توقعاتنا عند سماع هذه الكلمة أن نجد «الحواديت» الموسيقية المشبعة بالدراما. وجرت العادة أيضا أن تحتوي على مقدار من الحب، والطمع، والنفاق، والنذالة، والغدر، والخيانة، والانتقام.. انحطاط، وهم، وغم. وفي الغالب أن تكون نهايتها مأساوية، وأن تكون هناك امرأة بدينة بصوت قوي تختم الموضوع برمته بالغناء وربما بالبكاء أيضا. ولكن في بعض الأحيان يفاجئنا المصطلح ببعض القصص الغريبة وقد اخترت لكم التالي: قام النظام العراقي في نهاية السبعينات الميلادية بشراء مفاعل نووي فرنسي كجزء من تطوير برنامج طموح يهدف إلى توفير الطاقة النووية للأغراض المدنية. وعكف على تسخير أحدث التقنيات لتنمية المنظومة، ووفرت فرنسا المفاعل والخبرات الفنية المؤهلة للدعم التقني. وانتشر الخبر ضمن الأوساط المتخصصة أنه ربما هناك نوايا عسكرية خلف هذه المبادرة. ووجد الكيان الصهيوني فرصة لضرب العرب، فاختلق قصصا عن النوايا العسكرية للمفاعل النووي؛ يعني اعتبر الموضوع ضمن «أسلحة الدمار الشامل». ووضع إمكانياته المختلفة للتصدي لذلك، وفي المقدمة كالعادة كان جهاز الاستخبارات المعروف باسم «الموساد». ولكن قبل الخوض في نشاطهم في فرنسا لمقاومة هذا التحدي النووي لا بد من ذكر معلومة مهمة لها علاقة بالموضوع. عند الإطاحة بشاه إيران محمد رضا بهلوي عام 1979 من الخميني، تم تعليق صفقة طائرات حربية متقدمة جدا من الولايات المتحدة. وبالتحديد فكانت لشراء 70 طائرة من طراز إف 16 الشهيرة باسم «الصقر»، وهي مقاتلة من صنع شركة «جنرال ديناميكس» الأمريكية. كانت إيران هي أول دولة خارج الولايات المتحدة ستحصل عليها. وكانت من أوائل طائرات الجيل الثالث من المقاتلات ذات القدرات القتالية المتقدمة جدا. و«اتلبشت» الشركة المصنعة بطلبية إيران المتعثرة. وهنا رأت إسرائيل فرصة سهلة لتحديث أسطولها الجوي فاغتنمتها وحصلت على 50 طائرة من الصفقة الإيرانية «المبنشرة». ولنعود للمفاعل العراقي فقد قامت فرق من الموساد بمجموعة عمليات في ضاحية «سفريه» خارج باريس، حيث يقع مقر وكالة الطاقة الذرية الفرنسية. وشملت أوجه الفساد بأطيافه المختلفة: تجسس، ومحاولات رشوة، وتشويه سمعة علماء، واستخدام العسل (أي العنصر النسائي)، والإرهاب، والاغتيالات لبعض العلماء. وكانت هذه مجرد البدايات غير المعلنة. وعلى صعيد آخر فقد تم التخطيط لعملية «أوبرا» وهي غارة جريئة كانت مخططة لتقوم بها ثماني طائرات من طراز إف 16 تحرسها ست طائرات من طراز إف 15 من قاعدة «اتزيون» في شرق سيناء المحتلة آنذاك لتضرب المفاعل في بغداد ثم العودة. وكانت عملية صعبة فلم تكن هناك إمكانيات للتزود بالوقود جوا لتلك القوة الجوية الضاربة. وكان الوقود الذي حملته الطائرات يكاد لا يكفي لرحلة الذهاب والإياب وطولها نحو 2000 كيلو متر. وهنا سأذكر معلومة جانبية وهي أن الطيار الذي خطط لموضوع الوقود كان اسمه «ايلان رامون». وكان أول من نادى باستخدام تعبئة الطائرات بالوقود قبل إقلاعها مباشرة ومحركاتها عاملة على المدرج، وكانت مبادرة خطيرة لتزويد الطائرات بأكبر كمية من الوقود. وأصبح هذا الرجل أول رائد فضاء إسرائيلي فصعد على المكوك الفضائي الأمريكي «كولومبيا» عام 2003، ولكنه توفي وجميع طاقم تلك المركبة عند عودة المكوك إلى الأرض في كارثة فضائية كبرى. والغريب أن ابنه «آساف رامون» مشى في خطى والده فأصبح طيارا حربيا مقاتلا على نفس طائرة إف 16 ثم توفي في حادث تحطم طائرته في سبتمبر 2009. ولنعود للأوبرا فنجد أن الغارة حققت هدفها فضربت المفاعل ودمرته بالكامل وقتلت 11 مدنيا أحدهم فرنسي.