المشكلة أننا كنا نعرفه ونراه ونسمعه هذا الكائن لكننا عاجزون عن القبض عليه ومحاسبته. كان يتبختر أمامنا بنسخه الكثيرة، يتحدانا ويسرف في إيذاء مشاعرنا وكرامتنا، يسرقنا وينهب مالنا ويعبث في مقدراتنا وهو يبتسم في شاشات التلفاز وأوراق الصحف. كان يشعر بالأمان والطمأنينة، ولديه ثقة غير محدودة بأنه فوق المساءلة وأكبر من المحاسبة. كان لا يتورع عن المجاهرة بالبذخ ومظاهر الترف الفاحش من المال الحرام الذي اكتسبه بأكثر من طريقة ووسيلة وأسلوب، وأيضا كان لا يخجل من ترديد شعارات الأمانة والإخلاص والنزاهة. هذا الكائن موجود في كثير من المناصب الذهبية، وترتبط به منظومة ماهرة في كل المستويات والمواقع المرتبطة به، لتتشكل من خلالهم ثقافة مؤسسية للفساد تنخر في طول البلاد وعرضها.
عجزنا عن القبض على هذا الكائن لأن كل ما لدينا من أنظمة للرقابة والمحاسبة مصممة بشكل يجعلها عاجزة عن الوصول إلى الرؤوس الكبيرة، لكنها تستأسد على كائنات الفساد المجهرية التي تقتات على ما تبقى من فتات موائد الكبار، وعندما قررنا إنشاء جهاز جديد مختص بمكافحة الفساد لم يفدنا كثيراً لأنه محدود الصلاحية ولا يستطيع الاقتراب من القطط السمان. أُهدرت ميزانيات ضخمة بمبالغ فلكية على مشاريع لا تكلف أقل القليل من تلك الأموال، بالإضافة إلى مشاريع وهمية أو مشوهة أو لم تغادر الأوراق، تسببت في ضحايا كثر لم ينصفهم أو ينصف الوطن أحد من المذنبين بحقهم. كنا ندعي مكافحة الفساد بأساليب ضد المنطق، لم نطبق مقولة الزعيم السنغافوري العظيم لي كوان يو بأن غسيل الفساد مثل غسيل الدرج يبدأ من الأعلى إلى الأسفل، بالكاد كنا نمسح الدرجة الأخيرة بينما بقية درجات السلم ملوثة، لهذا أصبح الفساد غولاً شرساً مخيفاً يصعب الاقتراب منه.
مساء السبت ٤ نوفمبر قرر ملك اسمه سلمان بن عبدالعزيز أن يضع نهاية حاسمة لمسلسل طويل وكريه، والحق أنه قد أطلق عددا من الإشارات منذ توليه الحكم تنبئ بعزمه على ذلك، وصرح بها ولي عهده في أكثر من مناسبة، ولكن مهما كان تفاؤل الناس فإنه لم يكن ليصل إلى ما حدث مساء السبت. كانت ليلة فارقة في التأريخ الوطني دشنها الأمر الملكي بإنشاء هيئة عليا لضبط الفساد والفاسدين، انطلقت فور إنشائها لتحاصر متهمين كباراً، دون استثناء لأحد بحكم مكانته الاعتبارية أو منصبه، وبأثر رجعي يلغي مبدأ «ما فات مات».
كانت ليلة كالحلم، أسست لثقة مطلقة بين الدولة والمواطن بخصوص قطع دابر الفساد بعد أن أوشك على بلوغ اليأس من استئصال مراكزه القوية، كما رسخت هذه الليلة مبدأ المساواة أمام الأنظمة والقوانين، فلا فرق بين أمير ووزير وموظف مغمور. إنها بداية مشرقة لوطن سيشرق أكثر بمثل هذه القرارات الشجاعة.
habutalib@hotmail.com
عجزنا عن القبض على هذا الكائن لأن كل ما لدينا من أنظمة للرقابة والمحاسبة مصممة بشكل يجعلها عاجزة عن الوصول إلى الرؤوس الكبيرة، لكنها تستأسد على كائنات الفساد المجهرية التي تقتات على ما تبقى من فتات موائد الكبار، وعندما قررنا إنشاء جهاز جديد مختص بمكافحة الفساد لم يفدنا كثيراً لأنه محدود الصلاحية ولا يستطيع الاقتراب من القطط السمان. أُهدرت ميزانيات ضخمة بمبالغ فلكية على مشاريع لا تكلف أقل القليل من تلك الأموال، بالإضافة إلى مشاريع وهمية أو مشوهة أو لم تغادر الأوراق، تسببت في ضحايا كثر لم ينصفهم أو ينصف الوطن أحد من المذنبين بحقهم. كنا ندعي مكافحة الفساد بأساليب ضد المنطق، لم نطبق مقولة الزعيم السنغافوري العظيم لي كوان يو بأن غسيل الفساد مثل غسيل الدرج يبدأ من الأعلى إلى الأسفل، بالكاد كنا نمسح الدرجة الأخيرة بينما بقية درجات السلم ملوثة، لهذا أصبح الفساد غولاً شرساً مخيفاً يصعب الاقتراب منه.
مساء السبت ٤ نوفمبر قرر ملك اسمه سلمان بن عبدالعزيز أن يضع نهاية حاسمة لمسلسل طويل وكريه، والحق أنه قد أطلق عددا من الإشارات منذ توليه الحكم تنبئ بعزمه على ذلك، وصرح بها ولي عهده في أكثر من مناسبة، ولكن مهما كان تفاؤل الناس فإنه لم يكن ليصل إلى ما حدث مساء السبت. كانت ليلة فارقة في التأريخ الوطني دشنها الأمر الملكي بإنشاء هيئة عليا لضبط الفساد والفاسدين، انطلقت فور إنشائها لتحاصر متهمين كباراً، دون استثناء لأحد بحكم مكانته الاعتبارية أو منصبه، وبأثر رجعي يلغي مبدأ «ما فات مات».
كانت ليلة كالحلم، أسست لثقة مطلقة بين الدولة والمواطن بخصوص قطع دابر الفساد بعد أن أوشك على بلوغ اليأس من استئصال مراكزه القوية، كما رسخت هذه الليلة مبدأ المساواة أمام الأنظمة والقوانين، فلا فرق بين أمير ووزير وموظف مغمور. إنها بداية مشرقة لوطن سيشرق أكثر بمثل هذه القرارات الشجاعة.
habutalib@hotmail.com