•• دخلت الأزمة مع قطر مرحلة شديدة التعقيد بعد أن ظهرت في الأفق بوادر وفاق محتمل عقب اتصال أمير قطر الشيخ تميم بن حمد آل خليفة بصاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان بن عبدالعزيز ولي العهد نائب رئيس مجلس الوزراء وزير الدفاع مساء الجمعة 17/12/1438هـ، الموافق 8 سبتمبر 2017م. وما أعقبه من تصريحات لوزير الخارجية القطري محمد بن عبدالرحمن آل ثاني وما صاحبها من تغطيات إعلامية فورية دللت على أن قطر ماضية في سياساتها الخارجة على الإجماع الخليجي والتوافق العربي والدولي على مواجهة الإرهاب وتجفيف مصادر وتمويله والعمل على استئصاله والتصدي لكل أسباب ومصادر بذر بذور الفتنة والفوضى في المنطقة بما يؤدي إلى استمرار حالة عدم الاستقرار فيها.
•• ولأن تلك التصريحات قد جاءت مغايرة للغة الاتصال التي أبداها أمير قطر لسمو الأمير محمد بن سلمان. فقد عمدت المملكة إلى تعطيل أي حوار أو تواصل مع السلطة في قطر حتى يصدر منها تصريح توضح فيه موقفها بشكل علني للحوار مع الدول الأربع حول المطالب وتأكيد مصدر مسؤول في وزارة الخارجية أن ما نشرته وكالة الأنباء القطرية بعد دقائق من تلقي ولي العهد اتصالاً هاتفياً من أمير دولة قطر لا يمت للحقيقة بأي صلة، وأن ما نشرته الوكالة القطرية هو استمرار لتحريف السلطة القطرية للحقائق ويدل بشكل واضح أن السلطة القطرية لم تستوعب بعد أن المملكة ليس لديها أي استعداد للتسامح مع تحوير السلطة القطرية للاتفاقات والحقائق بدلالة تحريف مضمون الاتصال الذي كان بناء على طلب قطر وطلبها للحوار مع الدول الأربع حول المطالب. ولأن هذا الأمر يثبت أن السلطة في قطر ليست جادة في الحوار ومستمرة بسياستها السابقة المرفوضة وأن تكون تصريحاتها بالعلن متطابقة مع ما تلتزم به تؤكد المملكة أن تخبط السياسة القطرية لا يعزز بناء الثقة المطلوبة للحوار. وكان ولي العهد قد رحب خلال الاتصال الذي تلقاه من أمير دولة قطر الذي أبدى فيه رغبته بالجلوس على طاولة الحوار ومناقشة مطالب الدول الأربع بما يضمن مصالح الجميع.. كما نص على ذلك بيان المملكة الفوري.
•• وبكل تأكيد.. فإن الأيام الماضية قد شهدت الكثير من الاتصالات ولا سيما بين واشنطن والكويت والمملكة وقطر تحقيقاً للتهدئة ومعالجة الموقف المستجد بالحكمة المطلوبة.
لا مجال للمناورات السياسية بعد اليوم
•• وهنا ينشأ السؤال المهم: هل صحيح أن قطر صادقة في مسعاها للحوار المباشر مع الدول الأربع كما جاء في الاتصال الذي أجراه أميرها بالأمير محمد بن سلمان؟
•• والجواب هو: أن قطر على ما يبدو غير مستعدة في - في الأصل - لتغيير سياساتها.. وأن ما صدر من وزير الخارجية ووكالة الأنباء القطرية ليس من نوع المناورات السياسية.. للحصول على مكاسب وتنازلات من نوع معين على طاولة الحوار.. وإنما هو تعبير عن موقف أصيل لدولة قطر لا يمكن أن تحيد عنه.. وأن الاتصال وإبداء الرغبة في الحوار قد تما استجابة للضغوط الشديدة التي تتعرض لها قطر سواء من قبل أمريكا.. أو الكويت -الوسيط المقبول خليجياً وعربياً ودولياً- أو من قبل الدول والهيئات والمنظمات الدولية لإرغامها على تغيير سياساتها المرفوضة تلك.
•• ولذلك فإن أي محلل سياسي يستطيع الوصول إلى الاستنتاجات التالية.. بالرغم من العقبات الشديدة والموانع الكثيرة والضغوط العنيفة التي يتعرض لها القطريون من الإيرانيين والأتراك وأدواتهم في المنطقة وخارجها.. وكذلك للعروض المغرية التي تتلقاها الدوحة من قبل بعض الأطراف الإقليمية والدولية للصمود والاستمرار على مواقفها المعلنة وسياساتها السرية والخفية خدمة لمصالحهم معها.. وتطلعاتهم إلى تحقيق مكاسب كبيرة في المنطقة من وراء التحالف معها.
•• وتلك الاستنتاجات تنقسم إلى قسمين:
• القسم الأول متفائل.. ويتمثل في:
1) الاستعداد القطري للتخلي عن السياسات التي أدت وتؤدي إلى إزعاج الدول الأربع وسواها.
2) قبول الدول الأربع بمراجعة المطالب الـ (13) وإعادة فرزها بين ما هو سيادي وما هو مخل بالأمن والاستقرار الجماعي.
3) اتفاق الطرفين على قيام الولايات المتحدة الأمريكية ودولة الكويت والأمم المتحدة بضمان الاتفاق النهائي الشاق الذي يتوصلان إليه والتزامهم بعدم السماح بأي خرق له من قبل أي طرف.
4) إيجاد آليات واضحة ودقيقة لوضع الاتفاق النهائي بين الطرفين بضمانة الأطراف الثلاثة موضع التنفيذ ومراقبة أي خرق له.. ومعالجة الموقف فور حدوثه.. وبما لا يدع مجالاً للخروج على الاتفاق أو الالتفاف حول بعض بنوده.
• القسم الثاني متشائم.. ويتمثل في:
1) رفض قطر لعدد من البنود الرئيسية في مطالب الدول الأربع الـ (13) بحجة تعريضها بالسيادة الوطنية وإدخال الاجتماعات في متاهات المصطلحات السياسية والأمنية وتعقيداتها القانونية واحتياج الأطراف الضامنة لوقت أطول لمعالجة هذا الوضع.
2) تمسك الدول الأربع بمواقفها ومطالبها ولا سيما ما يتهدد منها أمنها وسلامتها واستقرارها.. وتأكيدها على ضرورة اتخاذ قطر موقفا واضحا ومحددا وبالذات تجاه علاقاتها غير البناءة مع إيران.. والمنظمات والأحزاب والميليشيات الإرهابية وفي مقدمتها (حزب الله والإخوان المسلمين.. وفتح الشام (النصرة سابقاً) وميليشيات الحوثي في اليمن.. وداعش.. والقاعدة).. مع إيقاف كل شكل من أشكال التدخل المباشر وغير المباشر في شؤون الدول الداخلية ومصالحها الخارجية.. بدءا بالدول الأربع على وجه التحديد.
3) التلويح بإعادة صياغة مجلس التعاون الخليجي من جديد بما يسمح باستمرار هذه المنظومة بعيداً عن مشاركة قطر وتجنب تجميد أعمال المجلس لفترة طويلة حتى يتحدد الوضع بصورة نهائية مع قطر..
لا لطغيان مصالح الغير على حسابنا
•• ولا أظن أن هناك خياراً ثالثاً.. لأن التوصل إلى اتفاق هش تحت أي ظرف.. بما في ذلك الضغوط الشديدة التي تبذلها الدول الراعية وغيرها.. سوف لن يوفر عنصر الاستقرار الذي تنشده الدول الأربع وتتطلع إليه كافة دول العالم بما فيها الدول التي تعاني من الحيرة في الاختيار بين الدول الأربع وقطر نظراً لحجم مصالحها الكبيرة مع الطرفين.. وهي مصالح واسعة.. وكبيرة.. ومعقدة.. بعضها اقتصادي.. وبعضها إستراتيجي وحيوي.. وبعضها الآخر أمني ودفاعي..
•• وعلينا أن ندرك أسباب الضغط المتناهي الذي تمارسه هذه الأطراف علينا وعلى القطريين لأنها لا تريد أن تفرط في حجم مصالحها معنا ومعهم وهو ما قد نتفهمه.. وأن لم نكن راضين عنه لتبرير أي مواقف سلبية.. أو تفكير في استغراق المزيد من الوقت أملاً في أن يكون الزمن عاملاً ضاغطاً على الطرفين لإنهاء المشكلة في النهاية.
تسوية الخلاف مرهونة بتغير الظروف الراهنة
•• وأنا وإن كنت لا استبعد التوصل إلى تسوية مرضية في يوم من الأيام لهذا الخلاف تبعاً لتغير بعض الظروف الموضوعية السائدة في لحظة فارقة من لحظات التاريخ.. إلا أنني لا أعتقد أن هذه التسوية واردة في المدى القصير أو المنظور رغم حتميتها الجيوسياسية.. والإستراتيجية بعيدة المدى لتجنب أي انهيارات قادمة في المنطقة.
•• والسبب في ذلك يرجع إلى:
• أولاً: أن السياسات القطرية الراسخة قائمة في الأصل على مبدأ التمدد والانتشار بالتعاون مع القوى والأطراف التي تعمل على إحداث التغيير في مجمل الأوضاع الأمنية والسياسية والاقتصادية وحتى الثقافية والاجتماعية.. وذلك بدعم وتغذية التنظيمات الطائفية والآيدلوجية والجماعات الناقمة على أنظمتها ومجتمعاتها.
• ثانياً: أن التحالفات السرية أو الظاهرة مع دول مثل إيران وتركيا.. وإسرائيل لن تسمح بدفع الدوحة للعودة إلى منظومتها العربية.. والخليجية على وجه التحديد مقابل فقدان وجودها في قطر ومصالحها المتزايدة معها.. ونجاح مخططاتها التوسعية في الخليج العربي.. بل وفي المنطقة ككل.. وإلا فإن الكثير من المشاريع الإيرانية الراهنة للتمدد في المنطقة العربية وأفريقيا سوف تتوقف بتوقف النشاط القطري القائم معها في تنفيذ سياساتها التوسعية.. كما أن تركيا الطامحة إلى تعزيز وجودها الإقليمي ضمن حسابات واضحة المعالم سوف تبذل قصارى الجهد للإبقاء على حركة الدفع الراهنة لها الآن سواء في سورية.. أو العراق.. أو في منطقة الخليج أيضاً.. وبالتالي فإنها سوف تفعل الكثير لاستمرار الوضع الراهن وتوسيع دوائره بين قطر والدول الأربع.
• ثالثاً: وبكل تأكيد.. فإن الطرف الأول والأكبر المستفيد مما يجري هو إسرائيل لأنها تربط وجودها.. وتوسعها.. بزيادة حجم الفجوة في المنطقة العربية.. بين سائر دولها وشعوبها وصولاً إلى أهدافها النهائية لإقامة إسرائيل الكبرى.
مغزى التسريبات الإسرائيلية الإعلامية الخبيثة
وعلينا أن نتفهم دلالات التسريبات الإسرائيلية الخبيثة على لسان رئيس وزرائها نتنياهو هذه الأيام ووسائل إعلامية عن طروء تحسن كبير في علاقات إسرائيل بجيرانها العرب.. هذه التصريحات هي من نوع صب الزيت على النار المشتعلة بهدف هز ثقة الشعوب في دولها وقياداتها، وهي سياسات إسرائيلية معروفة.. وخطيرة.. وقابلة للتوظيف من قبل الأطراف الحاقدة على الدول الأربع. ولا سيما دول الخليج منها بفعل سياساتها المبدئية الرافضة لسياسات إسرائيل والمؤمنة بحق الشعب الفلسطيني في إقامة دولته المستقبلة وعاصمتها القدس.. وهو الموقف الذي حاولت إسرائيل التأثير عليه باختراقها للخليج من خلال فتح البوابة القطرية أمامها..
• رابعاً: أن الدول الأربع (المملكة والإمارات والبحرين ومصر العربية) لن تسمح - بعد اليوم - باستمرار هذا الوضع المقلق..والخطير.. ليس فقط على أمنها وسلامة شعوبها وإنما على أمن وسلامة واستقرار المنطقة وشعوب المنطقة بأسرها.. هذه الحقيقة تدركها قطر الشقيقة.. كما يدركها الوسطاء وفي مقدمتهم الأشقاء في الكويت ويدركون معها أن تترك الأمور عائمة.. لا يخدم الجميع بما فيهم قطر نفسها..
•• وبصرف النظر عن الاجتهادات القائمة الآن للبحث عن المخرج المناسب.. فإن «الاجتماع الذي تم بين خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز (يرحمه الله رحمة الأبرار) وأخيه صاحب السمو الشيخ صباح الأحمد الجابر الصباح أمير دولة الكويت وصاحب السمو الشيخ تميم بن حمد بن خليفة آل ثاني أمير دولة قطر في الرياض في يوم السبت الموافق 19/1/1435هـ.. وما جرى خلاله من مباحثات مستفيضة تم خلالها إجراء مراجعة شاملة لما يشوب العلاقات بين دول المجلس والتحديات التي تواجه أمنها واستقرارها، والسبل الكفيلة لإزالة ما يعكر صفو العلاقات بينها، ولأهمية تأسيس مرحلة جديدة في العمل الجماعي بين دول المجلس بما يكفل سيرها في إطار سياسة موحدة تقوم على الأسس التي تم تضمينها من النظام الأساسي لمجلس التعاون فقد تم الاتفاق على الآتي:
1) عدم التدخل في الشؤون الداخلية لأي من دول المجلس بشكل مباشر أو غير مباشر، وعدم إيواء أو تجنيس أي من مواطني دول المجلس ممن لهم نشاط يتعارض مع أنظمة دولته إلا في حال موافقة دولته، وعدم دعم الإعلام المعادي.
2) عدم دعم الإخوان المسلمين أو أي من المنظمات أو التنظيمات أو الأفراد الذين يهددون أمن واستقرار دول المجلس عن طريق العمل الأمني المباشر أو عن طريق محاولة التأثير السياسي.
3) عدم قيام أي من دول مجلس التعاون بتقديم الدعم لأي فئة كانت في اليمن ممن يشكلون خطراً على الدول المجاورة لليمن.
•• هذا الاجتماع بتفاصيله ثم مباركة كل من جلالة السلطان قابوس بن سعيد سلطان عمان وجلالة ملك البحرين الشيخ حمد بن عيسى وسمو ولي عهد أبو ظبي الشيخ محمد بن زايد.. له.. قد وضع الأساس المتين لعلاقات طبيعية بين دول هذه المنظومة.. وكانت كافية لمعالجة الاختلال الذي طرأ عليها حين لم تلتزم الشقيقة قطر بمضامينها».
•• وقد استدعى ذلك اجتماع وزراء خارجية دول المجلس لوضع آلية التنفيذ لاتفاق الرياض هذا من ثلاثة بنود رئيسية هي: الجهة المناط بها مراقبة تنفيذ الاتفاق، وجهة اتخاذ القرار، والإجراءات المطلوب الالتزام بها.
•• وعندما لم يتحقق شيء من ذلك.. فقد تم إبرام «اتفاق الرياض التكميلي» يوم الأحد 23/1/1436هــ الموافق 16/11/2014م .
لماذا مصر؟!
وقد نصت المادة الرابعة فيه على «التزام كافة الدول بنهج سياسة مجلس التعاون لدول الخليج العربية لدعم جمهورية مصر العربية والإسهام في أمنها واستقرارها والمساهمة في دعمها اقتصادياً، وإيقاف كافة النشاطات الإعلامية الموجهة ضد جمهورية مصر العربية في جميع وسائل الإعلام بصفة مباشرة أو غير مباشرة بما في ذلك ما يبث من إساءات على قنوات الجزيرة وقناة مصر مباشر، والسعي لإيقاف ما ينشر من إساءة في الإعلام المصري».
•• ولعل هذا يفسر مبدأ مشاركة (مصر) في اجتماع الرباعية لأنها أحد الأطراف المتضررة من السياسات القطرية أيضاً.
•• ولذلك فإن أي اتفاق قادم لا يضع هذه الاتفاقات أساساً في قراءته للمستقبل على ضوء تجارب السنوات الماضية (13/14/15/16/2017م).. فإنه لن يضع حداً للخروقات.. والتجاوزات.. وعودة الأمور إلى نقطة الصفر من جديد..
•• ومن هنا.. فإن الذهاب إلى خيار التشاؤم يبدو هو الأقرب مع كل أسف ما لم تكن هناك إرادة دولية حقيقية.. وقطرية صادقة لإحداث تغيير بنيوي وجذري في سياسات الدوحة يؤدي إلى دعم المنظومة الخليجية لاستكمال مسيرتها ليس فقط في خدمة شعوبها وإنما في خدمة دول وشعوب المنطقة والعالم وتحقيق الرخاء في كل مكان منه.
•• ذلك هو الأمل.. وذلك أيضاً هو منطق العقل..
•• وإذا سقط الاثنان.. وحلت محلهما حسابات أخرى يراد بها تفتيت دول المنطقة وتجزئتها.. وتشريد شعوبها فإن ذلك سيظهر في غضون الأشهر القليلة القادمة. وهو ما يجب ألا نستبعده أو نتجاهل احتمالات وقوعه في ظل ما نراه ونسمعه ونقرأه عن تلك المخططات الكبرى المبيتة لمنطقتنا.. ولخليجنا العربي على وجه التحديد، وبالذات إذا توفرت الأدوات والأسباب المثيرة لحالة عدم الاستقرار وخدمة تلك المخططات..
•• والمملكة - من جانبها - واعية لكل المظاهر الموجودة على الأرض.. لتعريض أمنها وأمن دول المنطقة وشعوبها لتلك الأخطار.. وبالتالي فإنها تبذل أقصى الجهد بالتعاون مع دول العالم لتطويق ومحاربة كل أشكال الإرهاب وأنواعه بإقامة العديد من التحالفات الدولية الجادة والبناءة لمواجهة كل الأعداء.
•• وعندما يتصل خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز بالرئيس الأمريكي دونالد ترمب الأسبوع الماضي لبحث العديد من الموضوعات.. وتبادل الآراء بشأن القضايا المطروحة على الساحة..
•• وعندما يتصل فخامته بصاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان بن عبدالعزيز ولي العهد نائب رئيس مجلس الوزراء وزير الدفاع.. لمتابعة آخر التطورات في كل الشؤون بما فيها الوضع مع قطر.. فإن المملكة تؤكد بذلك أنها مع الأمن والسلام والاستقرار في المنطقة ومع كل الجهود المخلصة والبناءة لترسيخ قواعده وأنها مع كل المبادرات المخلصة في التعامل مع الوضع القطري وغيره شريطة أن تكون هناك رغبة حقيقية صادقة للتخلي عن كل ما من شأنه إبقاء حالة التوتر في خليجنا العربي على حالها..
•• وعلى الدول الضامنة أن توفر الحد الأعلى من الضمانات لتصحيح الوضع الحالي الشاذ وغير المقبول نهائياً.
•• ولأن تلك التصريحات قد جاءت مغايرة للغة الاتصال التي أبداها أمير قطر لسمو الأمير محمد بن سلمان. فقد عمدت المملكة إلى تعطيل أي حوار أو تواصل مع السلطة في قطر حتى يصدر منها تصريح توضح فيه موقفها بشكل علني للحوار مع الدول الأربع حول المطالب وتأكيد مصدر مسؤول في وزارة الخارجية أن ما نشرته وكالة الأنباء القطرية بعد دقائق من تلقي ولي العهد اتصالاً هاتفياً من أمير دولة قطر لا يمت للحقيقة بأي صلة، وأن ما نشرته الوكالة القطرية هو استمرار لتحريف السلطة القطرية للحقائق ويدل بشكل واضح أن السلطة القطرية لم تستوعب بعد أن المملكة ليس لديها أي استعداد للتسامح مع تحوير السلطة القطرية للاتفاقات والحقائق بدلالة تحريف مضمون الاتصال الذي كان بناء على طلب قطر وطلبها للحوار مع الدول الأربع حول المطالب. ولأن هذا الأمر يثبت أن السلطة في قطر ليست جادة في الحوار ومستمرة بسياستها السابقة المرفوضة وأن تكون تصريحاتها بالعلن متطابقة مع ما تلتزم به تؤكد المملكة أن تخبط السياسة القطرية لا يعزز بناء الثقة المطلوبة للحوار. وكان ولي العهد قد رحب خلال الاتصال الذي تلقاه من أمير دولة قطر الذي أبدى فيه رغبته بالجلوس على طاولة الحوار ومناقشة مطالب الدول الأربع بما يضمن مصالح الجميع.. كما نص على ذلك بيان المملكة الفوري.
•• وبكل تأكيد.. فإن الأيام الماضية قد شهدت الكثير من الاتصالات ولا سيما بين واشنطن والكويت والمملكة وقطر تحقيقاً للتهدئة ومعالجة الموقف المستجد بالحكمة المطلوبة.
لا مجال للمناورات السياسية بعد اليوم
•• وهنا ينشأ السؤال المهم: هل صحيح أن قطر صادقة في مسعاها للحوار المباشر مع الدول الأربع كما جاء في الاتصال الذي أجراه أميرها بالأمير محمد بن سلمان؟
•• والجواب هو: أن قطر على ما يبدو غير مستعدة في - في الأصل - لتغيير سياساتها.. وأن ما صدر من وزير الخارجية ووكالة الأنباء القطرية ليس من نوع المناورات السياسية.. للحصول على مكاسب وتنازلات من نوع معين على طاولة الحوار.. وإنما هو تعبير عن موقف أصيل لدولة قطر لا يمكن أن تحيد عنه.. وأن الاتصال وإبداء الرغبة في الحوار قد تما استجابة للضغوط الشديدة التي تتعرض لها قطر سواء من قبل أمريكا.. أو الكويت -الوسيط المقبول خليجياً وعربياً ودولياً- أو من قبل الدول والهيئات والمنظمات الدولية لإرغامها على تغيير سياساتها المرفوضة تلك.
•• ولذلك فإن أي محلل سياسي يستطيع الوصول إلى الاستنتاجات التالية.. بالرغم من العقبات الشديدة والموانع الكثيرة والضغوط العنيفة التي يتعرض لها القطريون من الإيرانيين والأتراك وأدواتهم في المنطقة وخارجها.. وكذلك للعروض المغرية التي تتلقاها الدوحة من قبل بعض الأطراف الإقليمية والدولية للصمود والاستمرار على مواقفها المعلنة وسياساتها السرية والخفية خدمة لمصالحهم معها.. وتطلعاتهم إلى تحقيق مكاسب كبيرة في المنطقة من وراء التحالف معها.
•• وتلك الاستنتاجات تنقسم إلى قسمين:
• القسم الأول متفائل.. ويتمثل في:
1) الاستعداد القطري للتخلي عن السياسات التي أدت وتؤدي إلى إزعاج الدول الأربع وسواها.
2) قبول الدول الأربع بمراجعة المطالب الـ (13) وإعادة فرزها بين ما هو سيادي وما هو مخل بالأمن والاستقرار الجماعي.
3) اتفاق الطرفين على قيام الولايات المتحدة الأمريكية ودولة الكويت والأمم المتحدة بضمان الاتفاق النهائي الشاق الذي يتوصلان إليه والتزامهم بعدم السماح بأي خرق له من قبل أي طرف.
4) إيجاد آليات واضحة ودقيقة لوضع الاتفاق النهائي بين الطرفين بضمانة الأطراف الثلاثة موضع التنفيذ ومراقبة أي خرق له.. ومعالجة الموقف فور حدوثه.. وبما لا يدع مجالاً للخروج على الاتفاق أو الالتفاف حول بعض بنوده.
• القسم الثاني متشائم.. ويتمثل في:
1) رفض قطر لعدد من البنود الرئيسية في مطالب الدول الأربع الـ (13) بحجة تعريضها بالسيادة الوطنية وإدخال الاجتماعات في متاهات المصطلحات السياسية والأمنية وتعقيداتها القانونية واحتياج الأطراف الضامنة لوقت أطول لمعالجة هذا الوضع.
2) تمسك الدول الأربع بمواقفها ومطالبها ولا سيما ما يتهدد منها أمنها وسلامتها واستقرارها.. وتأكيدها على ضرورة اتخاذ قطر موقفا واضحا ومحددا وبالذات تجاه علاقاتها غير البناءة مع إيران.. والمنظمات والأحزاب والميليشيات الإرهابية وفي مقدمتها (حزب الله والإخوان المسلمين.. وفتح الشام (النصرة سابقاً) وميليشيات الحوثي في اليمن.. وداعش.. والقاعدة).. مع إيقاف كل شكل من أشكال التدخل المباشر وغير المباشر في شؤون الدول الداخلية ومصالحها الخارجية.. بدءا بالدول الأربع على وجه التحديد.
3) التلويح بإعادة صياغة مجلس التعاون الخليجي من جديد بما يسمح باستمرار هذه المنظومة بعيداً عن مشاركة قطر وتجنب تجميد أعمال المجلس لفترة طويلة حتى يتحدد الوضع بصورة نهائية مع قطر..
لا لطغيان مصالح الغير على حسابنا
•• ولا أظن أن هناك خياراً ثالثاً.. لأن التوصل إلى اتفاق هش تحت أي ظرف.. بما في ذلك الضغوط الشديدة التي تبذلها الدول الراعية وغيرها.. سوف لن يوفر عنصر الاستقرار الذي تنشده الدول الأربع وتتطلع إليه كافة دول العالم بما فيها الدول التي تعاني من الحيرة في الاختيار بين الدول الأربع وقطر نظراً لحجم مصالحها الكبيرة مع الطرفين.. وهي مصالح واسعة.. وكبيرة.. ومعقدة.. بعضها اقتصادي.. وبعضها إستراتيجي وحيوي.. وبعضها الآخر أمني ودفاعي..
•• وعلينا أن ندرك أسباب الضغط المتناهي الذي تمارسه هذه الأطراف علينا وعلى القطريين لأنها لا تريد أن تفرط في حجم مصالحها معنا ومعهم وهو ما قد نتفهمه.. وأن لم نكن راضين عنه لتبرير أي مواقف سلبية.. أو تفكير في استغراق المزيد من الوقت أملاً في أن يكون الزمن عاملاً ضاغطاً على الطرفين لإنهاء المشكلة في النهاية.
تسوية الخلاف مرهونة بتغير الظروف الراهنة
•• وأنا وإن كنت لا استبعد التوصل إلى تسوية مرضية في يوم من الأيام لهذا الخلاف تبعاً لتغير بعض الظروف الموضوعية السائدة في لحظة فارقة من لحظات التاريخ.. إلا أنني لا أعتقد أن هذه التسوية واردة في المدى القصير أو المنظور رغم حتميتها الجيوسياسية.. والإستراتيجية بعيدة المدى لتجنب أي انهيارات قادمة في المنطقة.
•• والسبب في ذلك يرجع إلى:
• أولاً: أن السياسات القطرية الراسخة قائمة في الأصل على مبدأ التمدد والانتشار بالتعاون مع القوى والأطراف التي تعمل على إحداث التغيير في مجمل الأوضاع الأمنية والسياسية والاقتصادية وحتى الثقافية والاجتماعية.. وذلك بدعم وتغذية التنظيمات الطائفية والآيدلوجية والجماعات الناقمة على أنظمتها ومجتمعاتها.
• ثانياً: أن التحالفات السرية أو الظاهرة مع دول مثل إيران وتركيا.. وإسرائيل لن تسمح بدفع الدوحة للعودة إلى منظومتها العربية.. والخليجية على وجه التحديد مقابل فقدان وجودها في قطر ومصالحها المتزايدة معها.. ونجاح مخططاتها التوسعية في الخليج العربي.. بل وفي المنطقة ككل.. وإلا فإن الكثير من المشاريع الإيرانية الراهنة للتمدد في المنطقة العربية وأفريقيا سوف تتوقف بتوقف النشاط القطري القائم معها في تنفيذ سياساتها التوسعية.. كما أن تركيا الطامحة إلى تعزيز وجودها الإقليمي ضمن حسابات واضحة المعالم سوف تبذل قصارى الجهد للإبقاء على حركة الدفع الراهنة لها الآن سواء في سورية.. أو العراق.. أو في منطقة الخليج أيضاً.. وبالتالي فإنها سوف تفعل الكثير لاستمرار الوضع الراهن وتوسيع دوائره بين قطر والدول الأربع.
• ثالثاً: وبكل تأكيد.. فإن الطرف الأول والأكبر المستفيد مما يجري هو إسرائيل لأنها تربط وجودها.. وتوسعها.. بزيادة حجم الفجوة في المنطقة العربية.. بين سائر دولها وشعوبها وصولاً إلى أهدافها النهائية لإقامة إسرائيل الكبرى.
مغزى التسريبات الإسرائيلية الإعلامية الخبيثة
وعلينا أن نتفهم دلالات التسريبات الإسرائيلية الخبيثة على لسان رئيس وزرائها نتنياهو هذه الأيام ووسائل إعلامية عن طروء تحسن كبير في علاقات إسرائيل بجيرانها العرب.. هذه التصريحات هي من نوع صب الزيت على النار المشتعلة بهدف هز ثقة الشعوب في دولها وقياداتها، وهي سياسات إسرائيلية معروفة.. وخطيرة.. وقابلة للتوظيف من قبل الأطراف الحاقدة على الدول الأربع. ولا سيما دول الخليج منها بفعل سياساتها المبدئية الرافضة لسياسات إسرائيل والمؤمنة بحق الشعب الفلسطيني في إقامة دولته المستقبلة وعاصمتها القدس.. وهو الموقف الذي حاولت إسرائيل التأثير عليه باختراقها للخليج من خلال فتح البوابة القطرية أمامها..
• رابعاً: أن الدول الأربع (المملكة والإمارات والبحرين ومصر العربية) لن تسمح - بعد اليوم - باستمرار هذا الوضع المقلق..والخطير.. ليس فقط على أمنها وسلامة شعوبها وإنما على أمن وسلامة واستقرار المنطقة وشعوب المنطقة بأسرها.. هذه الحقيقة تدركها قطر الشقيقة.. كما يدركها الوسطاء وفي مقدمتهم الأشقاء في الكويت ويدركون معها أن تترك الأمور عائمة.. لا يخدم الجميع بما فيهم قطر نفسها..
•• وبصرف النظر عن الاجتهادات القائمة الآن للبحث عن المخرج المناسب.. فإن «الاجتماع الذي تم بين خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز (يرحمه الله رحمة الأبرار) وأخيه صاحب السمو الشيخ صباح الأحمد الجابر الصباح أمير دولة الكويت وصاحب السمو الشيخ تميم بن حمد بن خليفة آل ثاني أمير دولة قطر في الرياض في يوم السبت الموافق 19/1/1435هـ.. وما جرى خلاله من مباحثات مستفيضة تم خلالها إجراء مراجعة شاملة لما يشوب العلاقات بين دول المجلس والتحديات التي تواجه أمنها واستقرارها، والسبل الكفيلة لإزالة ما يعكر صفو العلاقات بينها، ولأهمية تأسيس مرحلة جديدة في العمل الجماعي بين دول المجلس بما يكفل سيرها في إطار سياسة موحدة تقوم على الأسس التي تم تضمينها من النظام الأساسي لمجلس التعاون فقد تم الاتفاق على الآتي:
1) عدم التدخل في الشؤون الداخلية لأي من دول المجلس بشكل مباشر أو غير مباشر، وعدم إيواء أو تجنيس أي من مواطني دول المجلس ممن لهم نشاط يتعارض مع أنظمة دولته إلا في حال موافقة دولته، وعدم دعم الإعلام المعادي.
2) عدم دعم الإخوان المسلمين أو أي من المنظمات أو التنظيمات أو الأفراد الذين يهددون أمن واستقرار دول المجلس عن طريق العمل الأمني المباشر أو عن طريق محاولة التأثير السياسي.
3) عدم قيام أي من دول مجلس التعاون بتقديم الدعم لأي فئة كانت في اليمن ممن يشكلون خطراً على الدول المجاورة لليمن.
•• هذا الاجتماع بتفاصيله ثم مباركة كل من جلالة السلطان قابوس بن سعيد سلطان عمان وجلالة ملك البحرين الشيخ حمد بن عيسى وسمو ولي عهد أبو ظبي الشيخ محمد بن زايد.. له.. قد وضع الأساس المتين لعلاقات طبيعية بين دول هذه المنظومة.. وكانت كافية لمعالجة الاختلال الذي طرأ عليها حين لم تلتزم الشقيقة قطر بمضامينها».
•• وقد استدعى ذلك اجتماع وزراء خارجية دول المجلس لوضع آلية التنفيذ لاتفاق الرياض هذا من ثلاثة بنود رئيسية هي: الجهة المناط بها مراقبة تنفيذ الاتفاق، وجهة اتخاذ القرار، والإجراءات المطلوب الالتزام بها.
•• وعندما لم يتحقق شيء من ذلك.. فقد تم إبرام «اتفاق الرياض التكميلي» يوم الأحد 23/1/1436هــ الموافق 16/11/2014م .
لماذا مصر؟!
وقد نصت المادة الرابعة فيه على «التزام كافة الدول بنهج سياسة مجلس التعاون لدول الخليج العربية لدعم جمهورية مصر العربية والإسهام في أمنها واستقرارها والمساهمة في دعمها اقتصادياً، وإيقاف كافة النشاطات الإعلامية الموجهة ضد جمهورية مصر العربية في جميع وسائل الإعلام بصفة مباشرة أو غير مباشرة بما في ذلك ما يبث من إساءات على قنوات الجزيرة وقناة مصر مباشر، والسعي لإيقاف ما ينشر من إساءة في الإعلام المصري».
•• ولعل هذا يفسر مبدأ مشاركة (مصر) في اجتماع الرباعية لأنها أحد الأطراف المتضررة من السياسات القطرية أيضاً.
•• ولذلك فإن أي اتفاق قادم لا يضع هذه الاتفاقات أساساً في قراءته للمستقبل على ضوء تجارب السنوات الماضية (13/14/15/16/2017م).. فإنه لن يضع حداً للخروقات.. والتجاوزات.. وعودة الأمور إلى نقطة الصفر من جديد..
•• ومن هنا.. فإن الذهاب إلى خيار التشاؤم يبدو هو الأقرب مع كل أسف ما لم تكن هناك إرادة دولية حقيقية.. وقطرية صادقة لإحداث تغيير بنيوي وجذري في سياسات الدوحة يؤدي إلى دعم المنظومة الخليجية لاستكمال مسيرتها ليس فقط في خدمة شعوبها وإنما في خدمة دول وشعوب المنطقة والعالم وتحقيق الرخاء في كل مكان منه.
•• ذلك هو الأمل.. وذلك أيضاً هو منطق العقل..
•• وإذا سقط الاثنان.. وحلت محلهما حسابات أخرى يراد بها تفتيت دول المنطقة وتجزئتها.. وتشريد شعوبها فإن ذلك سيظهر في غضون الأشهر القليلة القادمة. وهو ما يجب ألا نستبعده أو نتجاهل احتمالات وقوعه في ظل ما نراه ونسمعه ونقرأه عن تلك المخططات الكبرى المبيتة لمنطقتنا.. ولخليجنا العربي على وجه التحديد، وبالذات إذا توفرت الأدوات والأسباب المثيرة لحالة عدم الاستقرار وخدمة تلك المخططات..
•• والمملكة - من جانبها - واعية لكل المظاهر الموجودة على الأرض.. لتعريض أمنها وأمن دول المنطقة وشعوبها لتلك الأخطار.. وبالتالي فإنها تبذل أقصى الجهد بالتعاون مع دول العالم لتطويق ومحاربة كل أشكال الإرهاب وأنواعه بإقامة العديد من التحالفات الدولية الجادة والبناءة لمواجهة كل الأعداء.
•• وعندما يتصل خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز بالرئيس الأمريكي دونالد ترمب الأسبوع الماضي لبحث العديد من الموضوعات.. وتبادل الآراء بشأن القضايا المطروحة على الساحة..
•• وعندما يتصل فخامته بصاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان بن عبدالعزيز ولي العهد نائب رئيس مجلس الوزراء وزير الدفاع.. لمتابعة آخر التطورات في كل الشؤون بما فيها الوضع مع قطر.. فإن المملكة تؤكد بذلك أنها مع الأمن والسلام والاستقرار في المنطقة ومع كل الجهود المخلصة والبناءة لترسيخ قواعده وأنها مع كل المبادرات المخلصة في التعامل مع الوضع القطري وغيره شريطة أن تكون هناك رغبة حقيقية صادقة للتخلي عن كل ما من شأنه إبقاء حالة التوتر في خليجنا العربي على حالها..
•• وعلى الدول الضامنة أن توفر الحد الأعلى من الضمانات لتصحيح الوضع الحالي الشاذ وغير المقبول نهائياً.