أفاق شبابنا وثقافتنا على رفعة وحضارة دول المركز (العراق، دمشق، بيروت، القاهرة، تونس)، كنا مزهوين بكل زيارة لهذه الدول أو كل كتاب نجلبه منها أو أي أغنية نحضرها في مسارحها أو أنديتها أو نسيح بين متاحفها وشوارعها أو نتطبب في مستشفياتها أو ندرس في جامعاتها.. تلك الدول كانت نبراسا في الفنون والآداب، وفي التمدن والوصول إلى كل ما يرتبط بالعصر من أزياء وتقنيات وأدوات وطاقات بشرية لها في كل معرفة سبق.. هذه المراكز العظيمة حين كانت شعوبها تجري في قنوات التنمية والعمل لمواصلة العيش في الرفاهية كان كل شيء يمضي للأمام، ومع أن بعضها كان فقيرا إلا أن الإنسان فيها كان مليئا بالفخر والاعتزاز انتماء ورفعة.. وكان الغد مفتوح الأبواب..
ثم تساقط البنيان ولم يعد الإنسان فيها سوى أشلاء من ذكرياتِ عِزٍّ غابرٍ وواقع ممزق وأحلام كسيرة وأمانٍ مستحيلة، هكذا هي الحروب تترك البلدان مهترئة لا تنتصب لإنسانها قامة كي يطالب بالعدل أو المساواة أو الجمال، كل القيم تتهاوى..يصبح الفرد داخل رحم الخوف ولا يُعْمِلُ فكره إلا بحثا عن مكان آمن أو كسرة خبز تقي أولاده ونفسه من جوع هالك.. وأصبح الغد موصد الأبواب...
وعندما غنى زياد رحباني:
(أنا مش كافر بس الجوع كافر)
كانت الحياة قابلة للعيش وفق الممكن، أما الآن فقد اجتمعت كل مرادفات عذاب الإنسان: جوع ومرض وفقر وتشريد وخوف وانكسار واستجداء وفزع ليلا ونهارا... أتعس ما يواجهه الإنسان ألاّ يكون له حلم! فالآن أصبح كل ما هو كفر في زمن الأغنية هو أمنية مبتغاه.. أمنية غير متحققة.. الحرب دمار للإنسان بكل حالاتها..
ونلحظ هذا الانكسار المهول على مواطني تلك الدول وعلى من يتحسف على ماضيها، فحين تأتي صور شخصيات ومناظر وأبنية وشوارع وحفلات التقطت في منتصف القرن الماضي لتلك الدول تظهر التقدم المدني والحياة المتدفقة، ويقابلها مباشرة الواقع المعاش الآن، وبين المشهدين أو الصورتين واقع مدمر كليا في أناسه وأبنيته وشوارعه وفنونه.. انهيار كامل ولو أراد أي متفائل استرجاع ما كانت عليه العراق أو سورية (مثلا) قبل الحرب والدمار فإن مخيلته سوف ترمم هاتين الدولتين بما يقارب الخمسين سنة لكي تعود كل منهما الى حال ما قبل الحرب.
وكل إنسان كيّس فطن يرفض كل دمار يفني الإنسان، وأجدني رافضا تماما لكل الحروب القائمة في كل مكان، فالحرب دمار شنيع، وعلى كل موطني الدول التي نجت من دمار الربيع العربي المحافظة على أوطانهم في هيأتها الحالية، فإن تكون فقيرا العمر كله خيرا من أن تعيش ساعة من غير أمان..وأن تكون مظلوما داخل بلدك خيرا من قضاء ساعة مشردا تقف على حدود كل دولة طلبا للجوء..
ويقول المثل الشعبي: من يتلقى العصي ليس كمن يعدها..
ويقال أيضاً: من يأتي ومن يذهب سواء..
Abdookhal2@yahoo.com
ثم تساقط البنيان ولم يعد الإنسان فيها سوى أشلاء من ذكرياتِ عِزٍّ غابرٍ وواقع ممزق وأحلام كسيرة وأمانٍ مستحيلة، هكذا هي الحروب تترك البلدان مهترئة لا تنتصب لإنسانها قامة كي يطالب بالعدل أو المساواة أو الجمال، كل القيم تتهاوى..يصبح الفرد داخل رحم الخوف ولا يُعْمِلُ فكره إلا بحثا عن مكان آمن أو كسرة خبز تقي أولاده ونفسه من جوع هالك.. وأصبح الغد موصد الأبواب...
وعندما غنى زياد رحباني:
(أنا مش كافر بس الجوع كافر)
كانت الحياة قابلة للعيش وفق الممكن، أما الآن فقد اجتمعت كل مرادفات عذاب الإنسان: جوع ومرض وفقر وتشريد وخوف وانكسار واستجداء وفزع ليلا ونهارا... أتعس ما يواجهه الإنسان ألاّ يكون له حلم! فالآن أصبح كل ما هو كفر في زمن الأغنية هو أمنية مبتغاه.. أمنية غير متحققة.. الحرب دمار للإنسان بكل حالاتها..
ونلحظ هذا الانكسار المهول على مواطني تلك الدول وعلى من يتحسف على ماضيها، فحين تأتي صور شخصيات ومناظر وأبنية وشوارع وحفلات التقطت في منتصف القرن الماضي لتلك الدول تظهر التقدم المدني والحياة المتدفقة، ويقابلها مباشرة الواقع المعاش الآن، وبين المشهدين أو الصورتين واقع مدمر كليا في أناسه وأبنيته وشوارعه وفنونه.. انهيار كامل ولو أراد أي متفائل استرجاع ما كانت عليه العراق أو سورية (مثلا) قبل الحرب والدمار فإن مخيلته سوف ترمم هاتين الدولتين بما يقارب الخمسين سنة لكي تعود كل منهما الى حال ما قبل الحرب.
وكل إنسان كيّس فطن يرفض كل دمار يفني الإنسان، وأجدني رافضا تماما لكل الحروب القائمة في كل مكان، فالحرب دمار شنيع، وعلى كل موطني الدول التي نجت من دمار الربيع العربي المحافظة على أوطانهم في هيأتها الحالية، فإن تكون فقيرا العمر كله خيرا من أن تعيش ساعة من غير أمان..وأن تكون مظلوما داخل بلدك خيرا من قضاء ساعة مشردا تقف على حدود كل دولة طلبا للجوء..
ويقول المثل الشعبي: من يتلقى العصي ليس كمن يعدها..
ويقال أيضاً: من يأتي ومن يذهب سواء..
Abdookhal2@yahoo.com