-A +A
صالح الفهيد
دخلت الأزمة القطرية شهرها الثالث دون أن تظهر في الأفق أية بوادر للحل، والسبب يعود بالدرجة الأولى للعناد والتحدي القطري المستحكم الذي تبديه الدوحة تجاه الدول الداعية لمكافحة الإرهاب ومطالبها المشروعة.

ومن المحزن أن الحكومة القطرية لا تزال تراهن على المستحيل، والمستحيل هو أن تفلت من هذه الأزمة دون أن تتغير، ودون أن تتراجع عن كل السياسات والممارسات التي استدعت من الدول الأربع أن تقاطعها وتعزلها.


كان الرهان القطري في بداية الأزمة على ضغط أمريكي أوروبي على الدول المقاطعة يضطرها للتراجع والتنازل عن مطالبها وشروطها الثلاثة عشر، والمبادئ الخمسة الرديفة لهذه الشروط، أو بعضها، وعندما سقط هذا الرهان وانتهت المحاولات الأمريكية والأوروبية بعكس ما يشتهي القطريون، بدأت الدوحة تحركا متعدد المسارات باتجاه المؤسسات والمنظمات الدولية، مراهنة على القانون الدولي في إلزام الدول الأربع برفع أو تخفيف إجراءاتها تجاه الدوحة، ويبدو أن هذا الرهان لن يكون أفضل حظا من الرهان الأول، خصوصا أن الدول المقاطعة أكدت مرارا أن كل ما اتخذته من إجراءات بحق قطر من حقوق السيادة ولا ينتهك أو يتعارض مع القوانين الدولية، وكانت تجربة قطر في اللجوء لمنظمة «الإيكاو» دليلا واضحا على أن الدول الأربع درست كل خطواتها وضمنت أن تكون متوافقة مع القوانين والأنظمة الدولية.

والمتتبع للمواقف القطرية منذ اليوم الأول للأزمة يدرك حجم الارتباك الذي يعاني منه صانع القرار في الدوحة، وهو ما انعكس بشكل واضح على قراراتها التي جاءت في الغالب متناقضة ومشوشة، وامتد هذا إلى خطابها الإعلامي الذي حفل بالكثير من التشويش والنفاق والاضطراب، ففي نفس الوقت الذي يتحدث الإعلام القطري بلهجة المكابرة والتحدي، والتظاهر بأن المقاطعة غير مؤثرة إلا على الدول المقاطعة، كان هذا الإعلام يتحدث عن دولة صغيرة «مستضعفة» ومحاصرة إلى حد أن أطفالها اضطروا لشرب حليب الإبل بسبب انقطاع حليب الأطفال من الأسواق جراء«الحصار» المزعوم!

وفي سياق اضطراب الدوحة وتناقضاتها، كانت تتحدث بحساسية مفرطة عن السيادة، وأنها لن تقبل من الدول المقاطعة ما يمس سيادتها، في ذات الوقت الذي كان فيه الجنود الأتراك وغيرهم يدوسون بمدرعاتهم على هذه السيادة أمام القطريين وسط شوارع الدوحة!

ولا زال القطريون يتحدثون عن السيادة وهم أول من يدرك أن لا قيمة لحديثهم في ظل قاعدة العديد والقاعدة التركية، وقواعد الإخوان «الأيديولوجية» وأن بلدهم استحال إلى دولة سائبة محكومة بقيادة تتنازعها سياسات قبلية وأيديولوجية متعددة الخلفيات.

لقد خسرت قطر خلال الشهرين الماضيين الكثير سياسيا واقتصاديا وإعلاميا، واستمرارها في حالة العناد سيكلفها المزيد من الخسائر، وبالطبع عامل الوقت لا يلعب لمصلحتها، وهي إذ دفعت عشرات المليارات من الدولارات حتى الآن بسبب مقاطعة جيرانها لها، فإن فاتورة المقاطعة باهظة جدا، وسيتوجب على الدوحة الدفع باستمرار إلى أن تذعن للشروط والمطالب المشروعة وترفع المقاطعة عنها.

والسؤال الذي يجب أن يطرح على صانع القرار في الدوحة هو: أيهما أفضل الإذعان لهذه المطالب الآن بأقل قدر من الخسائر، أم الإذعان بعد دفع الكثير من الأثمان السياسية والاقتصادية والإعلامية؟

ذلك أن قطر التي كانت قبل العقوبات لن تعود ولن يسمح لها أن تعود لا دوليا ولا إقليميا، والأدوار «الخبيثة» التي كانت تلعبها أصبحت مفضوحة ومكشوفة، ومن الغباء أن تعتقد الحكومة القطرية أنها تستطيع أن تحتفظ بهذه الأدوار، وأنها قادرة بعد الوصول لتسوية أن تحتال من جديد وتعاود أنشطتها المشبوهة في دعم الإرهاب والتخريب والتدخل في الشؤون الداخلية للبدان المقاطعة أو غيرها من البلدان العربية.