إذا كان هناك من فائدة «إدارية» حصلت نتيجة القرارات السعودية الأخيرة هي اكتشاف أن قيادة مجلس الشورى السعودي كانت بعيدة تماما عن أرض الواقع. مجلس الشورى واضح أنه «معزول» تماما عن الواقع السعودي، فالقرارات التي تم تعطيلها وقتلها بشكل غريب ودون أن تلقى التأييد ولا المتابعة، لا تفسير لها سوى أن قيادة المجلس في واد والمجتمع وحراكه ومتطلباته في واد آخر. وإلا كيف من الممكن منطقيا تفسير «قتل» مشاريع قرارات تمنع التحرش وتجرمه وأخرى تجرم الطائفية والعنصرية وأخرى تحث على السماح للمرأة بقيادة السيارة.
كل هذه الأنظمة ومشاريع القرارات تم قتلها ووأدها بشكل غريب ومدهش دون أن تلعب قيادة المجلس الدور الفعال والمؤثر والمنتظر والمتوقع منها لممارسة الدهاء والسياسة لتمرير القرارات التي تمس نبض الشارع واحتياج المجتمع.
قيادة مجلس الشورى بحاجة اليوم إلى أن تكون متناغمة تماما مع إيقاع السعودية الجديد ورؤيتها المستقبلية وطموحات مجتمعها الشاب والتواق للنهوض ببلاده. وليس هناك تأييد أبلغ على ما ذكرته سوى تصريحات أعضاء مجلس الشورى أنفسهم حينما وجهوا انتقادات حادة وصريحة وشجاعة لأسلوب إدارة جلسات المجلس واختيار القضايا وأولويات تمريرها. ولعل أقوى تلك التصريحات كانت على لسان كل من لطيفة الشعلان ومحمد رضا نصر الله.
المجلس بحاجة ماسة إلى أن يكون «مطبخا» حقيقيا للقرارات والتشريعات التي تسد الفجوة والهوة المطلوبة في السعودية في مجالات عديدة وتحث على تكريس دولة المؤسسات والنظام النافذ وتعميق مفهوم المواطنة العادلة والكاملة والشاملة.
وهذا مع الأسف الشديد لم يحصل. قيادة المجلس بتنوع أعضائه واختلاف مشاربهم وخلفياتهم وهمومهم هو أشبه بقيادة أوركسترا سيمفوني كبير مكون من كبار العازفين المتخصصين في آلات موسيقية مختلفة ولكنهم جميعا وبلا استثناء يقرؤون من نفس «النوتة» الموسيقية، وبالتالي يكون الناتج أداء متناغما وعزفا رخيما مميزا والعكس صحيح، فإذا كان المايسترو غير مهتم وغير مركز وغير متحمس لما يقوم به فلا يمكن أن يكون الناتج سوى العزف النشاز والمزعج، وهذا ما يحصل تماما اليوم من قيادة مجلس الشورى.
قد يكون من المفيد جدا للبلاد إعادة هندسة لقيادة مجلس الشورى بشكل أكثر واقعية لما هو مطلوب مع الواقع الجديد والطموحات الكبرى والرؤية الإستراتيجية للسعودية، وأن يكون الاختيار مبنيا على أهل الكفاءة وليس أهل الثقة وأن تكون المهمة تكليفا بنقاط واضحة الملامح قابلة للقياس والمتابعة بدلا من تشريف أشبه بالتكريم التقاعدي بعد نهاية مسيرة عطاء طويلة.
السعودية اليوم في مرحلة محورية ودقيقة والكل مطالب على أن يكون على نفس الدرجة من العطاء والديناميكية وإلا فليفسح المجال لغيره، فالبلد مليء بالكفاءات المتعطشة والمؤهلة جدا.
«قيادة» المرأة للسيارة ونظامها الجديد كشفت أننا بحاجة ماسة إلى «قيادة» جديدة في مجلس الشورى.