شارفت الأزمة السياسية والدبلوماسية مع قطر على دخول شهرها الرابع، وكلما لاحت في الأفق بادرة لحل مناسب لها، سارعت قطر بدأب بتقويضه وتفكيك أركانه، وفي اعتقادي الشخصي أن أزمة قطر لا تحتاج لبذل المزيد من الجهود الدبلوماسية لحلها بقدر حاجتها لعلماء في علم النفس؛ فبعد أن شهد العالم أجمع على التصريحات التي أفادت بحدوث اتصال هاتفي بين أمير قطر وولي عهد المملكة، طلبت خلاله قطر الجلوس على مائدة المفاوضات والبدء بحل الأزمة، خرجت قطر بعدها بسويعات قليلة مُطلقة عدداً من التصريحات الاستفزازية التي هدمت جميع جهود الوساطة وأفشلت مساعي حل الأزمة.
قد يكون تفسير هذا التناقض هو تعدد الزعامات في قطر أو ازدواجها بمعنى أدق، بمعنى أن هناك زعامة سياسية على رأسها أمير قطر، بينما يوجد فريق آخر متحكم في الملف الإعلامي، يسعى بجهد حثيث لتقويض كافة جهود المصالحة والوساطة، ويسعى بحماسة لاستمرار التشاحن والتباغض بين الدول الشقيقة، ولعل هذا التفسير يوضح سبب الجمود الذي يخيم على مساعي الوساطة ويقوم بإفشالها، ويفسر لنا دورة الإقدام - الإحجام التي يتميز بها الموقف القطري منذ اندلاع الأزمة في يونيو الماضي وحتى يومنا هذا.
عندما صرح أمير الكويت بأن مساعيه نجحت في إيقاف أي عمل عسكري ضد قطر، سعت قطر لاستثمار هذا التصريح وتحويله إلى واقع حتمي الحدوث، حتى تظهر بدور الضحية وتتمكن من استدرار التعاطف من المجتمع الدولي، لكن ما لفت انتباهي هو تأويل وتحريف تصريحات أمير الكويت، فهذا التصريح لا يؤيد بطبيعة الحال وجود نية مسبقة عدائية فعلية لضرب الدوحة، فقد أعلنت المملكة مراراً وتكراراً أنها لا يمكن أن تسمح أبداً لأي دولة مجاورة باستخدام أراضيها كمنطلق للهجوم على المملكة، وأنها تحتفظ لنفسها بحق الرد على ذلك، ومن هذا المنطلق ربما استشعر أمير الكويت بأن هناك عملاً عسكرياً ضد الدوحة كان على وشك التنفيذ، وقد تم استبعاده بعد ذلك، ومن المؤكد أن هذا الشعور والاعتقاد يخصان أمير الكويت ولا يخصنا نحن، فالدول الأربع المقاطعة لقطر لم تصدر أي بيان أو تصريح يمكن تأويله على أنها بصدد القيام بعمل عسكري.
تعرف قطر جيداً وتعي ما المطلوب منها تحديداً، فهي تؤوي وتدعم مجموعة من الذين تطالب دول المقاطعة بطردهم ومحاكمتهم، وسنجد أن القاسم المشترك في من تؤويهم هو أنهم غير قطريين، وهم مطرودون من أوطانهم الأم، ولهم تاريخ سياسي مشبوه، وفي واقع الأمر هم لن يفيدوا قطر بشيء رغم محاولاتها بتجميعهم وضمهم داخل أراضيها، فما هو إذن وجه السيادة الذي تتذرع به قطر؟ ولعل المثال الصارخ على ذلك هو المدعو عزمي بشارة، والذي ينتمي لعرب 48، والذي طالما تملق للكيان الصهيوني حتى أصبح عضواً بالكنيست قبل أن يتم طرده منه، فهو شخصية ازدواجية تتميز بالميوع والمراوغة والولاء لمن يدفع أكثر، وتعتقد قطر أن إغداقها بالأموال عليه سيحسن من صورتها أمام العالم وسيدعم قضيتها، غير أن القليل من الحنكة السياسية من المفترض أن توضح لها أن عزمي بشارة وأمثاله بالتأكيد لا يؤيدونها - أو بالأحرى يتملقونها - لعدالة قضيتها أو لنزاهة مواقفها، بل يتمسكون بترابها بسبب التمويل الضخم الذي تمنحه لهم بلا حساب، وسيسعدنا كثيراً أن نرى موقفهم من قطر وقادتها إن توقف تمويلهم لمدة ساعة واحدة فقط، وستعرف قطر حينها أن التملق والنفاق لن يُمكِّناها أبداً بحال من الأحوال من تأسيس دولة حقيقية بناءة.
mohammed@dr-mufti.com
قد يكون تفسير هذا التناقض هو تعدد الزعامات في قطر أو ازدواجها بمعنى أدق، بمعنى أن هناك زعامة سياسية على رأسها أمير قطر، بينما يوجد فريق آخر متحكم في الملف الإعلامي، يسعى بجهد حثيث لتقويض كافة جهود المصالحة والوساطة، ويسعى بحماسة لاستمرار التشاحن والتباغض بين الدول الشقيقة، ولعل هذا التفسير يوضح سبب الجمود الذي يخيم على مساعي الوساطة ويقوم بإفشالها، ويفسر لنا دورة الإقدام - الإحجام التي يتميز بها الموقف القطري منذ اندلاع الأزمة في يونيو الماضي وحتى يومنا هذا.
عندما صرح أمير الكويت بأن مساعيه نجحت في إيقاف أي عمل عسكري ضد قطر، سعت قطر لاستثمار هذا التصريح وتحويله إلى واقع حتمي الحدوث، حتى تظهر بدور الضحية وتتمكن من استدرار التعاطف من المجتمع الدولي، لكن ما لفت انتباهي هو تأويل وتحريف تصريحات أمير الكويت، فهذا التصريح لا يؤيد بطبيعة الحال وجود نية مسبقة عدائية فعلية لضرب الدوحة، فقد أعلنت المملكة مراراً وتكراراً أنها لا يمكن أن تسمح أبداً لأي دولة مجاورة باستخدام أراضيها كمنطلق للهجوم على المملكة، وأنها تحتفظ لنفسها بحق الرد على ذلك، ومن هذا المنطلق ربما استشعر أمير الكويت بأن هناك عملاً عسكرياً ضد الدوحة كان على وشك التنفيذ، وقد تم استبعاده بعد ذلك، ومن المؤكد أن هذا الشعور والاعتقاد يخصان أمير الكويت ولا يخصنا نحن، فالدول الأربع المقاطعة لقطر لم تصدر أي بيان أو تصريح يمكن تأويله على أنها بصدد القيام بعمل عسكري.
تعرف قطر جيداً وتعي ما المطلوب منها تحديداً، فهي تؤوي وتدعم مجموعة من الذين تطالب دول المقاطعة بطردهم ومحاكمتهم، وسنجد أن القاسم المشترك في من تؤويهم هو أنهم غير قطريين، وهم مطرودون من أوطانهم الأم، ولهم تاريخ سياسي مشبوه، وفي واقع الأمر هم لن يفيدوا قطر بشيء رغم محاولاتها بتجميعهم وضمهم داخل أراضيها، فما هو إذن وجه السيادة الذي تتذرع به قطر؟ ولعل المثال الصارخ على ذلك هو المدعو عزمي بشارة، والذي ينتمي لعرب 48، والذي طالما تملق للكيان الصهيوني حتى أصبح عضواً بالكنيست قبل أن يتم طرده منه، فهو شخصية ازدواجية تتميز بالميوع والمراوغة والولاء لمن يدفع أكثر، وتعتقد قطر أن إغداقها بالأموال عليه سيحسن من صورتها أمام العالم وسيدعم قضيتها، غير أن القليل من الحنكة السياسية من المفترض أن توضح لها أن عزمي بشارة وأمثاله بالتأكيد لا يؤيدونها - أو بالأحرى يتملقونها - لعدالة قضيتها أو لنزاهة مواقفها، بل يتمسكون بترابها بسبب التمويل الضخم الذي تمنحه لهم بلا حساب، وسيسعدنا كثيراً أن نرى موقفهم من قطر وقادتها إن توقف تمويلهم لمدة ساعة واحدة فقط، وستعرف قطر حينها أن التملق والنفاق لن يُمكِّناها أبداً بحال من الأحوال من تأسيس دولة حقيقية بناءة.
mohammed@dr-mufti.com