لا زلنا في غمرة اليوم الوطني، وأجدني ميالا للحديث عن العلاقة شبه المنقطعة بين الجيل الناشئ في المملكة، وبالتالي جهل الغالبية في ما يخص التحولات التراجيدية التي عاشتها هذه البلاد من الشتات إلى الوحدة ومن القلة إلى الكثرة ومن الفقر إلى الرخاء ومن المرض والجهل إلى الصحة والمعرفة، وأن ذلك كله جاء بجهد جهيد بذله الرواد بقيادة المؤسس الكبير الملك عبدالعزيز يرحمه الله، وهم الذين أسسوا وكرسوا لهذه الوحدة الاندماجية الأولى في العالم العربي، ولو كان لي من الأمر شيء، في هذا السياق المتصل بتجربة ونشأة هذه البلاد وتحولاتها التي أعقبت اكتشاف النفط، لكنت أوصيت بإلزام الشاب السعودي بقراءة كتاب وزير البترول السعودي علي النعيمي (من البادية إلى عالم النفط) الصادر قبل أقل من عام، والذي يجسد سيرة مواطن سعودي عاش في البادية ورعى الغنم وتعلم متأخراً، ثم واجه الفشل الوظيفي والفصل والاستغناء في أكثر من وظيفة، لكنه المثابر الذي لم يستسلم لعثراته، ولذلك عمل في أرامكو وتدرج في وظائفها، ثم عليك أن تتخيل أكثر لتدرك كيف أصبح هذا البدوي لاحقاً رئيساً لأكبر شركة نفطية في العالم،
ليس هذا فحسب فإنه أصبح بعد ذلك وزيراً للبترول في هذه البلاد، ليكون نجم الشاشات وأغلفة المجلات العالمية وأصبح مطارداً من الصحفيين الذين يتلقطون منه أي كلمة يتلفظ بها، ومعلومٌ أن كلمة وزير البترول السعودي تقاس بالدولار.
ونحن هنا لا نتحدث عن ماضٍ سحيق أو تاريخ يعلوه الغبار، بل عن وقائع لا زال بعض أبطالها يعيشون بيننا، فالوزير النعيمي مثلاً لا يزال موجودا بيننا، متعه الله بالصحة وطول العمر.
فهل يعي الشاب السعودي الجديد أن هذا الوزير الشهير والنجم العالمي قد عانى من شظف العيش وقلة ذات اليد، وأنه قد اضطر للعمل مع صغر سنه ليعول أسرته، بل إن هذا الوزير الذي أصبح يتصدر موائد الملوك والرؤساء ويأكل ما لذ وطاب هو نفس الرجل الذي ذهب في يفاعته مع خاله فاصطادوا ذئباً كان يؤذيهم ويفترس بعض قطيعهم، فما كان من هذا الشاب النعيمي إلا أن أكل من لحم هذا الذئب لأنه، بحسب ما كان يشاع، فإن لحمه يجعل آكله شجاعاً، ولا زال النعيمي كما ذكر في كتابه يتذكر ملوحة لحم الذئب المسلوخ بل زاد فعلق قلادة فيها إحدى أسنان الذئب، لأن السائد حينها أن أسنانه تطرد الجن.
لقد عاش الوزير النعيمي حيناً من الدهر ينتقل مع أسرته من خيمة إلى أخرى ومن صحراء إلى صحراء بحسب الأنواء ومواقع الربيع ووفرة المرعى كعادة البدو الرحل في الجزيرة العربية، وأكثر من كل ذلك أنه كان وأقرانه من الصبية في ذلك الحين وخلال سيرهم في الصحراء يقومون بالتقاط السحالي وصيدها وشويها على العيدان ثم بالطبع أكلها.
هكذا كان حال أبرز وزير نفط لأكبر دولة نفطية في العالم: ارتحالا وعدم استقرار ومعيشة ضنكا، بل هكذا هو حال كل الذين عاصروا تلك الفترة من الذين أكلوا الجراد والضب والجرابيع والسحالي وكل ما قد يلزمهم تناوله لطرد الجوع.
لهذا يجب أن يعلم الجيل الحالي أننا لم نصل لهذا المستوى من الرخاء والرفاه إلا بتضحيات الرواد من المؤسسين، ولن يكفي في يوم الوطن أن نسكب الأحبار ما لم نذكر ونعلم كل من لم يدرك تلك الفترات كيف كنا وكيف أصبحنا، وهذا لن يتأتى إلا من خلال عرض تجارب الرواد، ومن ضمن هؤلاء كمثال الأستاذ علي النعيمي الذي جسد بتجربته الثرية معجزة النشوء والارتقاء لهذه البلاد الفتية، التي صعدت من الصفر حتى أصبحت رقماً مهماً في المحافل الإقليمية والدولية، وستكون كل أيام الوطن أكثر وأكبر وأذكى وأزكى حين نجعل شباب الوطن وشاباته أكثر إدراكا ومعرفة وتقديرا لما كان عليه حال المملكة وما آلت إليه.
وأكرر مرة أخرى أنه لو كان الأمر بيدي لألزمت كل مواطن، ممن هم دون الثلاثين، بقراءة كتاب النعيمي ومثله كتب أخرى أرخت لأحداث تلك الحقبة غير البعيدة حقيقة وربما دعوت لإلزام النعيمي وآخرين غيره للحديث وإلقاء المحاضرات السردية في الداخل والخارج للتعريف بالنعمة التي نخوض فيها، فذلك أدعى لإعلائها وتثمينها.
IdreesAldrees@
ليس هذا فحسب فإنه أصبح بعد ذلك وزيراً للبترول في هذه البلاد، ليكون نجم الشاشات وأغلفة المجلات العالمية وأصبح مطارداً من الصحفيين الذين يتلقطون منه أي كلمة يتلفظ بها، ومعلومٌ أن كلمة وزير البترول السعودي تقاس بالدولار.
ونحن هنا لا نتحدث عن ماضٍ سحيق أو تاريخ يعلوه الغبار، بل عن وقائع لا زال بعض أبطالها يعيشون بيننا، فالوزير النعيمي مثلاً لا يزال موجودا بيننا، متعه الله بالصحة وطول العمر.
فهل يعي الشاب السعودي الجديد أن هذا الوزير الشهير والنجم العالمي قد عانى من شظف العيش وقلة ذات اليد، وأنه قد اضطر للعمل مع صغر سنه ليعول أسرته، بل إن هذا الوزير الذي أصبح يتصدر موائد الملوك والرؤساء ويأكل ما لذ وطاب هو نفس الرجل الذي ذهب في يفاعته مع خاله فاصطادوا ذئباً كان يؤذيهم ويفترس بعض قطيعهم، فما كان من هذا الشاب النعيمي إلا أن أكل من لحم هذا الذئب لأنه، بحسب ما كان يشاع، فإن لحمه يجعل آكله شجاعاً، ولا زال النعيمي كما ذكر في كتابه يتذكر ملوحة لحم الذئب المسلوخ بل زاد فعلق قلادة فيها إحدى أسنان الذئب، لأن السائد حينها أن أسنانه تطرد الجن.
لقد عاش الوزير النعيمي حيناً من الدهر ينتقل مع أسرته من خيمة إلى أخرى ومن صحراء إلى صحراء بحسب الأنواء ومواقع الربيع ووفرة المرعى كعادة البدو الرحل في الجزيرة العربية، وأكثر من كل ذلك أنه كان وأقرانه من الصبية في ذلك الحين وخلال سيرهم في الصحراء يقومون بالتقاط السحالي وصيدها وشويها على العيدان ثم بالطبع أكلها.
هكذا كان حال أبرز وزير نفط لأكبر دولة نفطية في العالم: ارتحالا وعدم استقرار ومعيشة ضنكا، بل هكذا هو حال كل الذين عاصروا تلك الفترة من الذين أكلوا الجراد والضب والجرابيع والسحالي وكل ما قد يلزمهم تناوله لطرد الجوع.
لهذا يجب أن يعلم الجيل الحالي أننا لم نصل لهذا المستوى من الرخاء والرفاه إلا بتضحيات الرواد من المؤسسين، ولن يكفي في يوم الوطن أن نسكب الأحبار ما لم نذكر ونعلم كل من لم يدرك تلك الفترات كيف كنا وكيف أصبحنا، وهذا لن يتأتى إلا من خلال عرض تجارب الرواد، ومن ضمن هؤلاء كمثال الأستاذ علي النعيمي الذي جسد بتجربته الثرية معجزة النشوء والارتقاء لهذه البلاد الفتية، التي صعدت من الصفر حتى أصبحت رقماً مهماً في المحافل الإقليمية والدولية، وستكون كل أيام الوطن أكثر وأكبر وأذكى وأزكى حين نجعل شباب الوطن وشاباته أكثر إدراكا ومعرفة وتقديرا لما كان عليه حال المملكة وما آلت إليه.
وأكرر مرة أخرى أنه لو كان الأمر بيدي لألزمت كل مواطن، ممن هم دون الثلاثين، بقراءة كتاب النعيمي ومثله كتب أخرى أرخت لأحداث تلك الحقبة غير البعيدة حقيقة وربما دعوت لإلزام النعيمي وآخرين غيره للحديث وإلقاء المحاضرات السردية في الداخل والخارج للتعريف بالنعمة التي نخوض فيها، فذلك أدعى لإعلائها وتثمينها.
IdreesAldrees@