-A +A
صدقة يحيى فاضل
من بين كتابنا الصحفيين الجادين والموضوعيين (وهم الآن، مع الأسف، قلة قليلة) الحريصين على تقديم ما يفيد الوطن والمواطن بحق، والذين أحرص، قدر الإمكان، على قراءة ما يكتبون هو الأستاذ عيسى الحليان. إنه من القلة شبه النادرة التي تجعلنا نشعر أن في صحافتنا خيرا، وقدرا يحمد ويشكر من الأمانة والإخلاص. قرأت مؤخرا مقالا له بعنوان: «هيئة أو وزارة الأنظمة» (عكاظ: العدد 18571، في 1/ 7/ 2017م، ص 16) وفيه تحدث عن صياغة الأنظمة الحكومية في بلادنا في واقعها الحالي، وما ينبغي أن تكون عليه هذه الصياغة، في رأيه. إذ قدم ملخصا لما هو كائن، وختم مقاله باقتراح تطوير هيئة الخبراء لتصبح: «هيئة عامة، أو وزارة للأنظمة»...؟! فالدور التنظيمي الحالي الذي تقوم به هذه الهيئة أكبر من حجمها وإمكاناتها الراهنة -كما تفضل.

وسارع بالقول، مبررا مقترحه، بأنه: «نظرا لطبيعة المرحلة والمتغيرات الطارئة في طبيعة المؤسسة الحكومية، والدور المطلوب منها لاحقا...» يصبح إنشاء الهيئة أو الوزارة المقترحة: «ليس من باب الترف التنظيمي، أو الهوس في إقامة الوزارات والهيئات العامة...». وتطرق الأستاذ الحليان لسلطة التشريع ودور مجلس الشورى في صياغة الأنظمة. وذكر أن مجلس الشورى تشكل الأنظمة ربما 80% من منتجاته الشورية.


*** الشكر للأستاذ عيسى أولا على تطرقه لهذا الموضوع الهام، وأتمنى أن يتواصل الحديث والنقاش فيه لأهميته البالغة، وتأثيره الشامل والهائل في كل جوانب حياة الوطن والمواطن... راجين أن نصل، في نهاية الأمر، إلى واقع تنظيمي عام تسود فيه الإيجابيات، لأقصى حد ممكن، وتتقلص السلبيات لأدنى حد ممكن. علما بأن هناك كثيرا من أمور الشأن العام لا زالت غير مقننة أصلا، أو غير مقننة بشكل صحيح وإيجابي. كما أن معظم قوانيننا ونظمنا لا تراجع (وتعدل) بشكل دوري، وعلمي مدروس جيدا. ما زلنا، كمجتمع، وبلد نام، في حاجة إلى الكثير من الأنظمة التي تنظم أوجه الحياة العامة الحديثة، كبيرها وصغيرها.

وليسمح لي الأستاذ الحليان أن أختلف معه في بعض ما اقترحه. وأتساءل: لماذا لا نأخذ بما أخذ به غيرنا ممن تقدموا قبلنا، طالما أن ذلك لا يخالف شريعتنا، ولا يمس شخصيتنا؟! أليست الحكمة ضالة المؤمن؟! لا يوجد بلد في العالم به جهاز خاص واحد (هيئة أو وزارة) يقوم بعمل الأنظمة لكل الجهات، ولكل الناس؟! هذا أمر غير منطقي وغير عملي، ويؤسس -إن تم الأخذ به- لتسلط غير محمود.

الأصل، يا سيدي، أن تقوم الجهة المعنية والمختصة بموضوع التنظيم، أو النظام أو القانون، باقتراح ما تراه من نظم تحكم جزئية محددة من الشأن العام الذي تشرف عليه. ثم ترفع مسودة النظام للسلطة التشريعية التي يجب أن يكون لها القول الفصل في النظام... لأن هذه السلطة يفترض أنها تمثل الناس المعنيين أصلا بهذا النظام، أو ذاك. إذا، أي فرع أو جهاز في السلطة التنفيذية يقدم مسودات «مشاريع» القوانين/ الأنظمة، ثم ترفع للسلطة التشريعية التي لها كامل الحق أن تقبل النظام كما رفع لها، أو ترفضه جملة وتفصيلا، أو تعدل فيه ما تشاء، وتصدره معدلا. أما السلطة القضائية العليا فلها حق مراجعة أي قانون يصدر عن التشريع... لضمان دستوريته... أي تمشيه مع دستور البلاد. فالمحكمة العليا هذه هي حامية الدستور، والمرجع في تفسيره. ولا تقبل أي نظام، أو حتى لائحة، ما لم يكن متوافقا مع الدستور.

*** وكثيرا ما تبادر السلطة التشريعية نفسها، عبر واحد أو أكثر من أعضائها، باقتراح نظام معين... غالبا ما يتم طرحه للنقاش، والبلورة وحسن الصياغة، ثم يصوت عليه بالقبول أو الرفض. فإن قبلته الأغلبية يصبح نظاما معتمدا، بعد موافقة المحكمة العليا، وتصديق رئيس الدولة.

والسلطة التشريعية لا تقوم بالموافقة على أي نظام، سواء أتاها من السلطة التنفيذية، أو من أحد أعضائها، إلا بعد بحث وتمحيص مكثفين. إذ غالبا ما يكون لديها جهاز قانوني كبير... يتولى صياغة وبلورة الأنظمة المختلفة، ووضعها في قالب قانوني حديث. كما أن السلطة التشريعية غالبا ما يكون لديها مركز أبحاث متكامل... يقوم بمساعدتها في اتخاذ ما يجب أن تتخذه من قرارات وسياسات.

وبالنسبة لمجلس الشورى السعودي، فإنه يتولى القيام ببعض التشريعات بالمشاركة مع مجلس الوزراء، الذي له السلطتان التنفيذية والتشريعية. وما زال مجلس شورانا يحتاج لوجود مركز أبحاث جيد، وإن كانت لديه إدارة قانونية مقبولة.

وإن كان لي أن أقترح هنا، فإنني أرى: دراسة تدعيم سلطة مجلس الشورى التشريعية، وأن تصبح هيئة الخبراء ذراعه اليمين في دراسة وبلورة الأنظمة، ليكون المجلس هو من يقر الأنظمة. وتصبح نافذة بعد اعتماد الملك لها. والله الموفق.

sfadil50@hotmail.com