قد يدهشنا العدد المتواضع للجمعيات الأهلية في المملكة نسبة إلى عدد السكان وعدد المقيمين، لكن ما يدهشنا أكثر هو حجم الأعمال الخيرية التي تتم خارج رحم تلك الجمعيات الأهلية وبعيدا عنها. ففي موسم رمضان، تغيب الجمعيات عن الكثير من الأعمال الخيرية الإنسانية والدينية، مقارنة بالأعمال الخيرية الكبيرة التي يقوم بها أفراد المجتمع، كل على حدة، أو مجتمعين بعيدا عن الجمعيات وبمعزل عنها.
فلماذا ينأى الناس أو أغلبهم أو حتى بعضهم عن الجمعيات الأهلية وعن التعامل معها ويقومون بأعمالهم الخيرية بعيدا وبمعزل عنها؟ أيهما البعيد أكثر عن الآخر الجمعيات أم المواطن أم أن كليهما يقف على مسافة قطيعة واحدة؟ وهل هو قصور الجمعيات برؤيتها وأهدافها وأدواتها وإداراتها وفروعها وإمكاناتها عن استيعاب الأعمال الخيرية الفردية فهما واقعيا نفسيا واجتماعيا ودينيا وإنسانيا دقيقا وإتمام تلك الأعمال مؤسساتيا عن طريق الجمعيات بدلا من الأساليب التقليدية، أم هو قصور تفكير وعي الفرد والمجتمع بدور الجمعيات وعدم القناعة بأهمية ذلك الدور وسلامة إجراءاتها ونزاهة مقاصدها ونضج القائمين عليها؟
هل تستطيع 800 جمعية ومؤسسة أهلية سعودية القيام بالحد الأدنى من الدور المتوقع من القطاع الثالث خيريا وتنمويا وإنسانيا في بلد يبلغ سكانه 31.742.308 ؟ إن اللغة الحسابية من هذه الأرقام تشير إلى أن كل جمعية تخدم ما يقارب 40 شخصا، هذه الجمعيات لا تغطي كافة الاهتمامات والتخصصات، فضلا عن عدم تغطيتها لكافة الجوانب التنموية، إلا أنها بعيدة كل البعد عن التوزيع الجغرافي والديموغرافي وهذا بحد ذاته يمثل أحد جوانب القصور.
لكن الأسباب الأعمق والأبعد والتي تقف وراء اتساع الفجوة بين الجمعيات الأهلية والأعمال الخيرية من ناحية والإنسان والمجتمع والجمعيات الأهلية من جهة أخرى، قد يكون نتيجة للتعقيدات الإدارية والتنظيمية التي كانت البيروقراطية الرسمية لإنشاء وتأسيس جمعية أو مؤسسة أهلية، حيث كانت تصل إجراءات التصريح بها والسماح لها والترخيص بمزاولة عملها لسنوات قبل منحها الترخيص الرسمي لذلك. فهل تنجح التوجهات الجديدة وتقليص الإجراءات قرابة الستين يوما، هل سيؤدي إلى تفعيل القطاع الثالث والتوسع بحجم الجمعيات الأهلية وتحقيق أكبر عدد ممكن من فئات المجتمع بتأسيس وتفعيل جمعيات أهلية تعبر عن رغباتهم وتستفيد من قدراتهم وتخدم أهدافهم العامة؟
يجادل كثيرون في الحقيقة بأن المشكلة لا علاقة لها بوعي الناس أو الجمهور والمجتمع بالقطاع الثالث، وإلا لماذا فشلت الجمعية الوطنية للمتقاعدين والتي تزخر بالكفاءات الهائلة والتجارب العملية الناضجة، حيث عجنتها الحياة ونضجتها، بل لماذا أخفقت الجمعيات التعاونية بإدارة وتشغيل العديد من المشروعات التي كانت ستخدم قطاعات عريضة من المجتمع وبمالهم ومن خلال حصص وأسهم مالية تعود عليهم وعلى مجتمعاتهم المحلية بالفائدة والاستثمار؟
وقد تكون الجمعيات العلمية أقوى وأوضح مثال ربما على حجم خيبة الأمل بما يمكن أن يحققه القطاع الثالث في المملكة حتى الآن، حيث يتضح ذلك عند مقارنة هذه الجمعيات العلمية السعودية بنظيراتها ببعض دول العالم والمجتمعات الأكاديمية والبحثية والعلمية المماثلة في العالم، وهي الجمعيات التي يملك أعضاؤها ما يملكون من الوعي العلمي المتخصص والذي لا يمكن مقارنته بوعي ومعرفة البسطاء من الناس العاديين ليكون دافعا كافيا لإطلاق هذا النوع من الجمعيات وتحقيق تطلعات المجتمعات العلمية والأكاديمية. فما الذي حققته الجمعيات العلمية السعودية مختلفا عن جمعيات المستهلكين وجمعيات الأحياء البسيطة غير العلمية؟
الجمعيات المهنية متوقفة هي الأخرى عند زمن تأسيسها وهيئة الصحفيين خير مثال على حجم الجمود والتكلس الذي يعانيه قطاع بحيوية وأهمية قطاع الصحافة.. أين الخلل إذن؟ لماذا تبدو الصورة في القطاع الثالث خارج الرؤية التي تفاعل معها الكثير من القطاعات الحكومية والتجارية؟
لماذا يبقى القطاع الثالث منكفئا على نفسه عاجزا عن الخروج من النفق الذي دخله منذ سنوات ولم يستطع أن يقدم نفسه للمجتمع ولم يتمكن من إقناع الفرد والمجتمع بدوره وقدراته، في الوقت الذي يئن فيه العديد من مجتمعاتنا المحلية من نقص الاحتياجات الصحية والتعليمية والاجتماعية النوعية؟
أظن أن الأمر يتطلب التسريع بتطبيق الإجراءات الجديدة والتي جاءت بها الأنظمة الجديدة، لكن الضرورة تقتضي إجراء مراجعة جادة لكيفية توسيع حجم هذا القطاع المهم والحيوي، حيث تعول عليه دول شتى باستيعاب نسب كبيرة من القوى العاملة، شريطة إخضاعه للحوكمة. فلا مجال لإدارة الجمعيات بعقلية شيخ العزبة أو شيخ القبيلة، كما أن دورا عاجلا وجادا لنزاهة مطلوب مع عدم التساهل مع إدارات الجمعيات التي تحوم حول بعضها الكثير من الشكوك وعلامات الاستفهام وتفوح الروائح منذ زمن.
سؤالي الأخير لماذا لا يسمح للمقيمين في المملكة تأسيس جمعيات خاصة إذا كانت ذات طابع إنساني وفني وثقافي وتراثي؟
abdulatifalduwaihi@gmail.com
فلماذا ينأى الناس أو أغلبهم أو حتى بعضهم عن الجمعيات الأهلية وعن التعامل معها ويقومون بأعمالهم الخيرية بعيدا وبمعزل عنها؟ أيهما البعيد أكثر عن الآخر الجمعيات أم المواطن أم أن كليهما يقف على مسافة قطيعة واحدة؟ وهل هو قصور الجمعيات برؤيتها وأهدافها وأدواتها وإداراتها وفروعها وإمكاناتها عن استيعاب الأعمال الخيرية الفردية فهما واقعيا نفسيا واجتماعيا ودينيا وإنسانيا دقيقا وإتمام تلك الأعمال مؤسساتيا عن طريق الجمعيات بدلا من الأساليب التقليدية، أم هو قصور تفكير وعي الفرد والمجتمع بدور الجمعيات وعدم القناعة بأهمية ذلك الدور وسلامة إجراءاتها ونزاهة مقاصدها ونضج القائمين عليها؟
هل تستطيع 800 جمعية ومؤسسة أهلية سعودية القيام بالحد الأدنى من الدور المتوقع من القطاع الثالث خيريا وتنمويا وإنسانيا في بلد يبلغ سكانه 31.742.308 ؟ إن اللغة الحسابية من هذه الأرقام تشير إلى أن كل جمعية تخدم ما يقارب 40 شخصا، هذه الجمعيات لا تغطي كافة الاهتمامات والتخصصات، فضلا عن عدم تغطيتها لكافة الجوانب التنموية، إلا أنها بعيدة كل البعد عن التوزيع الجغرافي والديموغرافي وهذا بحد ذاته يمثل أحد جوانب القصور.
لكن الأسباب الأعمق والأبعد والتي تقف وراء اتساع الفجوة بين الجمعيات الأهلية والأعمال الخيرية من ناحية والإنسان والمجتمع والجمعيات الأهلية من جهة أخرى، قد يكون نتيجة للتعقيدات الإدارية والتنظيمية التي كانت البيروقراطية الرسمية لإنشاء وتأسيس جمعية أو مؤسسة أهلية، حيث كانت تصل إجراءات التصريح بها والسماح لها والترخيص بمزاولة عملها لسنوات قبل منحها الترخيص الرسمي لذلك. فهل تنجح التوجهات الجديدة وتقليص الإجراءات قرابة الستين يوما، هل سيؤدي إلى تفعيل القطاع الثالث والتوسع بحجم الجمعيات الأهلية وتحقيق أكبر عدد ممكن من فئات المجتمع بتأسيس وتفعيل جمعيات أهلية تعبر عن رغباتهم وتستفيد من قدراتهم وتخدم أهدافهم العامة؟
يجادل كثيرون في الحقيقة بأن المشكلة لا علاقة لها بوعي الناس أو الجمهور والمجتمع بالقطاع الثالث، وإلا لماذا فشلت الجمعية الوطنية للمتقاعدين والتي تزخر بالكفاءات الهائلة والتجارب العملية الناضجة، حيث عجنتها الحياة ونضجتها، بل لماذا أخفقت الجمعيات التعاونية بإدارة وتشغيل العديد من المشروعات التي كانت ستخدم قطاعات عريضة من المجتمع وبمالهم ومن خلال حصص وأسهم مالية تعود عليهم وعلى مجتمعاتهم المحلية بالفائدة والاستثمار؟
وقد تكون الجمعيات العلمية أقوى وأوضح مثال ربما على حجم خيبة الأمل بما يمكن أن يحققه القطاع الثالث في المملكة حتى الآن، حيث يتضح ذلك عند مقارنة هذه الجمعيات العلمية السعودية بنظيراتها ببعض دول العالم والمجتمعات الأكاديمية والبحثية والعلمية المماثلة في العالم، وهي الجمعيات التي يملك أعضاؤها ما يملكون من الوعي العلمي المتخصص والذي لا يمكن مقارنته بوعي ومعرفة البسطاء من الناس العاديين ليكون دافعا كافيا لإطلاق هذا النوع من الجمعيات وتحقيق تطلعات المجتمعات العلمية والأكاديمية. فما الذي حققته الجمعيات العلمية السعودية مختلفا عن جمعيات المستهلكين وجمعيات الأحياء البسيطة غير العلمية؟
الجمعيات المهنية متوقفة هي الأخرى عند زمن تأسيسها وهيئة الصحفيين خير مثال على حجم الجمود والتكلس الذي يعانيه قطاع بحيوية وأهمية قطاع الصحافة.. أين الخلل إذن؟ لماذا تبدو الصورة في القطاع الثالث خارج الرؤية التي تفاعل معها الكثير من القطاعات الحكومية والتجارية؟
لماذا يبقى القطاع الثالث منكفئا على نفسه عاجزا عن الخروج من النفق الذي دخله منذ سنوات ولم يستطع أن يقدم نفسه للمجتمع ولم يتمكن من إقناع الفرد والمجتمع بدوره وقدراته، في الوقت الذي يئن فيه العديد من مجتمعاتنا المحلية من نقص الاحتياجات الصحية والتعليمية والاجتماعية النوعية؟
أظن أن الأمر يتطلب التسريع بتطبيق الإجراءات الجديدة والتي جاءت بها الأنظمة الجديدة، لكن الضرورة تقتضي إجراء مراجعة جادة لكيفية توسيع حجم هذا القطاع المهم والحيوي، حيث تعول عليه دول شتى باستيعاب نسب كبيرة من القوى العاملة، شريطة إخضاعه للحوكمة. فلا مجال لإدارة الجمعيات بعقلية شيخ العزبة أو شيخ القبيلة، كما أن دورا عاجلا وجادا لنزاهة مطلوب مع عدم التساهل مع إدارات الجمعيات التي تحوم حول بعضها الكثير من الشكوك وعلامات الاستفهام وتفوح الروائح منذ زمن.
سؤالي الأخير لماذا لا يسمح للمقيمين في المملكة تأسيس جمعيات خاصة إذا كانت ذات طابع إنساني وفني وثقافي وتراثي؟
abdulatifalduwaihi@gmail.com