توجيه النقد إلى مجلس الشورى ليس أمراً جديداً ولا مستغرباً ولكن الجديد بشأنه هو تزايد حِدّته في الآونة الأخيرة لدرجة خروج بعض الانتقادات -برأيي- عن قواعد الموضوعية أو بُعدها عن حدود الإنصاف وأصول النقد البنّاء؛ فكثيراً ما تعالت الأصوات ونُشرِت الآراء التي تعكس استياء شريحة عريضة من المواطنين من أداء المجلس، ولذلك أسبابه؛ سواء المعروفة أو المجهولة (لغير الشوريين) والتي لا أعتقد أن من بينها (تفشّي) السرورية أو حتى الليبرالية أو (سيطرة) تيّار حزبي معيّن في المجلس (كما يرى البعض)؛ وإن كان التأثير العقائدي غير مستبعد بشكل مطلق.
أبرز أسباب ضعف المجلس
وفي تقديري فإن أسباب ضعف أداء مجلس الشورى هي نظامية وتنظيمية وإدارية؛ فنظام المجلس لم يعد قادراً على مواكبة التحوُّلات الجارية حالياً في البلاد، كما يبدو أن مكانة المجلس في منظومة القرار الوطني قد تراجعت بعض الشيء؛ والشواهد على ذلك عديدة ولا يتسع المجال لذكرها، ما سبق معروف ومشاهد، وقد تناولته -وغيري من الكتاب مراراً- عبر المقالات ووسائل التواصل، لذلك سأتطرق اليوم للأسباب الأخرى (الداخلية) لضعف أداء المجلس، والتي لم أتطرق إليها سابقاً، أو سبق أن تناولتها ولكن على عجالة في بعض مقالاتي السابقة «عن المجلس»، وفي مقدمتها 3 أسباب رئيسية هي:
1. عدم تقيّد إدارة المجلس بالتقاليد البرلمانية.
2. حاجة المجلس للنظر في قواعد عمله الداخلية.
3. إغفال إدارة المجلس لقائمة الأولويات الوطنية.
وفي الأسطر التالية سأتناول الأسباب السابقة بشيء من التفصيل ولكنني آمل أن تنظر قيادتنا الحكيمة بادئ ذي بدء في إعادة النظر في (نظام المجلس)، بُغية دعمه بالمزيد من الصلاحيات؛ لقطع الطريق على من يزعم أن نظام المجلس هو سبب تخاذله غالباً؛ ومحدودية فاعليته أحياناً.
ممارسات «غير برلمانية» محبطة
على ضوء ما تقدم، فإن من الضروري (أولاً) أن يقتنع مجلس الشورى -كمنظومة متكاملة- تشمل رئاسته وهيئته العامة وأمانته ولجانه وأعضاءه وجهاز إعلامه ومستشاريه، بأن استياء الناس من أداء مجلس الشورى له ما يبرره، وأنه طالما استمرت إدارة المجلس في ممارسة بعض التصرّفات الإدارية؛ البعيدة عن الأعراف البرلمانية، فسوف يلازم ضُعف الأداء هذه المؤسسة العريقة ويحد من الاستفادة منها، ومن تلك الممارسات ما يلي:
1. الانتقاص أحياناً من استقلالية الأعضاء.
2. التدخل أحياناً لتوجيه الرأي في المجلس.
3. تغيير جدولة بعض الموضوعات المُقررّة سلفاً.
4. توجيه بعض الملفات لغير اللجان المختصة.
5. عدم التعامل مع تجاوزات بعض الأعضاء.
6. التعتيم على مقترحات الأعضاء المتعلّقة بتطوير نظام المجلس وآلياته الداخلية لصنع القرار.
الممارسات السابقة أدّت إلى حالة من الاستياء؛ بل وفقدان الثقة والإحباط، لدى شريحة واسعة من الأعضاء الذين يشعرون أن إدارة المجلس تُعطِّل أعمالهم وتُكبّل حريتهم في التعبير وتحجب آراءهم عن صانع القرار.
وبناء على ما تقدم، فإن من المهم أن تبادر رئاسة المجلس لوقف جميع تلك الممارسات، والإفراج عن جهود ومقترحات الأعضاء التطويرية؛ بعد إخراجها من الأدراج، من أجل أن تُسهم في رفع كفاءة المجلس، وتطوير أدواته، ومعالجة تلك الممارسات وصولاً لإصلاح أوجه الخلل الظاهرة فيه والمستترة، حتى يتمكّن من التطوّر (برلمانياً)، ومواكبة المتغيرات الحالية والمستقبلية، والّلحاق بقاطرة الرؤية الوطنية، والفوز بثقة المواطنين؛ بدون ذلك سيستمر المجتمع في النظر لمجلس الشورى باعتباره كياناً مترهّلاً؛ يعجز عن ملاحقة الحراك الإصلاحي المتسارع الذي تقوم به (قيادتنا الرشيدة)، وفهم متطلبات مرحلة التحوُّل واستحقاقاتها، خصوصاً بعد القرارات الملكية الأخيرة التي كشفت -تلقائياً- حاجة المجلس الماسّة لتطوير شامل وعاجل؛ بعد تقصيره الواضح في التعاطي بإيجابية مع حاجات المجتمع، ودعم توجُّهات (ولاة الأمر)، وتحقيق متطلبات رؤية البلاد.
وقد لا أذيع سراً بالقول أنه بحكم اهتمامي ومتابعتي لما يدور تحت قبة المجلس، واستناداً على علاقات الصداقة الحالية أو الزمالة السابقة التي تجمعني مع عدد غير قليل من الأعضاء؛ سواء الحاليين أو السابقين؛ نساءً ورجالاً، فقد حظيتُ بفرصة الإطلاع على الكثير من المعلومات والآراء و(الحقائق) التي يرى بعض أولئك الأعضاء أنها تُشكّل في مجملها أسباباً (جوهرية) لعجز المجلس عن القيام بدوره كما ينبغي، لذا يمكنني الزعم -بثقة- بأنه باستثناء العوامل (الخارجية) وهي الحاجة لتطوير نظام المجلس، وتوضيح معايير اختيار أعضائه، فإن معظم أسباب تقاعسه، هي داخلية؛ أي إدارية وتنظيمية وليست آيديولوجية أو حِزبية (تيّاريّة)، بمعنى أنها ترتبط إما بخلل إدارته، أو بقصور لائحته (قواعد عمله)، أو بضعف الخدمات المسانِدة التي يفترض أن يوفرها المجلس للجانه المتخصصة وأعضائه، وهو ما ينعكس سلباً على جودة وحجم مخرجاته، وبطء تفاعله، ومحدودية تأثيرة في الشأن العام.
أعضاء المجلس ليسوا موظفين
أما إذا أردنا الغوص في التفاصيل الدقيقة والتنقيب أكثر في معوّقات عمل المجلس فإن جانباً مهماً منها يعود للكيفية التي يتعامل بها المجلس مع أعضائه؛ إذ تتعامل رئاسة المجلس معهم في بعض الأحيان، كما لو كانوا تلاميذَ في فصل دراسي أو مرؤوسين في دائرة حكومية في حين أن العلاقة بين الطرفين ينبغي أن تحكمها التقاليد البرلمانية وليس علاقة سلطة (تنفيذية) بموظفين، بمعنى أن عضو المجلس الذي تم اختياره -بإرادة ملكية سامية- ينبغي أن يُعامل بوصفه شخصية برلمانية مستقلة؛ تتمتع بالحصانة الكاملة والحرية «المسؤولة» وليس بالوصاية والتوجيه أو باعتباره موظفاً حكومياً. وسيعزز من ذلك كثيراً، أن يتحلّى رئيس المجلس بالحيادية المطلوبة عند شاغلي مثل هذا الموقع الهام، مع تقليص صلاحياته، وعدم مقاطعته لحديث الأعضاء أو تقييمه لآرائهم تحت القبة؛ وفي مقابل ذلك يجب أن تزيد صلاحيات الأعضاء، وأن لا يتم الحجر على مواقفهم وتوصياتهم وآرائهم؛ كما يحدث من آن لآخر، وصولاً إلى أن تصبح الممارسة البرلمانية (فقط) هي الفيصل في حسم الآراء المتباينة.
هزالة الخدمات المساندة للأعضاء
والغريب أنه رغم الجهاز (الإداري) لمجلس الشورى؛ الذي يعتبره البعض مترهّلاً ومتضخماً إذ يبلغ عدد أفراده نحو 900 (موظف)، فإن العديد من الّلجان والكثير من الأعضاء يعانون من هزالة الخدمات المُساندِة المقدمة إليهم، وضعف مستوى بعض القائمين عليها، ويكفي للتدليل على ذلك أن لكل لجنة من لجان المجلس الأربع عشرة (الأساسية) موظفين فقط!؛ هما مدير أعمال ومساعد، في حين أن لكل عضو من الأعضاء سكرتيراً؛ بعضهم لا يتمتعون بالمؤهلات التي تمكنهم من تقديم الدعم (النوعي) اللازم، وذلك مقارنة بالممارسات البرلمانية الدولية التي تحظى فيها اللجان البرلمانية والأعضاء بدعم أكبر من ذلك بكثير، وهو ما يساعد على تفرُّغ الأعضاء لأعمالهم الأساسية؛ بدلاً من استنزاف الكثير من أوقاتهم وجهودهم في تجهيز المعلومات الضرورية وجمع البيانات اللازمة لاتخاذ القرارات المناسبة والتقدُّم بالتوصيات التي يرونها ضرورية، ومشاريع الأنظمة تحت المادة 23؛ في التوقيت الصحيح.
تقييم أداء الرئيس والأعضاء
ولا يكتمل الحديث عن إصلاح مجلس الشورى وتطوير أدائه، بدون التعريج على موضوع في غاية الأهمية برأيي وهو ضرورة وضع آلية واضحة ومعلنة لتقييم أداء رئيس المجلس، وأركان إدارته، ورؤساء اللجان، والأمين العام والأعضاء والمستشارين؛ تمهيداً لاستبعاد محدودي الإنتاجية منهم، مع أهمية وضع معايير (مهنية) محدّدة وشفّافة للطريقة التي يختار بها المجلس الأعضاء الذين يمثلونه دولياً، أو أعضاء الوفود التي تقوم بزيارات خارجية برئاسة (الرئيس)، أو يحضرون المناسبات والاجتماعات التي يُقيمها المجلس أو يعقدها مع البرلمانيين أو الديبلوماسيين الأجانب الزائرين للمجلس، وأعتقد أن الطريقة المثلى لوضع تلك المعايير أو النظر في القرارات التي تخص الأعضاء، هي أن يضعها الأعضاء أنفسهم عبر لجنة يتم انتخابها من بعضهم؛ وتأخذ قراراتها باستقلالية تامة.
صورة المجلس مرتبطة بأدائه
وقبل الختام لابد من التأكيد على بضع أفكار ومفاهيم ذات صلة بالموضوع وتشمل:
1. أن المجلس هو من أكثر مؤسسات الدولة تقبلاً للنقد الموضوعي ولكن ما ينقصه هو التفاعل معها؛ وعدم الانجرار للمهاترات، وهو ما سمعته شخصياً من معالي (الرئيس) حين التقيته قبل بضعة أشهر، ويُحسب له أنه فتح أبواب المجلس لوسائل الإعلام التي يربو عددها على 25 وسيلة، لحضور الجلسات.
2. ضرورة قيام المجلس قريباً بإعادة النظر في قواعد عمله (لائحته الداخلية) بحيث تعُطي المزيد من القدرة للأعضاء على ممارسة آليات العمل البرلماني وعلى نحو يُرسِّخ مفهوم أن القرارات يتم اتخاذها من قِبل المجلس كـ(كيان مؤسسي).
3. ضرورة وضع سقف زمني للجان المجلس من أجل إنهاء دراسة مشاريع الأنظمة المقدمة من الأعضاء وفق المادة 23، إذ إن غياب ذلك أدى إلى تعطيل العديد من تلك المشاريع.
4. نصيحة لأعضاء المجلس أن يعتبروا عضويتهم في المجلس بمثابة تكليف لا تشريف، وهذا يتطلب منهم التعامل مع القضايا المطروحة بالمزيد من المهنية، والابتعاد عن الشِّلليّة الإعلامية أو التصريحات المستفزة، أو (محاولات تسويق الذات على حساب قضايا الوطن).
5. ضرورة مبادرة إعلام المجلس لخدمة الأعضاء وإبراز جهودهم، وعدم قصر خدماتها على إدارة المجلس فقط، كما هو الوضع حاليا؛ وفقاً لآراء الكثير من الأعضاء.
6. أن تحسين صورة المجلس وإدارة سمعته وعلاقته مع الإعلام ومع المجتمع، يرتهن بتحسين أدائه أولاً، لأن الإعلام لا يمكن أن يُجمّل الأداء المتواضع.
ختاماً، أخلص إلى القول بأن دعم مجلس الشورى وتطويره بات ضرورة؛ من الخطأ تأجيله بعد اليوم، لما يترتّب عليه من ضياع فرص عظيمة للاستفادة من إمكانات المجلس وتنوّع كفاءاته وخبراته التي تحتاجها البلاد الآن أكثر من أي وقت مضى، راجياً أن أكون قد وُفِّقت في طرح رؤية متوازنة؛ بعيدة عن التجنّي أو الإسراف.
gbadkook@
gbadkook@yahoo.com
أبرز أسباب ضعف المجلس
وفي تقديري فإن أسباب ضعف أداء مجلس الشورى هي نظامية وتنظيمية وإدارية؛ فنظام المجلس لم يعد قادراً على مواكبة التحوُّلات الجارية حالياً في البلاد، كما يبدو أن مكانة المجلس في منظومة القرار الوطني قد تراجعت بعض الشيء؛ والشواهد على ذلك عديدة ولا يتسع المجال لذكرها، ما سبق معروف ومشاهد، وقد تناولته -وغيري من الكتاب مراراً- عبر المقالات ووسائل التواصل، لذلك سأتطرق اليوم للأسباب الأخرى (الداخلية) لضعف أداء المجلس، والتي لم أتطرق إليها سابقاً، أو سبق أن تناولتها ولكن على عجالة في بعض مقالاتي السابقة «عن المجلس»، وفي مقدمتها 3 أسباب رئيسية هي:
1. عدم تقيّد إدارة المجلس بالتقاليد البرلمانية.
2. حاجة المجلس للنظر في قواعد عمله الداخلية.
3. إغفال إدارة المجلس لقائمة الأولويات الوطنية.
وفي الأسطر التالية سأتناول الأسباب السابقة بشيء من التفصيل ولكنني آمل أن تنظر قيادتنا الحكيمة بادئ ذي بدء في إعادة النظر في (نظام المجلس)، بُغية دعمه بالمزيد من الصلاحيات؛ لقطع الطريق على من يزعم أن نظام المجلس هو سبب تخاذله غالباً؛ ومحدودية فاعليته أحياناً.
ممارسات «غير برلمانية» محبطة
على ضوء ما تقدم، فإن من الضروري (أولاً) أن يقتنع مجلس الشورى -كمنظومة متكاملة- تشمل رئاسته وهيئته العامة وأمانته ولجانه وأعضاءه وجهاز إعلامه ومستشاريه، بأن استياء الناس من أداء مجلس الشورى له ما يبرره، وأنه طالما استمرت إدارة المجلس في ممارسة بعض التصرّفات الإدارية؛ البعيدة عن الأعراف البرلمانية، فسوف يلازم ضُعف الأداء هذه المؤسسة العريقة ويحد من الاستفادة منها، ومن تلك الممارسات ما يلي:
1. الانتقاص أحياناً من استقلالية الأعضاء.
2. التدخل أحياناً لتوجيه الرأي في المجلس.
3. تغيير جدولة بعض الموضوعات المُقررّة سلفاً.
4. توجيه بعض الملفات لغير اللجان المختصة.
5. عدم التعامل مع تجاوزات بعض الأعضاء.
6. التعتيم على مقترحات الأعضاء المتعلّقة بتطوير نظام المجلس وآلياته الداخلية لصنع القرار.
الممارسات السابقة أدّت إلى حالة من الاستياء؛ بل وفقدان الثقة والإحباط، لدى شريحة واسعة من الأعضاء الذين يشعرون أن إدارة المجلس تُعطِّل أعمالهم وتُكبّل حريتهم في التعبير وتحجب آراءهم عن صانع القرار.
وبناء على ما تقدم، فإن من المهم أن تبادر رئاسة المجلس لوقف جميع تلك الممارسات، والإفراج عن جهود ومقترحات الأعضاء التطويرية؛ بعد إخراجها من الأدراج، من أجل أن تُسهم في رفع كفاءة المجلس، وتطوير أدواته، ومعالجة تلك الممارسات وصولاً لإصلاح أوجه الخلل الظاهرة فيه والمستترة، حتى يتمكّن من التطوّر (برلمانياً)، ومواكبة المتغيرات الحالية والمستقبلية، والّلحاق بقاطرة الرؤية الوطنية، والفوز بثقة المواطنين؛ بدون ذلك سيستمر المجتمع في النظر لمجلس الشورى باعتباره كياناً مترهّلاً؛ يعجز عن ملاحقة الحراك الإصلاحي المتسارع الذي تقوم به (قيادتنا الرشيدة)، وفهم متطلبات مرحلة التحوُّل واستحقاقاتها، خصوصاً بعد القرارات الملكية الأخيرة التي كشفت -تلقائياً- حاجة المجلس الماسّة لتطوير شامل وعاجل؛ بعد تقصيره الواضح في التعاطي بإيجابية مع حاجات المجتمع، ودعم توجُّهات (ولاة الأمر)، وتحقيق متطلبات رؤية البلاد.
وقد لا أذيع سراً بالقول أنه بحكم اهتمامي ومتابعتي لما يدور تحت قبة المجلس، واستناداً على علاقات الصداقة الحالية أو الزمالة السابقة التي تجمعني مع عدد غير قليل من الأعضاء؛ سواء الحاليين أو السابقين؛ نساءً ورجالاً، فقد حظيتُ بفرصة الإطلاع على الكثير من المعلومات والآراء و(الحقائق) التي يرى بعض أولئك الأعضاء أنها تُشكّل في مجملها أسباباً (جوهرية) لعجز المجلس عن القيام بدوره كما ينبغي، لذا يمكنني الزعم -بثقة- بأنه باستثناء العوامل (الخارجية) وهي الحاجة لتطوير نظام المجلس، وتوضيح معايير اختيار أعضائه، فإن معظم أسباب تقاعسه، هي داخلية؛ أي إدارية وتنظيمية وليست آيديولوجية أو حِزبية (تيّاريّة)، بمعنى أنها ترتبط إما بخلل إدارته، أو بقصور لائحته (قواعد عمله)، أو بضعف الخدمات المسانِدة التي يفترض أن يوفرها المجلس للجانه المتخصصة وأعضائه، وهو ما ينعكس سلباً على جودة وحجم مخرجاته، وبطء تفاعله، ومحدودية تأثيرة في الشأن العام.
أعضاء المجلس ليسوا موظفين
أما إذا أردنا الغوص في التفاصيل الدقيقة والتنقيب أكثر في معوّقات عمل المجلس فإن جانباً مهماً منها يعود للكيفية التي يتعامل بها المجلس مع أعضائه؛ إذ تتعامل رئاسة المجلس معهم في بعض الأحيان، كما لو كانوا تلاميذَ في فصل دراسي أو مرؤوسين في دائرة حكومية في حين أن العلاقة بين الطرفين ينبغي أن تحكمها التقاليد البرلمانية وليس علاقة سلطة (تنفيذية) بموظفين، بمعنى أن عضو المجلس الذي تم اختياره -بإرادة ملكية سامية- ينبغي أن يُعامل بوصفه شخصية برلمانية مستقلة؛ تتمتع بالحصانة الكاملة والحرية «المسؤولة» وليس بالوصاية والتوجيه أو باعتباره موظفاً حكومياً. وسيعزز من ذلك كثيراً، أن يتحلّى رئيس المجلس بالحيادية المطلوبة عند شاغلي مثل هذا الموقع الهام، مع تقليص صلاحياته، وعدم مقاطعته لحديث الأعضاء أو تقييمه لآرائهم تحت القبة؛ وفي مقابل ذلك يجب أن تزيد صلاحيات الأعضاء، وأن لا يتم الحجر على مواقفهم وتوصياتهم وآرائهم؛ كما يحدث من آن لآخر، وصولاً إلى أن تصبح الممارسة البرلمانية (فقط) هي الفيصل في حسم الآراء المتباينة.
هزالة الخدمات المساندة للأعضاء
والغريب أنه رغم الجهاز (الإداري) لمجلس الشورى؛ الذي يعتبره البعض مترهّلاً ومتضخماً إذ يبلغ عدد أفراده نحو 900 (موظف)، فإن العديد من الّلجان والكثير من الأعضاء يعانون من هزالة الخدمات المُساندِة المقدمة إليهم، وضعف مستوى بعض القائمين عليها، ويكفي للتدليل على ذلك أن لكل لجنة من لجان المجلس الأربع عشرة (الأساسية) موظفين فقط!؛ هما مدير أعمال ومساعد، في حين أن لكل عضو من الأعضاء سكرتيراً؛ بعضهم لا يتمتعون بالمؤهلات التي تمكنهم من تقديم الدعم (النوعي) اللازم، وذلك مقارنة بالممارسات البرلمانية الدولية التي تحظى فيها اللجان البرلمانية والأعضاء بدعم أكبر من ذلك بكثير، وهو ما يساعد على تفرُّغ الأعضاء لأعمالهم الأساسية؛ بدلاً من استنزاف الكثير من أوقاتهم وجهودهم في تجهيز المعلومات الضرورية وجمع البيانات اللازمة لاتخاذ القرارات المناسبة والتقدُّم بالتوصيات التي يرونها ضرورية، ومشاريع الأنظمة تحت المادة 23؛ في التوقيت الصحيح.
تقييم أداء الرئيس والأعضاء
ولا يكتمل الحديث عن إصلاح مجلس الشورى وتطوير أدائه، بدون التعريج على موضوع في غاية الأهمية برأيي وهو ضرورة وضع آلية واضحة ومعلنة لتقييم أداء رئيس المجلس، وأركان إدارته، ورؤساء اللجان، والأمين العام والأعضاء والمستشارين؛ تمهيداً لاستبعاد محدودي الإنتاجية منهم، مع أهمية وضع معايير (مهنية) محدّدة وشفّافة للطريقة التي يختار بها المجلس الأعضاء الذين يمثلونه دولياً، أو أعضاء الوفود التي تقوم بزيارات خارجية برئاسة (الرئيس)، أو يحضرون المناسبات والاجتماعات التي يُقيمها المجلس أو يعقدها مع البرلمانيين أو الديبلوماسيين الأجانب الزائرين للمجلس، وأعتقد أن الطريقة المثلى لوضع تلك المعايير أو النظر في القرارات التي تخص الأعضاء، هي أن يضعها الأعضاء أنفسهم عبر لجنة يتم انتخابها من بعضهم؛ وتأخذ قراراتها باستقلالية تامة.
صورة المجلس مرتبطة بأدائه
وقبل الختام لابد من التأكيد على بضع أفكار ومفاهيم ذات صلة بالموضوع وتشمل:
1. أن المجلس هو من أكثر مؤسسات الدولة تقبلاً للنقد الموضوعي ولكن ما ينقصه هو التفاعل معها؛ وعدم الانجرار للمهاترات، وهو ما سمعته شخصياً من معالي (الرئيس) حين التقيته قبل بضعة أشهر، ويُحسب له أنه فتح أبواب المجلس لوسائل الإعلام التي يربو عددها على 25 وسيلة، لحضور الجلسات.
2. ضرورة قيام المجلس قريباً بإعادة النظر في قواعد عمله (لائحته الداخلية) بحيث تعُطي المزيد من القدرة للأعضاء على ممارسة آليات العمل البرلماني وعلى نحو يُرسِّخ مفهوم أن القرارات يتم اتخاذها من قِبل المجلس كـ(كيان مؤسسي).
3. ضرورة وضع سقف زمني للجان المجلس من أجل إنهاء دراسة مشاريع الأنظمة المقدمة من الأعضاء وفق المادة 23، إذ إن غياب ذلك أدى إلى تعطيل العديد من تلك المشاريع.
4. نصيحة لأعضاء المجلس أن يعتبروا عضويتهم في المجلس بمثابة تكليف لا تشريف، وهذا يتطلب منهم التعامل مع القضايا المطروحة بالمزيد من المهنية، والابتعاد عن الشِّلليّة الإعلامية أو التصريحات المستفزة، أو (محاولات تسويق الذات على حساب قضايا الوطن).
5. ضرورة مبادرة إعلام المجلس لخدمة الأعضاء وإبراز جهودهم، وعدم قصر خدماتها على إدارة المجلس فقط، كما هو الوضع حاليا؛ وفقاً لآراء الكثير من الأعضاء.
6. أن تحسين صورة المجلس وإدارة سمعته وعلاقته مع الإعلام ومع المجتمع، يرتهن بتحسين أدائه أولاً، لأن الإعلام لا يمكن أن يُجمّل الأداء المتواضع.
ختاماً، أخلص إلى القول بأن دعم مجلس الشورى وتطويره بات ضرورة؛ من الخطأ تأجيله بعد اليوم، لما يترتّب عليه من ضياع فرص عظيمة للاستفادة من إمكانات المجلس وتنوّع كفاءاته وخبراته التي تحتاجها البلاد الآن أكثر من أي وقت مضى، راجياً أن أكون قد وُفِّقت في طرح رؤية متوازنة؛ بعيدة عن التجنّي أو الإسراف.
gbadkook@
gbadkook@yahoo.com