-A +A
إبراهيم إسماعيل كتبي
الفوبيا أو الخوف يحدث عادة من هواجس أو تجارب سيئة مؤذية رغما عن الإنسان ويتحسب لوقوعها، وحكاية سكان جدة مع المطر دخلت هذه الحالة منذ كارثة السيول الأليمة قبل نحو ثماني سنوات ومرارة تفاصيلها وحجم ضحاياها، وإن كانت مسبباتها الأخطر في السيول المنقولة من الشرق إلى الغرب حتى البحر ليس من خلال شبكات تصريف، لأنها لم تكن موجودة أصلا، إنما عبر الشوارع التي تحولت حينها إلى قنوات وبحيرات في كل اتجاه. وهنا لا نريد أن نستدعي آلاما لاتزال مشاهدها ماثلة، والحمد لله أن تم إنجاز مشاريع الحماية من السيول بشرق جدة.

أمطار (الثلاثاء) الماضي أعادت شيئا من تلك المشاهد لكن في نطاق الشوارع والطرق الرئيسية التي تحولت خلال ساعات إلى وديان جارية وأصيبت بالشلل المروري وتعطلت الحركة والناس، ومن سلكها مضطرا فقد غامر ومنهم من عبر ومنهم من حوصر بسيارته.


مشكلة جدة مزمنة في غياب بنيتها الأساسية بافتقادها لمشروعين حضاريين لا تستقيم الحياة دونهما في أي مدينة متحضرة، وهما شبكة الصرف الصحي والثانية شبكة تصريف مياه الأمطار، ولطالما ظلت مشاهد «وايتات» الصرف الصحي تجوب شوارع جدة لعقود زمنية عديدة، باعتبار أنها مسؤولية كل عقار، وما أكثر الحفريات لمشاريع خطوط المياه والكهرباء والهاتف، إلا من خطوط التصريف للأمطار، وفي كل أزمة تتشابك المسؤولية بين أكثر من جهة تتبادل الاتهامات، حتى في حوادث مأساوية بسقوط أطفال في فتحات الشوارع، هكذا بين إهمال وفساد يحتاج إلى غرق ملفاتهما.

كارثة سيول 2009 أعيد فتح ملفاتها واستدعاء متهمين أو ذوي علاقة ليحسم القضاء مجددا الأسباب والمتسببين، فقد صرفت الدولة المليارات لعلاج مشكلة جدة مع الأمطار وما تسببه من مخاطر وخسائر ومعاناة ومظاهر غير حضارية مؤذية ومخزية لايصح استمرارها وتطرح تساؤلات حائرة، فرغم تلك الأموال والسنوات فضحت الأمطار الأخيرة عمق الأزمة بأن شوارع جدة لا تزال رهينة ساعات مطر، رغم أن الإمكانات ممكنة وتتوفر الدراسات والمتخصصون، وهنا يكمن السؤال عن عدم إنجاز أو اكتمال شبكة تصريف مياه الأمطار.

للأسف من يتابع تصريحات المسؤولين في الأمانات وبلدياتها الفرعية هذه الأيام، يقرأ عناوين عريضة على صفحات الصحف وشبكات التواصل عن الجاهزية الكاملة لكل أمانة، وبالأرقام عن عدد الأفراد وآليات شفط ونقل مياه الأمطار وخطط للأنفاق والشوارع، ومواطير ضخمة على رأس كل نفق يتوق شوقا للمطر، لكن مع ساعة الجد لا تجد إلا غيابا وارتباكات ولا أثر لتصريحات المسؤولين وخططهم.

حكاية جدة مع المطر لم تعد مجرد فوبيا، إنما جلطات مزمنة في قلب شوارعها إن كان لها قلب يتسع لشبكة تصريف مياه ترحم السكان والحياة وتلك هي الأزمة الحقيقية التي لا نفهم معها أسباب غياب أو تأخر إنجاز المشاريع المطلوبة.

كان يحلو لسكان جدة تسميتها بالعروس وتغنى بها الشعراء وغنى لها أهلها والزائرون بالأحلام، فكيف بهذه المدينة بأهميتها وحيويتها ومكانتها أن تستمر معاناتها مع المطر. إعادة فتح ملفات السيول السابقة هي محاكمة لإهمال أو فساد مضى ولا تزال جدة تدفع فاتورته الباهظة، ويبقى الحل في مواجهة هذا الخلل وسرعة إنجاز المشاريع المطلوبة وإغلاق هذا الملف وفق منظومة متكاملة وليس كل طرف يغني على ليلاه بعقود مليونية وتصريحات هلامية تطير معها الأموال وتبقى المشكلة والفوبيا بدلا من الفرح بالمطر. آنستكم الرحمة.