتبات ومزايا عالية، يفتقرون لسجلات وظيفية استثنائية، ولا يتمتعون بخبرات عملية تشير إلى تميزهم، في حين تتوافر كفاءات وطنية مشهود لها بالكفاءة والمهنية العالية وتزدحم بهم سوق عملنا.
ويبدو أننا لسنا وحدنا -عملاء الخطوط- الذين لديهم تساؤلات وتحفظات على أداء الخطوط السعودية، فها هو مجلس الشورى يشاركنا آراءنا السلبية عنها، إذ طالب المجلس أخيراً بإعادة هيكلة المؤسسة، وتطوير خدماتها التشغيلية والإلكترونية، ودراسة مدى انضباط مواعيد رحلاتها، مع تطوير الكفاءات الفنية والخدمية للمسافرين.
الغريب أن يحدث كل ذلك في الوقت الذي تتمتع فيه الخطوط بمزايا يندر أن تحظى بمثلها الكثير من شركات الطيران حول العالم؛ أولها نقلها نسبة جيدة من الحجاج والمعتمرين، وثانيها كثرة المواسم التشغيلية في المملكة على مدار العام، هذا فضلاً عن اتساع مساحة المملكة؛ مع غياب شبكة نقل عام أرضي؛ عادة ما تستقطب نسبة عالية من المسافرين؛ على حساب حصة النقل الجوي.
ختاماً، أعتقد جازماً بأنه لا بد من حل متلازمة ضعف أداء الخطوط السعودية، وتحويلها من مُعالة إلى معيلة، كي تخرج من جلباب الحكومة المتّسع؛ الذي ظلت ترفل فيه طوال عقود؛ بعد أن استمرأت كونها عالة على المال العام؛ الذي لم يعد يحتمل مثل ذلك الرفاه، وحتى يمكن تحقيق ذلك من الضروري تحويلها قريباً إلى شركة تدار وفق أسس تجارية؛ وحين يتحسّن أداؤها وتُحقّق الربحية؛ يتم تخصيصها.
gbadkook@yahoo.com
في الثاني من أغسطس عام 2014، كتبت مقالا (خاصا) في هذه الصحيفة عن الخطوط السعودية بمناسبة مباشرة مديرها العام الحالي (الجديد آنذاك) عمله في ذلك اليوم؛ بعد اختياره من قبل مجلس إدارتها لرئاسة جهازها التنفيذي. كان عنوان المقال (صباح الخير والعمل يا سعادة المدير العام)، وهدفت بمقالي إلى نقل صورة واقعية لسعادته، مع بداية توليه منصبه الهام، عن مطالب وتطلعات عملاء المؤسسة، بعد أن خذَلت الكثيرين منهم. تعيين المهندس صالح الجاسر في ذلك المنصب جاء بعد تدهور أداء (الخطوط) وتدني مستوى خدماتها؛ نتيجة لـ(متلازمة) ضعف الإدارة، والأكيد هو أن مجلس إدارتها وجد (حينئذٍ) في شخص المدير العام الكفاءة والخبرة المناسبتين لانتشال المؤسسة من (قيلولتها) الطويلة بعد عصرها الذهبي.
واليوم وبعد مرور نحو ثلاث سنوات على استلام مديرعام الخطوط مهام عمله، يتساءل الكثيرون عن الإنجازات التي (ربما) تكون قد نجحت في تحقيقها منذ ذلك الوقت؟، خصوصا أن منصبه يتقاطع مع احتياجات ومصالح سكان المملكة وزوّارها؛ على مدار الساعة وطوال العام، والأكيد هو أننا لم نلمس حتى الآن تطورات مهمة فيها. وتحرياً للموضوعية، فقد تكون هناك عوائق لا نعلمها، وربما حدث بعض التطوير، ولكن معظمنا لم يسمع عنه شيئاً؛ لقصور إعلام الخطوط، إلّا إذا كانت خطوطنا تعتبر أن شراء بعض الطائرات ورفع أسعار التذاكر الداخلية هو إنجاز فريد!، لذلك فلا نستغرب الانطباع السلبي الذي نحمله كعملاء، عن مؤسستنا العريقة، رغم اعتزازنا بها، كاعتزازها بنا.
وفي مقالي المشار إليه طرحت على (مدير الخطوط) بضعة أفكار وتصورات كفيلة بتحسين أداء المؤسسة؛ لو تم الأخذ بها، راجياً منه وضعها في عين الاعتبار، (ويبدو الآن أن تجاوبه كان محدوداً)؛ كان منها:
1ــ حصر التحديات والعوائق، وإعادة تقييم الموارد والإمكانيات؛ تمهيداً لوضع (خارطة طريق) تنقذ المؤسسة من وضعها المتردي؛ على أن يتم يتم الإعلان عنها بعد 3 أشهر.
2ــ وضع رؤية إستراتيجية لإصلاح المؤسسة؛ وإعادة هيكلتها جذريا وفق أسس مختلفة بعد التعامل مع المشكلات التي أعاقت تطويرها؛ لتلحق بالمنافسين الإقليميين الأكثر كفاءة.
3ــ إقرار خطة عمل ذات إطار زمني محدّد؛ لإجراء الهيكلة الضرورية التي يتوقف على تنفيذها بمهنية عالية وحوكمة داخلية وعدالة مطلوبة، إعادة إنطلاق المؤسسة على أسس أفضل.
وبعد انقضاء هذه الفترة التي نراها كافية لتحقيق نقلة (معقولة) على أداء الخطوط؛ دون تحقيقها تقدما يُذكر، زادت قناعتنا بوجود (خلل ما) فيها، لذا يحق لنا الآن أن نسأل مديرها العام عن ماهية التطورات (الجوهرية) التي شهدتها المؤسسة منذ اضطلاعه بعمله، وربما تختلف عن ما قدمه سلفه في المنصب؟، راجياً أن يتسع صدره للنقد، وأن لا يعتبره موجّها لشخصه الكريم؛ لأن معظمنا لا يعرفونه شخصياً، لذلك فالمُحدِّد الذي يرسم علاقتنا به أو بغيره من التنفيذيين (العموميين) هو مدى جودة وتنافسية الخدمات التي تقدمها المؤسسات العامة.
وفي تقديري فإن شواهد ومؤشرات قصور أداء الخطوط السعودية واضحة كالشمس في رابعة النهار، وليست بحاجة لبراهين أو لدراسات ومتخصصين لكشفها؛ لعل من أبرزها ما يلي:
1ــ استمرار تسجيلها خسائر متزايدة سنوياً، رغم الدعم الحكومي المتعدد الذي ما زالت تحظى به ولا يتسع المجال لذكره، وشغل الطاقة الاستيعابية لمقاعدها في معظم رحلاتها!.
2ــ قلّة عدد الوجهات الدولية التي تسيّرها مقارنة بمنافيسها في المنطقة والعالم، وتواضع مستوى الخدمة على رحلاتها؛ خصوصاً المحلية منها ولا سيما لركاب الدرجة الاقتصادية.
3ــ تراجع انضباط مواعيد إقلاع رحلاتها، وعدم منطقية تبريرها لذلك بالأحوال الجوية، وضعف وبطء تفاعلها مع شكاوى العملاء.
4ــ انسحابها تدريجيا من خدمة مدن الأطراف في البلاد، وترك ذلك لخطوط الطيران المنافسة محلياً.
5ــ زيادة شكاوى بعض كوادرها الإدارية الفنية؛ خصوصا قائدي الطائرات وأطقم الخدمة الجوية؛ من تقليص الامتيازات، وسوء المعاملة، وتضارب القرارات، وتعطيل العلاوات والترقيات، والفصل التعسفي.
6ــ انخفاض تنافسيتها، وتأخيرها في تجديد أسطولها، وزيادة الطائرات المستأجرة، والبطء الملحوظ في مواكبتها لمستجدات صناعة النقل الجوي؛ سريعة التطوّر.
7ــ تزايد الأعطال وضعف الصيانة مما يترتب عليه تأخير إقلاع الرحلات، أو توقفها في محطات غير مجدولة، أو تغيير مواعيدها قبل وقت قصير من إقلاعها.
ورغم أنني لست ضد الاستعانة بالخبرات الأجنبية، إلّا أن قيام الخطوط في الآونة الأخيرة بتوظيف عدد من غير السعوديين في بعض المواقع التنفيذية والاستشارية لم يكن موفقاً -حسب رأي العارفين ببواطن الأمور ومستوى السِيَر المهنية التي نشرتها وسائل الإعلام- إذ إن بعض أولئك المعينين بمرتبات ومزايا عالية، يفتقرون لسجلات وظيفية استثنائية، ولا يتمتعون بخبرات عملية تشير إلى تميزهم، في حين تتوافر كفاءات وطنية مشهود لها بالكفاءة والمهنية العالية وتزدحم بهم سوق عملنا.
ويبدو أننا لسنا وحدنا -عملاء الخطوط- الذين لديهم تساؤلات وتحفظات على أداء الخطوط السعودية، فها هو مجلس الشورى يشاركنا آراءنا السلبية عنها، إذ طالب المجلس أخيراً بإعادة هيكلة المؤسسة، وتطوير خدماتها التشغيلية والإلكترونية، ودراسة مدى انضباط مواعيد رحلاتها، مع تطوير الكفاءات الفنية والخدمية للمسافرين.
الغريب أن يحدث كل ذلك في الوقت الذي تتمتع فيه الخطوط بمزايا يندر أن تحظى بمثلها الكثير من شركات الطيران حول العالم؛ أولها نقلها نسبة جيدة من الحجاج والمعتمرين، وثانيها كثرة المواسم التشغيلية في المملكة على مدار العام، هذا فضلاً عن اتساع مساحة المملكة؛ مع غياب شبكة نقل عام أرضي؛ عادة ما تستقطب نسبة عالية من المسافرين؛ على حساب حصة النقل الجوي.
ختاماً، أعتقد جازماً بأنه لا بد من حل متلازمة ضعف أداء الخطوط السعودية، وتحويلها من مُعالة إلى معيلة، كي تخرج من جلباب الحكومة المتّسع؛ الذي ظلت ترفل فيه طوال عقود؛ بعد أن استمرأت كونها عالة على المال العام؛ الذي لم يعد يحتمل مثل ذلك الرفاه، وحتى يمكن تحقيق ذلك من الضروري تحويلها قريباً إلى شركة تدار وفق أسس تجارية؛ وحين يتحسّن أداؤها وتُحقّق الربحية؛ يتم تخصيصها.
gbadkook@yahoo.com