-A +A
عبده خال
في هذه الأيام تتسع شهية بعض الدعاة والمحللين السياسيين في نثر الأحاديث والفتاوى وفق وزن الغلة.. تابعت قناة الجزيرة فرأيت وسمعت ما يؤكد هذا البحث المحموم عمن يتحدث عن الدول الأربع المقاطعة لقطر، ولم تسلم أي منها من الاتهامات التي ذهبت إلى تأكيد البهتان بخلق قصص من كل مكان على ألسنة شخصيات منتقاة من مشارق الأرض ومغاربها.

وفي زمن الاختلافات السياسية تنشط العجلة الإعلامية وتظهر وجوه وتصرف الأموال الضخمة من أجل تأكيد بهتان، ومن المعروف أن من يبث الفرية أولا يكون في مأمن من الرد مهما كان حاملا للدلائل والحجة والبراهين، لأن السامع يعيرك أذنيه في البدء ولا يلتف لتكذيب ما تم قوله أو نشره.


هذه القاعدة الإعلامية تعرفها وتجيدها قناة الجزيرة وقد دأبت على ممارسة هذه اللعبة منذ اشتعال الثورات العربية، حتى لم يعد المستمع على بينة بما يقال، إلا أن الواقع يكذب الأخبار، وإلى أن يحين موعد التكذيب تكون الكذبة (أو البهتان) قد أحدثت ما يراد للخبر أن يحدثه من اهتزاز بين الحقيقة والكذب.

ولأن قناة الجزيرة تغطي الكرة الأرضية ولديها قاعدة جماهيرية ينتشر فيها الخبر أو الرأي على نطاق واسع يصبح تكذيبه بحاجة إلى قناة مماثلة على الأقل اقتسام المشاهدين بين مصدق وبين مكذب.

وأعتقد أن على المستمع أن يجنح عما يقال في هذا الزمن تحديدا، وأن يكف تجار الدين عن مزاولة البيع باسم الله، أما المحللون السياسيون فهي فرصة سانحة لتوسيع أرصدتهم.

***

تناقلت وسائل التواصل الاجتماعي مقطع فيديو لشاب يعتدي على عامل نظافة بحجة أن العامل مفطر في رمضان..

مشهد في غاية السوء لشاب لا يعرف شيئا عن الدين أو الفرص التي يفطر فيها الإنسان ولا يعرف أن الإيمان مسألة اختيارية.. شاب تربى على أن أفعاله هي الصائبة ومن يحيد عما تعلمه يجب عليه إعمال اليد للنهي عن المنكر..

قصة هذا الشاب هي عقدة الكثيرين الذين لا يفقهون شيئا سوى التدخل باليد عندما يكون الأمر يتعلق بأي عبادة ولو سألته لوجدت محدودية علمه وتكون تصرفاته مبنية على تراكمات من الأحداث التي تشجع التدخل برفع اليد.

وأي قلب رحيم شاهد ردة فعل عامل النظافة سوف يحس بمقدار الضعف الإنساني أمام القوة الغاشمة، هو منظر بسيط، لكنه يحمل معاني كثيرة قد يكون أهمها نقص الوعي بالدين وشح الجانب الإنساني عند الشاب الذي تعدى على حرية العامل وانتهك إنسانيته بحجة الأمر بالمعروف..

أتمنى على وزارة العمل أن لا تترك مثل هذه الحادثة تعبر من غير أن تقف مع عامل النظافة، على الأقل لتأسيس أن هذه الفئة المستضعفة لها سند يحميها من عبث العابثين والجهلاء والمستكبرين.