-A +A
حمود أبو طالب
يتصادف هطول المطر على جدة هذه المرة مع بدء مرحلة وطنية جديدة عنوانها البارز ليس مكافحة الفساد فحسب وإنما الحرب الضروس على الفساد، ولحسن الحظ أن أحد الملفات التي أعلن عنها في هذه الحرب ملف كارثة سيول جدة عام 2009 الذي حير العقول والأفهام بغموضه واستعصاء فك مغاليقه إلى الآن، فلا أحد مسؤول ولا أحد متسبب ولا أحد مدان، وكأن المتسببين في تهيئة حدوث الكارثة كائنات مجهولة هبطت من كوكب مجهول لتخطط وتنفذ مشاريع الطرق والأنفاق وتصريف المياه والسيول، ثم عادت إلى كوكبها فاستعصى على لجان التحقيق القبض عليها.

ومنذ ذلك التأريخ، كلما لاحت بشائر المطر على جدة حامت معها أرواح الضحايا تصرخ في كل الأرجاء، واضطربت أرواح الأحياء خوفاً من مواجهة نفس المصير، ولكن تتلاشى الصرخات في الفضاء، وتذوب التساؤلات في مستنقعات المطر، ويتكرر السيناريو المرعب في كل مرة جديدة، ويصبح الشعار: أي حزن وأي ذكرى أليمة يبعث المطر. ويوم أمس عادت الذكرى مع غرق جديد لمدينة جدة، وسريع جدا، فما إن هطلت السحائب الأولى حتى بدأت شرايينها في الانسداد لتتحول إلى مدينة غارقة مقفلة محاصرة.


ليكن أن كارثة 2009 كشفت الخلل الفادح والأخطاء الجسيمة، فماذا فعلنا لتصحيحها على مدى 9 سنوات واعتماد مليارات عديدة تكفي لتصحيح الأخطاء في أكبر مدن العالم؟. الجواب الأكيد الواضح ما كشفه المطر يوم أمس، وفحواه: لا شيء يذكر. تلميع القشور بينما الأحشاء ينخرها التعفن الكريه. وللتذكير فقد نشأ خلاف علني قبل سنتين مع إحدى زيارات المطر بين الأمانة ومصلحة المياه وجهات أخرى عندما اختنقت أنفاق جديدة بكمية بسيطة من مياه المطر، كل جهة تقذف المسؤولية على الأخرى دون خجل أو استشعار للمسؤولية أو خوف من حساب أو عقاب.

مخجل جداً ما يحدث في جدة، ولا يجب السكوت عليه بعد الآن أبداً. لذلك نوجه مطلبنا إلى قائد الحرب على الفساد سمو ولي العهد قائلين: لقد بشرتنا بإعادة فتح ملف كارثة سيول جدة، وليست معجزة تحديد المتسببين فيما آلت إليه هذه المدينة المنكوبة. نريد كشفهم وإعلان أسمائهم وإيقاع أشد العقوبات عليهم. وكذلك نريد معرفة لماذا لم يتم تصحيح هذا الوضع البائس منذ تلك الكارثة وأين ذهبت المليارات المرصودة لتصحيحه، والأهم نريد عملاً متقناً من الآن يضمن اختفاء ظاهرة غرق جدة مع كل موسم للمطر. إنه ليحزننا جداً يا سمو ولي العهد أن مدناً جديدة نشأت خلال سنوات قريبة وفي دول لا تملك أقل ما تملكه المملكة من إمكانات لكنها مستوفية لأحدث وأمتن البنى التحتية، بل إنه يحزننا جداً عندما يضطر المواطن أحيانا إلى مقارنة أوضاع البنية التحتية في ثاني أكبر مدن المملكة بمدينة في إحدى الدول الفقيرة التي تعيش على معوناتنا. مؤلم جدا عندما نصل إلى هذه الدرجة، وعندما يزداد منسوب اليأس في النفوس من إمكانية إصلاح هذه الأوضاع.

إنه نداء ورجاء وأمل أخير تحمله إليك جدة يا ولي العهد وقائد الحرب على الفساد، وعشمها فيكم كبير.

habutalib@hotmail.com