-A +A
أنمار مطاوع
نجاح تجربة إنسانية لدولة ما في أي مشروع تعليمي أو صحي أو اقتصادي.. لا يعني بالضرورة نجاح تلك التجربة في دولة أخرى حين تطبيقها. البروجماتية -أي إخضاع النظرية للتطبيق- تفيد بأن نقل تجربة ما بكل حذافيرها ومميزاتها ومحاذيرها كربونيا لمجتمع آخر لا يؤدي لنفس النجاح أو تحقيق نفس النتائج. إسقاط التجربة العالمية الناجحة -في أي مجال كان- على الواقع المحلي ليس هو الطريق الصحيح لتحقيق النجاح أو تكراره. بل ما يحدث في معظم الأحيان يكون عكس المأمول، فمجرد إسقاط التجارب -كمؤشر على العمل الكسول- تأتي في الغالب نتائجه غير دقيقة وغير محسوبة.. وغير محببة. فظروف المجتمعات البيئية وعاداته وثقافته الاجتماعية تختلف من مجتمع لآخر، وبالتالي، ما ينجح هناك -إلى حد كبير- لن ينجح هنا؛ وستكون مفاجأة لو حدث.

حين يطالب بعض ذوي الاختصاص بتطبيق تجربة عالمية محليا، فهم لا يقصدون نقلها وتطبيقها كما هي.. بل يقصدون استلهامها، وتفكيك عناصر نجاحها، ومعرفة خطواتها المنطقية.. فهذا هو طريق النجاح الذي يُقتدى به.


على سبيل المثال، عندما حاولت وزارة التعليم أن تتبنى تطبيق تجارب دول متقدمة في مجال التعليم، لم يتحقق النجاح التعليمي الذي كانت تتصوره القيادات. لأن انسجام الثقافة الاجتماعية المحلية مختلف تماما عن الثقافة الاجتماعية في المجتمع الذي نجحت فيه تلك التجربة. والمؤشرات كانت واضحة.. فتطبيق تجربة تعليمية تقوم على حرية الفكر وتقديس العلم لن تنجح في مجتمع يقوم أساس تعليمه على اختلاف الأفكار وأدلجتها.

ما ينطبق على التعليم ينطبق أيضا على الأدب والفن والاقتصاد.. وكل شؤون الحياة.

الذين يتحدثون عن عدم نجاح رؤية 2030 في بلدانهم، لا يحق لهم أن يطلقوا أحكاما عن نجاح الرؤية من عدمه في السعودية. فربما طبقوا الرؤية حرفيا وليس استلهاما فجاءت النتائج على غير الرغبة. وهذا ليس عيب الرؤية ولكن مشكلة التطبيق.

الاستلهام الهادف إلى المصاهرة بين التجربة الناجحة وآلية تطبيقها محليا هو سر الاستفادة من تجارب العالم وتنوع حضاراته. فالمجتمعات لا تبدأ تجاربها من العدم، بل تستقي التجارب الإنسانية من الآخرين وتستلهم أسرار نجاحها.