-A +A
سعاد عزيز
منذ رحيل مؤسس نظام ولاية الفقيه آية الله الخميني، والذي کان يمسك بيد من حديد بزمام الأمور، لا يرأف بخصومه حتى وإن کانوا من أقرب المقربين إليه، فإن إيران قد دخلت في سلسلة طويلة من المشاکل والأزمات الطاحنة، التي باتت تعصف بقوة بنظام ولاية الفقيه وتهدد بانهيار مرتکزاته التي يقوم عليها، ولا ريب من أن المساعي الجارية في طهران من جانب تيار الرئيس روحاني لإنقاذ النظام ومنحه جرعة أو جرعات منشطة، لم تعد تجدي نفعا، فالسيف قد سبق العذل!

الوفاة المفاجئة لرفسنجاني، الذي کان عراب إيجاد الحلول المناسبة لإخراج النظام من الأزمات المستعصية ونقله إلى بر الأمان، ترکت آثارا قوية على المشهد الإيراني، ونظام ولاية الفقيه اليوم أحوج ما يكون إلى رفسنجاني لإنقاذه من محنته، فروحاني لا يمتلك المؤهلات والمواصفات التي يمتلكها الأول، ونفس الأمر يسري على المرشد الأعلى الحالي خامنئي، فهو وبشهادة المختصين بالشأن الإيراني، لا يمتلك کاريزما الخميني، رغم أنه لا يقل قسوة عنه، لكن الذي يجب أن نلاحظه بدقة ونأخذه بنظر الاعتبار، إن الخميني وحتى رحيله لم يکن هناك من يجرؤ على المس به وبمنصبه، غير أن الأمر قد اختلف تماما مع خامنئي، ذلك إن شعارات الموت له ولنظام ولاية الفقيه وحرق وتمزيق صوره، کما جرى في انتفاضة عام 2009، قد کانت بمثابة شهادة من الواقع على أن منصب الولي الفقيه وحتى الولي الفقيه نفسه لم يعد مقدسا.


إيران التي تعج بالاحتجاجات الشعبية في سائر أرجائها بسبب الأوضاع الاقتصادية المتردية، تتعرض لموجة جديدة من العقوبات المؤثرة التي ما طفقت تطال الحرس الثوري بحد ذاته، والذي هو أساس وعماد المحافظة على النظام ويده الضاربة ضد الخارجين عليه، هذه الموجة يرافقها ارتفاع حالة السخط والغضب العربي على التدخلات الإيرانية في المنطقة، والتي صارت سببا رئيسيا من حيث التأثير السلبي ليس على الأمن والاستقرار فقط، وإنما حتى على الأمن القومي العربي برمته، وإن اجتماع وزراء الخارجية العرب في القاهرة لبحث ذلك تحديدا، يعطي انطباعا عن أن العرب لم يعودوا يرضون بهذا التطاول ويريدون أن يضعوا له حدا، خصوصا بعد أن بدأ الشارع الشعبي العربي نفسه يرفع صوته عاليا ضد الدور الإيراني ويطالب بإنهائه.

في ظل کل ما قد سردنا ذکره، تشهد الساحة الإيرانية تطورات ومستجدات أخرى تسير معظمها باتجاه التقويض من سلطة وجبروت النظام وتعمل بصورة أو بأخرى على تضييق الخناق عليه، ولعل تصاعد واحتدام الصراع بين أجنحة النظام المختلفة والتي لم يعد بالإمکان التستر عليها أو تجاهلها بعد أن تجاوزت الحدود المألوفة، فاتهامات التخوين والسرقة والنهب والفساد التي صارت مفردات ومصطلحات مستخدمة في هذا الصراع، يضاف إليها اليوم استخدام عامل القوة، کما جرى مع الهجوم الذي قام به مجموعة تسمى «ثأر الله»، وهي من جماعات الضغط الإيرانية المتشددة المحسوبة على جناح خامنئي، يوم السبت 18 نوفمبر الجاري ضد مسؤولي حکومة الرئيس الإيراني السابق أحمدي نجاد، الذين کانوا معتکفين في مزار ديني يسمى «شاه عبدالعظيم»، وانهالوا عليهم بالضرب، علما بأن طقس الاعتصام في المزارات الدينية يعود إلى العهد القاجاري (1779 - 1925)، حيث کان يلجأ المنتقدون الهاربون من الحکومة القاجارية إليها خوفا من البطش بهم، ولم تکن السلطات وقتئذ تهاجم المزارات الدينية کما فعلت هذه المجموعة اليوم في ظل حکم نظام ولاية الفقيه.

وکمسك ختام لما يعانيه ويواجهه النظام القائم في طهران من عواصف قوية تهب عليه من کل جانب، فإن هناك أيضا مجزرة صيف عام 1988، التي تم خلالها وبموجب فتوى غريبة من نوعها من جانب الخميني تنفيذ حکم الإعدام بالآلاف من السجناء السياسيين لمجرد کونهم أعضاء أو أنصارا في منظمة مجاهدي خلق، فهذه المجزرة کما يبدو قد وصلت أخيرا وبعد جهود حثيثة من جانب زعيمة المعارضة الإيرانية مريم رجوي، إلى أدراج الأمم المتحدة، ومن المحتمل أن يتم إصدار قرار إدانة ضد إيران في اجتماع ديسمبر القادم للجمعية العامة للأمم المتحدة، ويدعو أيضا إلى تشکيل لجنة دولية مستقلة للتحقيق فيها، وکما نرى أکثر من عاصفة تعصف بمرکب متهالك في وسط يم عات، فهل سينجو المرکب الإيراني هذه المرة؟!

* كاتبة جزائرية