مرت صناعة السينما، منذ نشأتها وحتى الآن، بمراحل عديدة اختلفت باختلاف نظرة المجتمعات للهدف الأساسي من وجودها، فقد هدفت لفترة من الوقت لتوثيق بعض الأحداث وحفظها في ذاكرة التاريخ، غير أنها تغيرت تدريجياً وأصبحت تتجه لإنتاج أعمال درامية سواء كانت تلك الأعمال هادفة أو ترفيهية بحتة، وقد اكتسبت السينما أهمية خاصة في أوقات تاريخية سابقة لم تكن قد وصلت إليها بعد ثورة الاتصالات الحديثة، كما أدى استخدام تقنيات السينما - رغم بدائيتها بمقاييس عصرنا الحالي - إلى إبهار الكثيرين، مما ساهم في تسريع وتيرة تطورها، وأصبحت السينما بالفعل صناعة وليست مجرد نتاج لجهود مجموعة من الهواة والمحبين لفن السينما، سواء على المستوى التقني أو على مستوى المحتوى أو المضمون.
بعد انتشار الفنون السينمائية على مستوى العالم أجمع وأيضاً على مستوى العالم العربي، ظهرت بالفعل الكثير من الأفلام الهابطة وخاصة خلال حقبة الستينات والسبعينات، وذلك بسبب اعتبارها من وجهة نظر الكثير من المنتجين أداة لتحقيق الربح السريع، إلا أن الأمر الفارق هنا هو أن السينما ما هي إلا مجرد أداة؛ قد يتم استخدامها لترويج الأفكار الهدامة، غير أنه من الممكن أيضاً استخدامها كأداة توعية أو وسيلة لنشر الأفكار الهادفة، ومما يدل على ذلك أنه ظهر وخلال نفس الفترة المشار إليها اتجاه آخر معاكس يهدف إلى استغلال هذه الصناعة والاستفادة من شعبيتها الواسعة وقوة تأثيرها في الشعوب في إنتاج أفلام إسلامية هادفة لنشر مبادئ الدين الإسلامي الصحيح، وتعريف غير المسلمين بالحضارة الإسلامية والتاريخ الإسلامي.
أذكر بشكل شخصي في فترة السبعينات أنني شاهدت فيلم «الرسالة» التاريخي ولأول مرة في إحدى دور العرض بلندن، وكان الفيلم يوثق كيفية انتشار الإسلام في أرجاء المعمورة، وقد راعى القائمون على إنتاج الفيلم - وأبرزهم المخرج العالمي مصطفى العقاد - عدم المساس بالمحاذير الإسلامية، وأهمها عدم تجسيد شخصية الرسول الكريم، وقد كان هذا الفيلم أحد الأسباب المهمة في انتشار الدين الإسلامي، وأحد العوامل المؤثرة في تعريف المجتمعات البعيدة بحقيقة الدين الإسلامي وبمبادئه وشريعته الغراء، والتي تخالف بالفعل الكثير من الدعاوى المناوئة له والساعية لتشويهه عن عمد.
السينما إذن هي مجرد وسيلة أو أداة بحد ذاتها، من المؤكد أن لها نواحي إيجابية، مثلما لها نواح سلبية أيضاً، ولهذا لا ينبغي أن يطغى الجانب السلبي على الجانب الإيجابي في نظرتنا لها، ومن الممكن أن تكون السينما أداة مهمة لحفظ تاريخ الشخصيات المهمة، كما يمكن أن تكون وسيلة لتأصيل حياة وتاريخ بعض الشعوب، كما أنها وسيلة لنشر الأفكار أو دحضها على حد سواء، وبالتالي فالأفلام الوثائقية أو التاريخية أو الهادفة هي إحدى وسائل التأثير الناعمة المهمة في تغيير الوعي والتاريخ معاً، وذلك منذ نشوئها وحتى لحظتنا الراهنة.
وبخلاف ذلك هناك نقطة جديرة بالطرح في هذا السياق، فبعد انتشار الأقمار الصناعية وبعد اكتساح نتائج ثورة الاتصالات الحديثة، غدت كافة منتجات السينما سواء كانت عالمية أو إقليمية متاحة للجميع، داخل منازلهم، وقد غدا بإمكانهم مشاهدتها وقتما يحلو لهم بغاية اليسر والسهولة، ولذلك أصبح دور العرض مجرد أداة ترفيهية لتغيير مناخ المشاهدة من المشاهدة في المنزل إلى الخروج والتنزه ومشاهدتها داخل دور عرض مريحة وكبيرة ومزودة بالكثير من وسائل الترفيه، غير أن المحتوى السينمائي ذاته متاح ومتوفر للجميع وبجودة تقنية عالية أيضاً.
بصفة شخصية لا أعتقد أن السينما وافتتاح دور العرض وانتشارها سبب في ما قد يعتبره البعض نوعاً من نشر الانحلال؛ فهذه النظرة قاصرة من جوانب عديدة وتصر على اختزال المشهد المكتمل في زاوية واحدة وحيدة، وهذه النظرة المختزلة التي لا ترى سوى نصف الكوب الفارغ تحرمنا الكثير من المزايا التي من الممكن أن نحصل عليها إن نظرنا لفن السينما نظرة شاملة، وإن اعتبرناه وسيلة في أيدينا تمكننا من تغير الوعي والواقع والمستقبل أيضاً، فالسلاح الفكري الحقيقي لا يكمن في المنع والرفض والتعنت، ولكنه يكمن في تغيير الوعي والإدراك لدى كافة طبقات وشرائح المجتمع، فالإدراك الواعي هو حائط الصد الحقيقي ضد طوفان الإنتاج الغث الذي تعج به الفضائيات الهابطة والمنصات الإلكترونية ووسائل التواصل الاجتماعي على اختلافها، وهو وسيلة الحماية الحقيقية والمؤثرة والفاعلة لديننا وشريعتنا وعاداتنا وتقاليدنا.
mohammed@dr-mufti.com
بعد انتشار الفنون السينمائية على مستوى العالم أجمع وأيضاً على مستوى العالم العربي، ظهرت بالفعل الكثير من الأفلام الهابطة وخاصة خلال حقبة الستينات والسبعينات، وذلك بسبب اعتبارها من وجهة نظر الكثير من المنتجين أداة لتحقيق الربح السريع، إلا أن الأمر الفارق هنا هو أن السينما ما هي إلا مجرد أداة؛ قد يتم استخدامها لترويج الأفكار الهدامة، غير أنه من الممكن أيضاً استخدامها كأداة توعية أو وسيلة لنشر الأفكار الهادفة، ومما يدل على ذلك أنه ظهر وخلال نفس الفترة المشار إليها اتجاه آخر معاكس يهدف إلى استغلال هذه الصناعة والاستفادة من شعبيتها الواسعة وقوة تأثيرها في الشعوب في إنتاج أفلام إسلامية هادفة لنشر مبادئ الدين الإسلامي الصحيح، وتعريف غير المسلمين بالحضارة الإسلامية والتاريخ الإسلامي.
أذكر بشكل شخصي في فترة السبعينات أنني شاهدت فيلم «الرسالة» التاريخي ولأول مرة في إحدى دور العرض بلندن، وكان الفيلم يوثق كيفية انتشار الإسلام في أرجاء المعمورة، وقد راعى القائمون على إنتاج الفيلم - وأبرزهم المخرج العالمي مصطفى العقاد - عدم المساس بالمحاذير الإسلامية، وأهمها عدم تجسيد شخصية الرسول الكريم، وقد كان هذا الفيلم أحد الأسباب المهمة في انتشار الدين الإسلامي، وأحد العوامل المؤثرة في تعريف المجتمعات البعيدة بحقيقة الدين الإسلامي وبمبادئه وشريعته الغراء، والتي تخالف بالفعل الكثير من الدعاوى المناوئة له والساعية لتشويهه عن عمد.
السينما إذن هي مجرد وسيلة أو أداة بحد ذاتها، من المؤكد أن لها نواحي إيجابية، مثلما لها نواح سلبية أيضاً، ولهذا لا ينبغي أن يطغى الجانب السلبي على الجانب الإيجابي في نظرتنا لها، ومن الممكن أن تكون السينما أداة مهمة لحفظ تاريخ الشخصيات المهمة، كما يمكن أن تكون وسيلة لتأصيل حياة وتاريخ بعض الشعوب، كما أنها وسيلة لنشر الأفكار أو دحضها على حد سواء، وبالتالي فالأفلام الوثائقية أو التاريخية أو الهادفة هي إحدى وسائل التأثير الناعمة المهمة في تغيير الوعي والتاريخ معاً، وذلك منذ نشوئها وحتى لحظتنا الراهنة.
وبخلاف ذلك هناك نقطة جديرة بالطرح في هذا السياق، فبعد انتشار الأقمار الصناعية وبعد اكتساح نتائج ثورة الاتصالات الحديثة، غدت كافة منتجات السينما سواء كانت عالمية أو إقليمية متاحة للجميع، داخل منازلهم، وقد غدا بإمكانهم مشاهدتها وقتما يحلو لهم بغاية اليسر والسهولة، ولذلك أصبح دور العرض مجرد أداة ترفيهية لتغيير مناخ المشاهدة من المشاهدة في المنزل إلى الخروج والتنزه ومشاهدتها داخل دور عرض مريحة وكبيرة ومزودة بالكثير من وسائل الترفيه، غير أن المحتوى السينمائي ذاته متاح ومتوفر للجميع وبجودة تقنية عالية أيضاً.
بصفة شخصية لا أعتقد أن السينما وافتتاح دور العرض وانتشارها سبب في ما قد يعتبره البعض نوعاً من نشر الانحلال؛ فهذه النظرة قاصرة من جوانب عديدة وتصر على اختزال المشهد المكتمل في زاوية واحدة وحيدة، وهذه النظرة المختزلة التي لا ترى سوى نصف الكوب الفارغ تحرمنا الكثير من المزايا التي من الممكن أن نحصل عليها إن نظرنا لفن السينما نظرة شاملة، وإن اعتبرناه وسيلة في أيدينا تمكننا من تغير الوعي والواقع والمستقبل أيضاً، فالسلاح الفكري الحقيقي لا يكمن في المنع والرفض والتعنت، ولكنه يكمن في تغيير الوعي والإدراك لدى كافة طبقات وشرائح المجتمع، فالإدراك الواعي هو حائط الصد الحقيقي ضد طوفان الإنتاج الغث الذي تعج به الفضائيات الهابطة والمنصات الإلكترونية ووسائل التواصل الاجتماعي على اختلافها، وهو وسيلة الحماية الحقيقية والمؤثرة والفاعلة لديننا وشريعتنا وعاداتنا وتقاليدنا.
mohammed@dr-mufti.com