يقول النابغة الذبياني «نفس عصام سودت عصاما وعلمته الكر والإقداما» إن هذا البيت يعكس فلسفة الهوية ونظرة الإنسان لذاته، ويقول عالم الاجتماع بيتر بيرك «كل البشر يشتقون هوياتهم الاجتماعية من خلال أدوارهم في المجتمع والجماعات المؤثرة بهم وهوياتهم الشخصية»، ويمكن صياغة معنى الهوية بسؤال «ما معنى أن تكون أنت هو أنت؟»، ببساطة كل إنسان لديه ثلاث هويات أساسية؛ الهوية الذاتية والهوية المجتمعية والهوية المهنية، وتأتي بعدها هويات متعددة حسب ما نمارسه في حياتنا الاجتماعية من أدوار، فالهوية هي ما نعرف به أنفسنا للآخرين كأفراد وبالتالي كجماعات ثم كمجتمع ثم كدولة حتى نصل للهوية العالمية والتي أساسها أن تكون «إنسان» وتمارس إنسانيتك بعفوية.
في مؤتمر اليونسكو التاسع والثلاثين والمنعقد في ٣٠/١٠/٢٠١٧-١٤/١١/٢٠١٧ تحدث معالي الوزير الدكتور أحمد العيسى بكلمة أهم ما ورد فيها حديثه حول «الهوية العالمية»، إذ أوضح بأن الوزارة تعمل على إصدار ميثاق لتعزيز الشخصية العالمية وميثاق خاص بالشخصية الوطنية يحدد ملامح الشخصية السعودية في القرن الواحد والعشرين، وهذا يعكس عمل الوزارة الجاد في التصدي للتيارات المتطرفة والتي ذوبت ملامح الهوية الوطنية وطمست مفهوم أن تكون «مواطنا سعوديا»، الخبر الجيد أن معاليه قد سبق وأصدر كتاباً عام ٢٠١٠ بعنوان «التعليم العالي في السعودية رحلة البحث عن هوية» طرح فيه العديد من الرؤى حول الهوية في التعليم وهذا يدفعنا لمضاعفة العمل على هذه المفاهيم.
ولنعد قليلاً لنرى كيف يتم معالجة موضوع الهوية الاجتماعية والمهنية في مجتمعنا ونسقنا الثقافي، إذ تلعب الهوية الدور الأخطر في حياتنا، فالجماعات التي ينشأ بها الفرد تجعله يكتسب قيمه ومعتقداته وعاداته ونظرته للعالم من حوله، لذلك تجد المؤسسات التعليمية حول العالم تعزز مفهوم المواطنة من خلال مشاركة وإعلان القيم التي تفترض أن يمارسها أفرادها.
ماذا يعني أن تكون مواطنا سعوديا؟ هذا ما ننتظر إجابته من وزارة التعليم لمعالجته تربويا بشكل مكثف من خلال هذه المواثيق التي أعلنت عنها، والسؤال هل ستعيد الوزارة ترتيب أوراقها في ما يخص الوثائق والمناهج والأدوات أم ستبقي على تركة من سبقوهم و التي جعلت من الحديث عن «الهوية السعودية» مغيبا، بل يندر أن تجد أبحاث تعالج مفاهيم الهوية المهنية والاجتماعية والعوامل المؤثرة بها.
وبالحديث عن الهوية المهنية فإن النظر في هذا المفهوم وحده كفيل بجعلك تستوعب جل مسببات مشكلاتنا، فيندر النظر للمسؤول «كشخص مهني» بل يتم تقديم المعارف والعلاقات في معظم مؤسساتنا المختلفة عند اختيار القادة في مختلف المستويات إلا ما ندر، بالتالي أصبح منصب «سعادة المسؤول» محل شبهة وتعجب! خاصة بين أوساط الشباب وهذا مؤشر غير صحي، قد يسطع نجم أحد المجتهدين نعم، لكن هذا لا يعني أن نتوقف عن إعادة النظر، فالهوية الوطنية التي تعي معنى الوطن وقيمة الأمن والأمان، قادرة على أن تكون هوية عالمية تندمج في العالم دون أن تخسر مكوناتها، وتعاد هيكلة الخطابات المجتمعية من خلال عمل وتكاتف الوزارات المختصة كالتعليم والإعلام وغيرها لرسم صورة ذهنية مبتكرة حول المواطن السعودي داخليا وخارجيا، فما نقوله لأنفسنا نصدقه «نحن نعتقد عن أنفسنا ما يعتقده عنا الآخرون» بشكل أو بآخر، وهذا الأمر واجب حقيقي إذا كنا فعلا نريد رسم هوية سعودية تخترق الآفاق بجدارة.
* أكاديمية في جامعة الملك سعود
Amaljuhani@ksu.edu.sa
في مؤتمر اليونسكو التاسع والثلاثين والمنعقد في ٣٠/١٠/٢٠١٧-١٤/١١/٢٠١٧ تحدث معالي الوزير الدكتور أحمد العيسى بكلمة أهم ما ورد فيها حديثه حول «الهوية العالمية»، إذ أوضح بأن الوزارة تعمل على إصدار ميثاق لتعزيز الشخصية العالمية وميثاق خاص بالشخصية الوطنية يحدد ملامح الشخصية السعودية في القرن الواحد والعشرين، وهذا يعكس عمل الوزارة الجاد في التصدي للتيارات المتطرفة والتي ذوبت ملامح الهوية الوطنية وطمست مفهوم أن تكون «مواطنا سعوديا»، الخبر الجيد أن معاليه قد سبق وأصدر كتاباً عام ٢٠١٠ بعنوان «التعليم العالي في السعودية رحلة البحث عن هوية» طرح فيه العديد من الرؤى حول الهوية في التعليم وهذا يدفعنا لمضاعفة العمل على هذه المفاهيم.
ولنعد قليلاً لنرى كيف يتم معالجة موضوع الهوية الاجتماعية والمهنية في مجتمعنا ونسقنا الثقافي، إذ تلعب الهوية الدور الأخطر في حياتنا، فالجماعات التي ينشأ بها الفرد تجعله يكتسب قيمه ومعتقداته وعاداته ونظرته للعالم من حوله، لذلك تجد المؤسسات التعليمية حول العالم تعزز مفهوم المواطنة من خلال مشاركة وإعلان القيم التي تفترض أن يمارسها أفرادها.
ماذا يعني أن تكون مواطنا سعوديا؟ هذا ما ننتظر إجابته من وزارة التعليم لمعالجته تربويا بشكل مكثف من خلال هذه المواثيق التي أعلنت عنها، والسؤال هل ستعيد الوزارة ترتيب أوراقها في ما يخص الوثائق والمناهج والأدوات أم ستبقي على تركة من سبقوهم و التي جعلت من الحديث عن «الهوية السعودية» مغيبا، بل يندر أن تجد أبحاث تعالج مفاهيم الهوية المهنية والاجتماعية والعوامل المؤثرة بها.
وبالحديث عن الهوية المهنية فإن النظر في هذا المفهوم وحده كفيل بجعلك تستوعب جل مسببات مشكلاتنا، فيندر النظر للمسؤول «كشخص مهني» بل يتم تقديم المعارف والعلاقات في معظم مؤسساتنا المختلفة عند اختيار القادة في مختلف المستويات إلا ما ندر، بالتالي أصبح منصب «سعادة المسؤول» محل شبهة وتعجب! خاصة بين أوساط الشباب وهذا مؤشر غير صحي، قد يسطع نجم أحد المجتهدين نعم، لكن هذا لا يعني أن نتوقف عن إعادة النظر، فالهوية الوطنية التي تعي معنى الوطن وقيمة الأمن والأمان، قادرة على أن تكون هوية عالمية تندمج في العالم دون أن تخسر مكوناتها، وتعاد هيكلة الخطابات المجتمعية من خلال عمل وتكاتف الوزارات المختصة كالتعليم والإعلام وغيرها لرسم صورة ذهنية مبتكرة حول المواطن السعودي داخليا وخارجيا، فما نقوله لأنفسنا نصدقه «نحن نعتقد عن أنفسنا ما يعتقده عنا الآخرون» بشكل أو بآخر، وهذا الأمر واجب حقيقي إذا كنا فعلا نريد رسم هوية سعودية تخترق الآفاق بجدارة.
* أكاديمية في جامعة الملك سعود
Amaljuhani@ksu.edu.sa