ليس لي حسابات أو تطبيقات في كثير من وسائل التواصل الاجتماعي.. لكنني أترك مساحة بسيطة لتلقي بعض ما يطرح في هذه الوسائل من الزملاء والأقارب والأصدقاء والقراء.. كمن يوقد النار في المدفأة لكي يستمتع بدفئها دون أن يعرض جلده للحرق.. نوع من «المازوشية»، المازوشية لمن لم يسمع بها من قبل هي امرأة تتلذذ بإيذاء نفسها وتنتشي بالألم.. بالأمس القريب بعث لي ابني الأصغر(ريان) تسجيلا لصديقه (عبدالله علي إسماعيل هوساوي)، والذي كان يغسل جراحه على «السناب شات»، كان فيه يحترق معلقا «هي الحرائق التي تشتعل لتلتهم ما تبقى منا في صمت، كم من سحابة نحتاجها لنطفئ حرائقنا»، على الطريقة العنصرية واللاإنسانية التي كان يتشدق بها أحد الشباب المتغطرسين وبشكل سافر عن أصحاب البشرة غير البيضاء.. شاب كانت تظهر عليه أعراض انسحاب الذوق العام بوضوح وتوقف مضخة الاحترام لبقية الألوان، كانت الكلمات الصادمة تنحدر من قمة رأسه وإلى أصابع قدميه وكأنها قنوات لنهر آسن يصب في بحر العنصرية والكراهية.. بعض الكلمات والعبارات ما هي سوى جواز سفر للجحيم أحياناً.. بل هي أحزمة ناسفة تفجر السلام الاجتماعي وتهدد لحمته وتجرنا إلى شباك معقدة.. كنت أحمد الله وأنا أتأمل المشهد بخيبة وحزن وألم كأن أحداً رمى بقذيفة هاون أصابتني فشتتني إلى شظايا كئيبة أن لا أحد يستطيع أن يتسلل إلى ذاكرتي، فلو استطاع فقد يجد منفذاً للعبث بأشيائي النبيلة القديمة.. استعدت ما يمكن استعادته دفعة واحدة وأنا أضع يدي على صدري في محاولة للتخلص من تلك الأحاسيس العنصرية المقلقة للغاية، يقول محمود درويش «ولهذا لم أتوقف عن الركض.. أطير على الرصيف هارباً من مدينة مهجورة.. أبحث عن بقايا ذكرياتي الصدئة علها تنقذني من وجعي»، تذكرت كيف احتفلنا وافتخرنا بأبناء مكة عندما عادوا إلينا.. الكابتن طيار الفذ الأسمر (عبدالله وزنة) أطال الله في عمره، والذي تقلد أرفع المناصب القيادية في الخطوط السعودية واستعانت به كبريات شركات خطوط النقل الجوي بعد تقاعده.. وكذلك البرفسور الدكتور (فرج الله وزنة) الجراح المتميز، والذي تتلمذ على يده الكثير من الجراحين السعوديين المهرة في كلية الطب بجامعة الملك عبدالعزيز، وتشرفت بالعمل معه عندما كنت مديراً عاماً لمستشفى الملك عبدالعزيز الجامعي.. لم يكن يعنينا ونحن نحتفل بهم لون بشرتهم، كان حجم الإنجاز يطغى على المظاهر الخارجية أتذكر ذلك بزفرة كبيرة وضيق في التنفس.. كان الرعب يقبض على روحي ويقضمها كما الفأر الجائع.. أحسست باختناق شديد ورغبة كبيرة في التجشؤ ومرارة صفراء تصعد في معدتي، فالفكر العنصري قد يبدو للبعض جرحاً صغيراً لكنه إن لم يعالج في حينه يتحول إلى نهر مسرطن ثم إلى فيضان لأطراف له يصعب احتواؤه.. ولأنني أؤمن بعقلي المذكور في القرآن الكريم.. ظل السؤال ينمو في داخلي حتى سيطر على كلي.. ما العمل؟ لأجد مقال الكاتب الإضافة لكتاب «عكاظ» المتميزين والمحامي المخضرم المحترف المستشار (أسامة سعد يماني)، وكأنه إجابة لتساؤلاتي، حيث كتب مقالاً بعنوان «المحاكم التويترية»، انبهرت كثيراً بكلامه وبكل شيء في المقال ربما لأنه كان يرسم ما تنامى في ذهني، حيث تحدث وبطريقته التوعوية الناضجة عن وسائل التواصل الاجتماعي «السوشيل ميديا»، وكيف أنها وسيلة نشر علنية وكيف أن خطورتها تكمن في أنها لا تخضع لضوابط الصحافة ولا قوانين الفضائيات، وكيف أن استغلالها في غير محلها في إثارة النعرات ونشر العنصرية والكراهية والتحريض والتأليب وتضليل الرأي العام وإثارة الفتن ونشر الفكر الإرهابي.. ونوه وبشدة على أهمية البحث وبجدية عن السبل التنظيمية وسن القوانين لإيقاف كل ما يهدد السلام الاجتماعي وكأنه يقول بفكره المضيء حذار من أن تسقط الكمامة فينقطع جدول الحياة ومنحنا قائمة صغيرة وخريطة طريق لإيقاف كل ما يهدد السلام الاجتماعي ويقتل الحياة.. ولا شيء يقتل الحياة أكثر من العنصرية البغيضة إنها ابنة الموت وصوته السري.. الموت ليس أن تموت جثتك وتدفن تحت كومة من التراب.. الموت أن يعيرك أحدهم بلونك أو ثقافتك أو مذهبك أو جنسك أو لغتك ويحقرك وينجو بكل ذلك من العقوبة المتداولة في كل العوالم المتحضرة، هذا هو الموت الحقيقي أن تصبح شخصا لم يعد لديه من الحياة شيء يغريه على مجاملتها في الاستمرار.. أملي كبير أن تكون هذه القضية الأولى التي يتدخل فيها النائب العام لتقديم أجد دعاة العنصرية والكراهية للعدالة حماية لنسيجنا الاجتماعي ولعل الشراع يفيق!!.