-A +A
فهد بن فؤاد الفارسي
الجيوسياسية (أو الجيوبوليتيك) مصطلح تقليدي ينطبق في المقام الأول على تأثير الجغرافيا على السياسة، فهـو علم دراسة تأثير الأرض (برها وبحرها ومرتفعاتها وجوفها وثرواتها وموقعها) على السـياسة في مقابل مسعى السياسة للاستفادة من هذه المميزات وفق منظور مستقبلي أضاف إلى الجيـوبوليتيك فرع الجيـو إستراتيجيا. ولكنه تطور ليستخدم على مدى القرن الماضي ليشمل دلالات أوسع، وهو يشير تقليديا إلى الروابط والعلاقات السببية بين السلطة السياسية والحيز الجغرافي، في شروط محددة. وغالبا ما ينظر على أنه مجموعة من معايير الفكر الإستراتيجي والصفات المحددة على أساس الأهمية النسبية للقوة البرية والقوة البحرية في تاريخ العالم. هذا التعبير مشتق من كلمتين؛ جيو وهي باليونانية تعني الأرض /‏‏ وكلمة السياسية أكاديميا، ودراسة الجغرافيا السياسية ينطوي على تحليل الجغرافيا والتاريخ والعلوم الاجتماعية مع سياسة المكان وأنماط بمقاييس مختلفة (بدءا من مستوى الدولة على الصعيد الدولي).

وتاريخياً كانت ولاتزال المتغيرات (الجيوبولتكس) تتم من خلال أطماع بعض الدول الكبرى أو نتيجة ثورات أو بعض الحروب العظمى، وهذا ما تم بعد الحرب العالمية الأولى والثانية من ظهور دول جديدة في مناطق عديدة من العالم.


وبمرور الوقت مع قيام الثورة الخمينية في إيران بدأت المتغيرات السياسية والجغرافية تحدث من خلال اعتناق المذهبية الدينية المتطرفة وبذا دخلت المنطقة مرحلة خطرة بالانتقال من الأيديولوجيات السياسية إلى المذهبية المتطرفة (التشيع الاثنا عشري الإيراني)، وفي ذلك الوقت كان هنالك نوع من الاستقرار السياسي بوجود تحالفات سياسية غير معلنة، وكان أبرزها وأقواها ما يمكن أن نطلق عليه الدرع العربي (الهلال السني)، بدءاً من باكستان ومروراً بتركيا وسورية (حافظ الأسد) ومصر التي لعبت دوراً جوهرياً في الحفاظ على الاستقرار السياسي في الشرق الأوسط.

ولكن مع بدء إيران بتطبيق مبدأ أساسي في دستورها وهو نشر المد الشيعي الاثنا عشري بدأت في التمدد وانتهاز الخلل في العديد من الدول لبسط سيطرتها عليها بدءا من الحرب الأهلية في لبنان ثم الأرضية الشيعية في سورية ومنها إلى عراق ما بعد صدام حسين مع انتشار سياسي وديني في بعض المناطق الآسيوية في دول مثل باكستان وغيرها ولكن بشكل أقل حِدّة من الدول السالفة الذكر. ولما قويت شوكة الحوثيين في اليمن الجار وانقلب هذا التشكيل الإرهابي واستولى على الحكم، تحركت المملكة بقيادة الملك سلمان حفظه الله وسمو ولي عهده الأمين الأمير محمد بن سلمان «وزير الدفاع» للوقوف تجاه هذا المد السرطاني الإيراني في اليمن، وكانت هذه بالفعل ضربة استباقية إستراتيجية لدحر المد الإيراني الاثنا عشري في المنطقة في محاولته (تبت أيديهم) لإكمال الكماشة المذهبية في المنطقة؛ حزب الله اللبناني، سورية «بشار الأسد»، المليشيات الشيعية في العراق ثم محاولة السيطرة على اليمن. وتجدر هنا الإشارة لحديث سمو سيدي ولي العهد الأمير محمد بن سلمان بن عبدالعزيز الذي قال بعمق سياسي وتاريخي بما حدث تجاه هتلر في سياسة الاسترضاء من قبل دول أوروبا عندما بدأ بغزو بعض دولها ثم قيام الحرب العالمية تباعاً لذلك وهذا أمر غير مقبول إطلاقاً من قبل سمو سيدي ولي العهد «وزير الدفاع» أعزه الله.

وكما قام أيده الله أيضاً بإنشاء تحالف إسلامي عربي عسكري مما ينم عن رؤية سياسية عميقة للوضع العالمي والإقليمي بُغية صد كل من تسول له نفسه بالتحرك تجاه القيم الإسلامية ودول ذلك التحالف لوضع حد لانتشار المد السرطاني الإيراني. ولا يمكن لأحد أن ينكر أن العالم أصبح يعيش مرحلة اهتزازات سياسية عنيفة هدفها السيطرة ونشر المذهبية، ويمكن الجزم بأن إيران «الخميني» هي أساس ما يحدث من اهتزازات في المنطقة العربية والإسلامية، التي ولا شك ستكون لها انعكاسات أيضاً على آسيا وأوروبا.

وعندما نتحدث عن المتغيرات لا يمكن أن نتجاهل إعلان أمريكا بأن القدس عاصمة لإسرائيل. ومن أن مثل هذه المواقف قد تؤدي إلى اهتزازات كبيرة في المنطقة كان من الممكن تفاديها باستمرار التفاوض وكما حدث من قبل في عهد الرئيس كارتر والرئيس كلينتون. لأن القدس هي منبت الديانات الثلاث الكبرى في العالم ولا يمكن لأي جهة أن تتجاهل ذلك. وكعادة المملكة فإن بيان الديوان الملكي حول القدس والذي صدر الأربعاء الماضي خير دليل على موقفها تجاه القضية الفلسطينية ومنذ عهد الملك المؤسس عبدالعزيز بن عبدالرحمن طيب الله ثراه عام 1940م مع الرئيس روزفلت وجهوده السياسية التي كادت أن تنهي الخلاف سياسياً ولكن وفاة روزفلت أدت لإفشال هذه المجهودات العظيمة من قِبل المؤسس.

fahad_alfarsy@icloud.com