-A +A
عبير الفوزان
عادة يكون الموال محفزا لكي يشنف السمّيع أذنيه للأغنية التي تليه، وبما أني هذه الأيام واقعة في الاستماع إلى أغنية (يا سيدي بدري)، فإن موال قصيدة قيس بن الملوح (لما تلاقينا على سفح رامة) هو المسيطر على المشهد السمعي!

لم تكن قصائد قيس بن الملوح من القصائد المميزة فنيا، فهو لم يحسب على شعراء العصر الأموي الذين يشار إليهم بالبنان كجرير والفرزدق، وبشار والأخطل.. بل صُنف كشاعر من الدرجة العاشرة، حسب ما أرى، فليس هو بشاعر بلاط يتبارى مع الشعراء، بل شاعر وحيد هائم في حب ليلى، يجوب الصحارى من صحراء نجد إلى الحجاز إلى الشام.


اللافت في القصيدة، التي أداها الفنان عبادي الجوهر كموال بروعة، وبأسلوب ساحر، جواب ليلى لقيس عن سؤاله لها: «فقلت خضبت الكف بعد فراقنا؟!» وفعل ليلى - حسب ما رأى قيس - يدل على وقوعها في غرام آخر، أو أنها ارتبطت برجل مما يحتم عليها أن تتزين وتخضب أطرافها بالحناء، كعادة نساء ذلك الزمن في التجمل.. لكن إجابة ليلى الفنتازية للهروب من الحقيقة هي اللافتة، حيث قالت بعد شهقة استنكارية، معاذ الله.. ولكن عندما رحلت بكت دما، حتى تبلل التراب، ومسحت دموعي بأطراف أصابعي، فالتصق الدم في الأصابع فصار مثل الحناء!

«قالت معاذ الله ذلك ما جرى

ولكني لما وجدتك راحلا

بكيت دما حتى بللت به الثرى

مسحت بأطراف البنان مدامعي

فصار خضابا في اليدين كما ترى».

ما قالته ليلى بعيد عن صفصفة القصيد هو بمثابة (طقطقة) في فضاء الاستغفال، تماما.. مثلما تريد أن تضحك وتطقطق على طفل فتعطيه إجابات عجيبة ومضحكة على أسئلته اللحوحة.

الحب من طرف واحد لا يشفع للمحب، ولا يمنحه العبقرية، فكم يكون مبتذلا وتافها عندما يصل إلى ما وصله قيس من حبه لامرأة لا تحبه، وإنما تطقطق عليه، وينسج بدوره من طقطقتها قصيدا يردد.. العجيب أن هناك من يقول (الله ما أجمل الصورة)!

abeeralfowzan@hotmail.com