الهجرة من القرى والمدن الصغيرة إلى مدن المناطق الكبيرة أصبحت ظاهرة لا تحتاج إلى بحث ودراسة لمعرفة أسبابها؛ لأن الأسباب واضحة ومعروفة عند العامة وهي عدم توفر فرص العمل لأبناء القرى والمدن الصغيرة في قرى ومدن مناطقهم، وفي القديم كان سبب الهجرة عدم توفر المدارس والجامعات وكان ذلك عذرا مقبولا، أما اليوم وبعد أن عمّت التنمية الشاملة للتعليم، بجميع مستوياته وتخصصاته، جميع مناطق المملكة من القرى والمدن الصغيرة ومدن المناطق الكبيرة فأصبحت هجرة التعليم غير ملحوظة كثيرا، لكن الهجرة في السنوات العشر الماضية تحولت من الفئة العمرية (العشرية) الى الفئة العمرية (العشرينية) أي من طلبة المدارس إلى خريجي الجامعات في المدن الصغيرة متجهين إلى المدن الكبيرة، واكتظت المدن الكبيرة كالعاصمة الرياض وجدة ومكة المكرمة والمدينة المنورة والمنطقة الشرقية بالملايين من المواطنين القادمين من القرى والمدن الصغيرة، وأنا لست ضد الهجرة إذا توفرت أسبابها، فالوطن للجميع ولكل مواطن الحق أن يختار المنطقة والمدينة التي يرغب السكن والعمل فيها، كما أنني لا أفضّل تصنيف المواطنين حسب مكان ولادتهم وإنما أؤمن بتصنيف السكان حسب مقر سكنهم، أي استخدام مصطلح (سكان مكة) أو (سكان الرياض) أو (سكان الشرقية) لأن مصطلح أهل المنطقة يجعل المهاجرين لها مغتربين فيها، وهو مصطلح فيه عنصرية ولا يخدم الوحدة الوطنية.
واذا كنا نجحنا في توطين طلبة القرى والمدن الصغيرة في مناطقهم بعد فتح المدارس والجامعات والكليات فيها، فإن قضية الهجرة بعد الجامعة إلى المناطق الكبيرة قائمة وتحتاج إلى حلول وليس الهدف منعهم من الخروج من مناطقهم وإنما الهدف هو تنمية القرى والمدن الصغيرة بمشاريع تفتح فرص عمل تستوعب أبناء هذه المناطق وتعفيهم من عناء السفر والغربة عن الأهل، وهجرة أبناء القرى والمناطق الصغيرة قد يؤدي إلى تفريغها من الكفاءات المتعلمة والمثقفة وهو أمر لا يسهم في تنمية تلك المناطق، ولهذا فإن اقتراحي اليوم ليس جديدا أو غريبا على المخططين، فمن المؤكد أنه قد سبق أن درسوه وفكروا به وأنا أعيد طرحه اليوم مستفيدا من تجارب الدول الصناعية الكبرى في تنمية القرى والمدن الصغيرة وذلك من خلال حزمة الحوافز المقدمة للمشاريع الصناعية والزراعية والتعليمية والصحية، فكم مدينة اشتهرت بوجود جامعة عالمية فيها أو مستشفى دولي متخصص، أو مراكز علاج للأورام أو غيرها من الأمراض أو مصحات طبية، حيث منحت تلك الدول حوافز للمستثمرين فيها ومنها الإعفاء الضريبي الكامل أو الجزئي والقروض الميسرة بدون عمولات ولفترات زمنية طويلة ودعم وتشغيل أبناء المنطقة وتخفيضات على الخدمات، وأيضا تقديم حزم تحفيزية لأبناء تلك المناطق مثل الإعفاء الضريبي ورسوم الخدمات التشجيعية وتمليك المساكن على المدى الطويل بالإضافة إلى مميزات أخرى.
فهل بالإمكان أن تعفى المشاريع الصغيرة والمتوسطة في القرى والمدن الصغيرة من ضريبة القيمة المضافة والرسوم المتعددة، وهل بالإمكان إعفاء الشركات والمصانع والمستشفيات والجامعات والمدارس الخاصة المستثمرة في المدن الصغيرة من قيمة الضريبة المضافة شريطة أن تكون نسبة 70% من عمالتها من العمالة السعودية.
إن فكرة تحفيز المشاريع الاستثمارية للمدن الصغيرة فكرة قديمة طبقتها الولايات المتحدة الأمريكية في بداية القرن الماضي، وانتقلت العديد من الصناعات والجامعات إلى مدن صغيرة ونمت وكبرت تلك المدن بهذه المشاريع واستقر سكان المدن الصغيرة في مدنهم وعملوا في المشاريع المقامة فيها.
فهل آن الأوان لاتخاذ قرارات جريئة لتحويل بعض المشاريع الصناعية أو الطبية أو التعليمية لتلك المدن الصغيرة التي هي في أمسّ الحاجة إلى مشاريع تنموية، أصبحت التنمية في المدن الكبيرة في المملكة غير كافية لاستيعاب النازحين لها من القرى والمدن الصغيرة، وبالتالي تعددت أزمات المدن الكبيرة من توفير المسكن الملائم والماء والكهرباء والعلاج والتعليم وغيرها من الخدمات الأساسية.
إن فكرة توطين المهاجرين من القرى والمدن الصغيرة لا تعني وضع قيود على حركتهم، بل هي فكرة تستهدف تنمية المدن الصغيرة أولا، واذا جاز لي الاقتراح فإنني أقترح أن تعاد خريطة توزيع المدن الصناعية والتركيز على حزمة الحوافز الجاذبة للاستثمار في هذه المدن الصغيرة، فليس من الضروري أن تكون المدن الصناعية مركزة على المدن الكبيرة، وأجزم أنه لو كانت هناك إعفاءات ضريبية وتخفيض للرسوم فإن اقتصاديات التشغيل سوف ترتفع أرباحها في هذه المدن الصغيرة. وكنت في الماضي أتوقع أن المهاجرين من القرى والمدن الصغيرة ستكون لهم عوائد إيجابية على مناطقهم؛ سواء بإعادة بعض من استثماراتهم فيها أو يكون لهم دور في برامج المسؤولية الاجتماعية، إلا أنهم -وللأسف- يهاجرون من قراهم ومدنهم الصغيرة طلبا للعلم والعمل ويحرمون تلك القرى والمدن الصغيرة من علمهم وخبراتهم واستثماراتهم فيما بعد.
ولكنني أجزم بأنه لا يمكن أن تعتمد التنمية في هذه المناطق على هذه الفئة المهاجرة، وإنما ينبغي أن يكون القرار على مستوى التخطيط في الدولة بتوزيع المشاريع الاقتصادية التنموية على هذه القرى والمدن الصغيرة؛ شريطة خلق فرص وظيفية لأبناء هذه المناطق وليس استقدام عمالة أجنبية لمنافستهم في فرص العمل.
* كاتب اقتصادي سعودي
واذا كنا نجحنا في توطين طلبة القرى والمدن الصغيرة في مناطقهم بعد فتح المدارس والجامعات والكليات فيها، فإن قضية الهجرة بعد الجامعة إلى المناطق الكبيرة قائمة وتحتاج إلى حلول وليس الهدف منعهم من الخروج من مناطقهم وإنما الهدف هو تنمية القرى والمدن الصغيرة بمشاريع تفتح فرص عمل تستوعب أبناء هذه المناطق وتعفيهم من عناء السفر والغربة عن الأهل، وهجرة أبناء القرى والمناطق الصغيرة قد يؤدي إلى تفريغها من الكفاءات المتعلمة والمثقفة وهو أمر لا يسهم في تنمية تلك المناطق، ولهذا فإن اقتراحي اليوم ليس جديدا أو غريبا على المخططين، فمن المؤكد أنه قد سبق أن درسوه وفكروا به وأنا أعيد طرحه اليوم مستفيدا من تجارب الدول الصناعية الكبرى في تنمية القرى والمدن الصغيرة وذلك من خلال حزمة الحوافز المقدمة للمشاريع الصناعية والزراعية والتعليمية والصحية، فكم مدينة اشتهرت بوجود جامعة عالمية فيها أو مستشفى دولي متخصص، أو مراكز علاج للأورام أو غيرها من الأمراض أو مصحات طبية، حيث منحت تلك الدول حوافز للمستثمرين فيها ومنها الإعفاء الضريبي الكامل أو الجزئي والقروض الميسرة بدون عمولات ولفترات زمنية طويلة ودعم وتشغيل أبناء المنطقة وتخفيضات على الخدمات، وأيضا تقديم حزم تحفيزية لأبناء تلك المناطق مثل الإعفاء الضريبي ورسوم الخدمات التشجيعية وتمليك المساكن على المدى الطويل بالإضافة إلى مميزات أخرى.
فهل بالإمكان أن تعفى المشاريع الصغيرة والمتوسطة في القرى والمدن الصغيرة من ضريبة القيمة المضافة والرسوم المتعددة، وهل بالإمكان إعفاء الشركات والمصانع والمستشفيات والجامعات والمدارس الخاصة المستثمرة في المدن الصغيرة من قيمة الضريبة المضافة شريطة أن تكون نسبة 70% من عمالتها من العمالة السعودية.
إن فكرة تحفيز المشاريع الاستثمارية للمدن الصغيرة فكرة قديمة طبقتها الولايات المتحدة الأمريكية في بداية القرن الماضي، وانتقلت العديد من الصناعات والجامعات إلى مدن صغيرة ونمت وكبرت تلك المدن بهذه المشاريع واستقر سكان المدن الصغيرة في مدنهم وعملوا في المشاريع المقامة فيها.
فهل آن الأوان لاتخاذ قرارات جريئة لتحويل بعض المشاريع الصناعية أو الطبية أو التعليمية لتلك المدن الصغيرة التي هي في أمسّ الحاجة إلى مشاريع تنموية، أصبحت التنمية في المدن الكبيرة في المملكة غير كافية لاستيعاب النازحين لها من القرى والمدن الصغيرة، وبالتالي تعددت أزمات المدن الكبيرة من توفير المسكن الملائم والماء والكهرباء والعلاج والتعليم وغيرها من الخدمات الأساسية.
إن فكرة توطين المهاجرين من القرى والمدن الصغيرة لا تعني وضع قيود على حركتهم، بل هي فكرة تستهدف تنمية المدن الصغيرة أولا، واذا جاز لي الاقتراح فإنني أقترح أن تعاد خريطة توزيع المدن الصناعية والتركيز على حزمة الحوافز الجاذبة للاستثمار في هذه المدن الصغيرة، فليس من الضروري أن تكون المدن الصناعية مركزة على المدن الكبيرة، وأجزم أنه لو كانت هناك إعفاءات ضريبية وتخفيض للرسوم فإن اقتصاديات التشغيل سوف ترتفع أرباحها في هذه المدن الصغيرة. وكنت في الماضي أتوقع أن المهاجرين من القرى والمدن الصغيرة ستكون لهم عوائد إيجابية على مناطقهم؛ سواء بإعادة بعض من استثماراتهم فيها أو يكون لهم دور في برامج المسؤولية الاجتماعية، إلا أنهم -وللأسف- يهاجرون من قراهم ومدنهم الصغيرة طلبا للعلم والعمل ويحرمون تلك القرى والمدن الصغيرة من علمهم وخبراتهم واستثماراتهم فيما بعد.
ولكنني أجزم بأنه لا يمكن أن تعتمد التنمية في هذه المناطق على هذه الفئة المهاجرة، وإنما ينبغي أن يكون القرار على مستوى التخطيط في الدولة بتوزيع المشاريع الاقتصادية التنموية على هذه القرى والمدن الصغيرة؛ شريطة خلق فرص وظيفية لأبناء هذه المناطق وليس استقدام عمالة أجنبية لمنافستهم في فرص العمل.
* كاتب اقتصادي سعودي