الجو في موسكو يبدو باردا جدا، إلا أن المزاج كان ودودا ومحتفيا بأول ملك سعودي يزور أرض القياصرة، لقد بدأت الأمطار مبكرا هذه السنة على غير العادة في شهر أكتوبر، شوارع موسكو لا تزال تكتسي بأزهار الصيف، السكان المحليون تغص بهم الطرقات بعد عودتهم من الإجازات، أوروبيون أو شرقيون أو ربما شماليو الملامح لا يمكن تحديد ذلك، أقرب لنا في السلوك في أناقة وتمدن أوروبي.
لأول مرة يرون صورة ملك عربي يرتدي اللباس التقليدي تملأ شوارعهم، الصورة المبتسمة وحركات جسد «الفارس» كلها توحي بحميمية الزعيم القادم لموسكو من بلاد الشمس إلى بلاد الثلوج المتساقطة والشمس الغائبة.
المدهش في الروس أنهم شعب ودود على غير السمعة السيئة التي بنتها وسائل الإعلام والسينما الغربية، بسطاء لطفاء بشكل مفاجئ، من يتذكر تلك الصورة النمطية عن الروسي الفج المتوحش وتلك النساء المدورات البليدات، إنه الإعلام الغربي الذي عزل الروس لمئة عام.
العاصمة موسكو مدينة في غاية الجمال والنظافة، تجمع بين حضارة لا مثيل لها وطراز عمراني قل مثيله أو لنقل ندر وجوده عند غيرهم، هم أيضا لا يعرفون الغرباء وليس لديهم سياحة منظمة، على الرغم من أنهم سيستضيفون خلال السنة القادمة كأس العالم، وسيجربون لأول مرة دخول ملايين المشجعين والسواح.
الاحتفاء بالملك الحازم «المهاب» كان جزءا من هذا الود وتلك المشاعر السخية التي يرسلونها للجميع دون تكلف، خمسة أيام لم تغمض لموسكو فيها عين، من الاستقبال غير المعتاد في المطار الذي اخترق البرتوكول، مرورا بالزيارة الرسمية في الكرملين عندما فتحت قاعات القياصرة التي لا يراها أحد ليراها الزعيم السعودي ووفده الكبير، وانتهاء بالجامعة العريقة التي منحت ملك السلام جائزة السلام والانفتاح بين الشعوب في احتفالية نادرة.
لقد صحب الزيارة تفاصيل نادرة، وصلت لحد أن الرئيس فلاديمير بوتين قام بصب الشاي لضيفه الأثير في رسالة غاية في التهذيب والتقدير من رئيس إحدى القوى العظمى في العالم لزعيم العالم الإسلامي.
الشراكة الإستراتيجية، بين قطبي الطاقة في العالم القادمة بسرعة إس 400، يبدو أن لا أحد في الشرق الأوسط استوعبها للآن، الدولتان المؤثرتان في الإقليم تسعيان لتجاوز التفاهم حول النفط إلى خلق فضاء سياسي واقتصادي وثقافي أكثر رحابة من الاتفاق على بيع الطاقة في الأسواق العالمية، مسار يجمع الدولتين المتشابهتين في تفاصيل كثيرة يبدو أنهما فوجئتا عندما اكتشفتاها ربما لعقود طويلة قادمة.
السعودية تسعى أن تكون دولة رائدة في صناعة السلاح، وروسيا تقدمت في الـ20 السنة الماضية في هذه الصناعة، لدرجة أن الغرب يقف عاجزا عن ملاحقة الكثير منها.
موسكو أقل تحفظا من الغربيين في نقل التقنية العسكرية والاتفاقات تعني الكثير للعاصمتين، فالاستثمارات السعودية ستتدفق لمفاصل الاقتصاد الروسي مستفيدا من عوائد هائلة، والصناعات الثقيلة الروسية ستنتقل للمدن السعودية حاملة معها الوظائف ومستقبلا تقنيا غير مسبوق.
السعودية وروسيا طموحتان جدا، وتجزمان أنهما لم تأخذا دورهما الدولي المستحق، كما تعتزان بتراثهما وخصوصيتهما وطبيعتهما الاجتماعية، وترفضان أي إملاءات أو وصايات تريد فرضها اتفاقيات أو سياسات أو منظمات دولية لا تستوعب أن هناك فوارق كبرى بين الشعوب.
الشريكان الجديدان في هذا العالم ينتهجان سياسات مستقلة، ويطالبان الغرب باحترام سيادة واستقلال الدول، ويتبنيان دبلوماسية واضحة وشفافة ولا يحبذان الأجندات متعددة الأوجه، هم حلفاء من حالفهم وأعداء من عاداهم، أما ألاعيب الغرب السياسية فالدولتان لا تمارسانها.
الإسلام هو المكون الوحيد في السعودية والثاني في روسيا، والشعوب المسلمة ترى المملكة كقائدة للمسلمين، وموسكو تؤمن أنها بمسلميها قريبة جدا من تفهم السعودية منبع الإسلام.
روسيا وريثة الاتحاد السوفيتي لا تزال عند ترحيبها بخدمة السعودية للحرمين الشريفين، وتثمن الدور الكبير للرياض كدولة تدير الحوار بين الأديان وجسر سلام تعبر من خلاله الثقافات والأفكار دون صدام.
موسكو لن تسمح بسرقة دورها كأكبر مزود للغاز في العالم، وتعتقد أن سورية هي البوابة البديلة لغاز آخر ربما يأتي من إيران وقطر لو سقطت دمشق، ولذلك فإن الدور الروسي المتعاظم في المنطقة من المهم استيعاب دوافعه وتدويره لصالح القضايا السعودية ومن ثم العربية.
كيف ستنعكس الزيارة على قادم الأيام السعودية، الحل في سورية كما يبدو ليس قريبا بما فيه الكفاية، على الرغم من تسويات أمنية على الأرض تمهد لذلك، ولا تزال المواقف السعودية من النظام السوري كما هي، إلا أن المعارضة السورية المشتتة والمتناحرة والمخترقة من الدوحة وإسطنبول وجماعات التطرف غير كفؤة ولا يمكن المراهنة عليها.
الخطر الإيراني يبدو واضحا جدا في موسكو كما هو في الرياض، وكما يقال دائما الروس يعلمون تماما أن طموحات إيران الفارسية تبدأ من نيودلهي ولا تنتهي في موسكو، وقادة الكرملين يعون أن تلك الطموحات ستصبح كارثة إذا تحكم الملالي في سلاح نووي.
لأول مرة يرون صورة ملك عربي يرتدي اللباس التقليدي تملأ شوارعهم، الصورة المبتسمة وحركات جسد «الفارس» كلها توحي بحميمية الزعيم القادم لموسكو من بلاد الشمس إلى بلاد الثلوج المتساقطة والشمس الغائبة.
المدهش في الروس أنهم شعب ودود على غير السمعة السيئة التي بنتها وسائل الإعلام والسينما الغربية، بسطاء لطفاء بشكل مفاجئ، من يتذكر تلك الصورة النمطية عن الروسي الفج المتوحش وتلك النساء المدورات البليدات، إنه الإعلام الغربي الذي عزل الروس لمئة عام.
العاصمة موسكو مدينة في غاية الجمال والنظافة، تجمع بين حضارة لا مثيل لها وطراز عمراني قل مثيله أو لنقل ندر وجوده عند غيرهم، هم أيضا لا يعرفون الغرباء وليس لديهم سياحة منظمة، على الرغم من أنهم سيستضيفون خلال السنة القادمة كأس العالم، وسيجربون لأول مرة دخول ملايين المشجعين والسواح.
الاحتفاء بالملك الحازم «المهاب» كان جزءا من هذا الود وتلك المشاعر السخية التي يرسلونها للجميع دون تكلف، خمسة أيام لم تغمض لموسكو فيها عين، من الاستقبال غير المعتاد في المطار الذي اخترق البرتوكول، مرورا بالزيارة الرسمية في الكرملين عندما فتحت قاعات القياصرة التي لا يراها أحد ليراها الزعيم السعودي ووفده الكبير، وانتهاء بالجامعة العريقة التي منحت ملك السلام جائزة السلام والانفتاح بين الشعوب في احتفالية نادرة.
لقد صحب الزيارة تفاصيل نادرة، وصلت لحد أن الرئيس فلاديمير بوتين قام بصب الشاي لضيفه الأثير في رسالة غاية في التهذيب والتقدير من رئيس إحدى القوى العظمى في العالم لزعيم العالم الإسلامي.
الشراكة الإستراتيجية، بين قطبي الطاقة في العالم القادمة بسرعة إس 400، يبدو أن لا أحد في الشرق الأوسط استوعبها للآن، الدولتان المؤثرتان في الإقليم تسعيان لتجاوز التفاهم حول النفط إلى خلق فضاء سياسي واقتصادي وثقافي أكثر رحابة من الاتفاق على بيع الطاقة في الأسواق العالمية، مسار يجمع الدولتين المتشابهتين في تفاصيل كثيرة يبدو أنهما فوجئتا عندما اكتشفتاها ربما لعقود طويلة قادمة.
السعودية تسعى أن تكون دولة رائدة في صناعة السلاح، وروسيا تقدمت في الـ20 السنة الماضية في هذه الصناعة، لدرجة أن الغرب يقف عاجزا عن ملاحقة الكثير منها.
موسكو أقل تحفظا من الغربيين في نقل التقنية العسكرية والاتفاقات تعني الكثير للعاصمتين، فالاستثمارات السعودية ستتدفق لمفاصل الاقتصاد الروسي مستفيدا من عوائد هائلة، والصناعات الثقيلة الروسية ستنتقل للمدن السعودية حاملة معها الوظائف ومستقبلا تقنيا غير مسبوق.
السعودية وروسيا طموحتان جدا، وتجزمان أنهما لم تأخذا دورهما الدولي المستحق، كما تعتزان بتراثهما وخصوصيتهما وطبيعتهما الاجتماعية، وترفضان أي إملاءات أو وصايات تريد فرضها اتفاقيات أو سياسات أو منظمات دولية لا تستوعب أن هناك فوارق كبرى بين الشعوب.
الشريكان الجديدان في هذا العالم ينتهجان سياسات مستقلة، ويطالبان الغرب باحترام سيادة واستقلال الدول، ويتبنيان دبلوماسية واضحة وشفافة ولا يحبذان الأجندات متعددة الأوجه، هم حلفاء من حالفهم وأعداء من عاداهم، أما ألاعيب الغرب السياسية فالدولتان لا تمارسانها.
الإسلام هو المكون الوحيد في السعودية والثاني في روسيا، والشعوب المسلمة ترى المملكة كقائدة للمسلمين، وموسكو تؤمن أنها بمسلميها قريبة جدا من تفهم السعودية منبع الإسلام.
روسيا وريثة الاتحاد السوفيتي لا تزال عند ترحيبها بخدمة السعودية للحرمين الشريفين، وتثمن الدور الكبير للرياض كدولة تدير الحوار بين الأديان وجسر سلام تعبر من خلاله الثقافات والأفكار دون صدام.
موسكو لن تسمح بسرقة دورها كأكبر مزود للغاز في العالم، وتعتقد أن سورية هي البوابة البديلة لغاز آخر ربما يأتي من إيران وقطر لو سقطت دمشق، ولذلك فإن الدور الروسي المتعاظم في المنطقة من المهم استيعاب دوافعه وتدويره لصالح القضايا السعودية ومن ثم العربية.
كيف ستنعكس الزيارة على قادم الأيام السعودية، الحل في سورية كما يبدو ليس قريبا بما فيه الكفاية، على الرغم من تسويات أمنية على الأرض تمهد لذلك، ولا تزال المواقف السعودية من النظام السوري كما هي، إلا أن المعارضة السورية المشتتة والمتناحرة والمخترقة من الدوحة وإسطنبول وجماعات التطرف غير كفؤة ولا يمكن المراهنة عليها.
الخطر الإيراني يبدو واضحا جدا في موسكو كما هو في الرياض، وكما يقال دائما الروس يعلمون تماما أن طموحات إيران الفارسية تبدأ من نيودلهي ولا تنتهي في موسكو، وقادة الكرملين يعون أن تلك الطموحات ستصبح كارثة إذا تحكم الملالي في سلاح نووي.