-A +A
محمد الجهني
التحول من سياسة لأخرى أو من اتجاه إستراتيجي لآخر ليس بالأمر الهين الذي يتم قبوله ودعمه من الشرائح المعنية بسهولة بل إن المعتاد خلاف ذلك، إذ عادة ما تُواجه السياسات والاتجاهات الإستراتيجية الجديدة بالرفض والمقاومة، ولذلك تقوم الأجهزة الحكومية أو الشركات بالتبشير إعلامياً من خلال كافة وسائل التواصل بسياساتها واتجاهاتها الإستراتيجية الجديدة كحلول بديلة للحلول السابقة التي تحولت لمشكلات نتيجة تغير الظروف والمعطيات، ثم تعزز الأقوال بالأفعال التي تثبت فعالية وجدوى الحلول الجديدة البديلة.

وزارة الإسكان وفي إطار أهدافها ومهامها المنصوص عليها بقرار تأسيسها اتجهت لإستراتيجية دعم العرض وتمكين الطلب لتحقيق التوازن بين المطلوب والمعروض من الوحدات السكنية في السوق العقارية لرفع نسبة تملك المواطنين والانتهاء من قوائم الانتظار بالسرعة المنشودة، وجاء هذا التوجه الإستراتيجي الجديد كنتيجة طبيعية لانتهاء فاعلية سياسة أرض من البلديات وقرض من الصندوق العقاري في تسكين المواطنين على قوائم انتظار الصندوق والوزارة الذين وصلوا لأكثر من 1.5 مليون طلب لا يمكن تمكينهم من التملك بالسياسة السابقة إلا بعد عقود طويلة.


ورغم أن الوزارة بشرت بإستراتيجيتها الجديدة والبرامج والمبادرات التنفيذية التي ستنظم السوق العقارية وتحفز كافة عناصرها وتحميهم من بعضهم البعض من خلال المراقبة الصارمة إلا أن الرأي العام يرى أن الموضوع لم يتجاوز الأقوال، ما جعل المواقف الرافضة والمقاومة هي الأعلى صوتاً، ذلك أن المواطن يرى برامج متعددة كبرنامج «وافي» للبيع على الخريطة، وبرنامج «إتمام» المعني بتسهيل تراخيص المشاريع للمطورين، وبرنامج «الشراكات» المعني بتوفير وحدات سكنية متنوعة بكافة مناطق المملكة بأسعار متناولة وجودة عالية بالشراكة مع المطورين، ومبادرة «القرض المدعوم» المعني بتوفير التمويل اللازم لشراء الوحدات السكنية المطورة أو للبناء الذاتي من خلال البنوك مع تحمل الصندوق العقاري كامل التكاليف البنكية لمن راتبه دون 14 ألف ريال، إلا أنه لم ير كيف يتمكن من تملك المسكن كمحصلة نهائية تحقق له الراحة والاستقرار الأسري دون خوف من جودة رديئة أو عجز مالي يخرجه وأسرته من المسكن.

برنامج سكني الذي يستهدف تخصيص 250 ألف منتج سكني (قرض مدعوم، أرض مجانية، وحدة سكنية جاهزة أو على الخريطة) خلال سنة ساهم بدرجة معينة بعد أن خصص نحو 125 ألف منتج سكني خلال الشهور الستة الأولى، إلا أن رحلة ما بعد التخصيص ما زالت تثير بعض الأسئلة لدى المواطنين لحداثة هذه الآليات المرتبطة بعناصر السوق العقارية التي لم يألفها المواطن في ما سبق، ولذلك ورغم التحول الجزئي بالقناعات والمواقف لا يزال الرفض والمقاومة على درجات عالية رغم فعالية الإستراتيجية الجديدة وتطلبها شيئا من الوقت ليتضح للناس أثرها الكبير في معالجة المشكلة الإسكانية بالتزامن مع رفع مساهمة السوق العقارية في مؤشرات الاقتصاد الكلي كإجمالي الناتج المحلي، وتوليد الفرص الوظيفية للمواطنين، ورفع استخدام المحتوى المحلي في إنتاج المساكن.

ومن وجهة نظري أن نجاح برنامج الشراكات في إقفال مشروع (ديار الحسا)، الذي يشتمل على 1512 فيلا بأسعار تتراوح بين 495 -620 ألفا في فترة أسبوعين لمن خصصت لهم مساكن بنظام البيع على الخريطة، يعتبر تحولا عمليا على أرض الواقع يؤكد نجاح التوجه الإستراتيجي الجديد لوزارة الإسكان وقدرته على تقليص قوائم الانتظار بسرعة كبيرة كبديل ناجح لسياسة الأرض والقرض غير الفاعلة، ولا شك أن إعلان برنامج الشراكات عن توقيع اتفاقيات لإنشاء 9 آلاف شقة و1500 فيلا في 5 مدن أمر مبشر أيضاً بإقبال المطورين لجدوى الشراكة، فضلاً عن إقبال البنوك الممولة.

طريق الألف ميل يبدأ بخطوة، والطريق الإستراتيجي الجديد اجتاز كما يبدو مئات الأميال وبتنا نرى فاعلية هذا الطريق بإقبال كافة عناصر السوق العقارية من مواطنين مستفيدين ومطورين وممولين ومقاولين ومصانع مواد إنشائية، وكلنا أمل بالمزيد من الإنجازات التي تدعم العرض وتمكن الطلب لنرى قوائم الانتظار تتهاوى بسرعة كبيرة لتتحول المشكلة الإسكانية إلى فرصة اقتصادية عظيمة تنمي اقتصادنا الوطني كما نتمنى جميعاً.