-A +A
خلف الحربي
لم تجد الولايات المتحدة دولة معروفة ومعتبرة في كل هذا العالم الفسيح تقف إلى جوارها في التصويت الذي شهدته الجمعية العامة للأمم المتحدة، حيث لم يقف جوارها سوى عدد من الدول الصغيرة والمجهولة، أغلبها جزر في المحيط الهادئ كانت ولا تزال تعيش على المساعدات الأمريكية مثل «ميكرونزيا» و«نارو» و«بالاو»، في هزيمة دبلوماسية قاسية وساحقة لأمريكا وإسرائيل معا، بعد تفادي الهزيمة الدبلوماسية الساحقة الأولى في مجلس الأمن باستخدام الفيتو الأمريكي.

لقد كان قرار الرئيس الأمريكي بنقل سفارة بلاده إلى القدس خطوة دبلوماسية جائرة، وهذا يعيدنا لفكرة أن المعركة التي نشهدها اليوم حول القدس هي معركة دبلوماسية كبرى لن تنفعنا فيها أبدا كثرة المزايدات والجعجعة الصوتية، وما حدث في الجمعية العامة للأمم المتحدة هو نصر دبلوماسي هائل لقضية القدس، ولكن هذا النصر يمكن أن يتحول إلى حبر على ورق إذا ما تجاهلنا حقيقة أنه مجرد جولة أولى في المعركة الدبلوماسية الطويلة، فثبات دول العالم هذه على موقفها بخصوص القدس أمر يعتمد على العمل العربي الجاد، وعلينا أن نتذكر بأن إسرائيل حتى وقت قريب جدا كانت تعيش عزلة دولية رهيبة تشبه إلى حد بعيد عزلة النظام العنصري في جنوب أفريقيا، ولكن العرب تركوا الساحة الدبلوماسية لها وتفرغوا للصراخ وتبادل الاتهامات (كما يفعلون دائما) فنجحت في تكوين علاقات دبلوماسية مع أغلب دول العالم التي لم تكن تعترف بها على الإطلاق.


قرار الفلسطينيين اليوم رفض الوسيط الأمريكي في عملية السلام يأتي في سياق هذا الضغط الدبلوماسي، واستمرار التواصل مع دول العالم في الشرق والغرب لتأكيد الحق الفلسطيني المدعوم بقرارات الأمم المتحدة جزء من هذه المعركة الدبلوماسية، والقراءة الصحيحة لمواقف بعض الدول التي ترفض الاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل ولكنها في ذات الوقت لا تؤيد كونها عاصمة لفلسطين بل تميل إلى حلول مثل الوصاية الدولية على المدينة أو الإدارة المشتركة للمدينة المقدسة أمر مهم كي لا تختلط أوراقنا فنعجز عن تنظيم صفوفنا، وقطع الدول العربية والإسلامية التي تقيم علاقات مع إسرائيل لهذه العلاقات أو تخفيضها إلى أدنى مستوى من شأنه أن ينقل المعركة الدبلوماسية إلى مرحلة أخرى تماما.

باختصار نقول بأن وجود خطة عمل عربية مشتركة وواضحة لخوض هذه المعركة الدبلوماسية الدولية سوف يجبر الإدارة الأمريكية على التراجع عن قرارها أو تحويله إلى قرار عديم الأهمية، وفي الحالتين يتحقق النصر المنشود، أما الصراخ الأجوف فمن المستبعد أن يمنع دولة أجنبية بعيدة من أن تتخذ في المستقبل قرارا يشبه قرار ترمب، وهذا أمر وارد بقوة إذا ما غرقنا مرة أخرى بالعنتريات الفارغة بينما تنشغل إسرائيل بخوض المعركة الدبلوماسية بجدية وصمت.

klfhrbe@gmail.com