تحدثت في المقال السابق «أمر ملكي لمرحلة ما بعد النفط»، عن أهمية الخطوات التي اتخذتها الدولة لتحقيق التنمية المستدامة للمملكة، والتي تعتمد بصفة أساسية على إيجاد مصادر أخرى للدخل خلاف النفط، حتى تضمن الاستمرار في تقديم الخدمات الأساسية للمواطنين دون اللجوء إلى خطط تقشفية تؤدي في نهاية المطاف إلى الاقتراض وزيادة الدين العام للدولة، وما يترتب عليه من سلبيات على المدى الطويل. من المؤكد أن أي دولة ترغب في تحقيق الأمن المعيشي لمواطنيها بشكل مستمر، وهو الأمر الذي لن يتحقق إلا من خلال عدم الهدر في الموارد، وتقديم الدعم لمستحقيه فحسب.
قبل سنوات وعندما ارتفعت أسعار النفط ووصلت إلى أرقام فلكية، تزامن ذلك مع زيادة الإنفاق العام من خلال زيادة رواتب العاملين في الدولة، ودعم أسعار الوقود – من خلال تخفيض سعر بيعه للمواطن - وكذلك تقديم الدعم لعاطلين عن العمل – من خلال برنامج حافز - وغيرها من الخدمات، لكن الوجه الآخر السلبي لزيادة ذلك الإنفاق تمثل في ارتفاع أسعار السلع الاستهلاكية وغير الاستهلاكية – كالعقارات ومواد البناء - بشكل مبالغ فيه جداً، ذلك أن التاجر وصاحب العقار يريد أيضاً نصيبه من كعكة الرخاء، وليس له سبيل في ذلك إلا استنزاف جيوب المواطنين، وكانت النتيجة... ارتفاع أسعار السلع الاستهلاكية وأسعار العقارات ومواد البناء مما تسبب في زيادة حدة أزمة السكن إلى أن وصلت إلى ما هي عليه الآن.
قبل فترة قمت بزيارة لأحد أصدقائي – من محدودي الدخل - في مسكنه، وهو عقار مستأجر، وتفاجأت بأنه يقوم بدفع ما يقارب 40 ألف ريال كإيجار سنوي، مع أن عمر العقار يتجاوز الـ20 عاماً، وتساءلت وقتها عن سر ارتفاع سعر الإيجار خاصة إذا ما أخذنا في الاعتبار عدم تطبيق المملكة لما يسمى بضريبة البلدية Council Tax على العقارات السكنية كما هو الحال في الكثير من الدول، ومع يقيني التام بأن المالك استرد قيمة العقار مرات عديدة، وكانت الإجابة أن هذا سعر السوق، وأن من لا يرغب من المستأجرين يمكنه أن يبحث عن عقار آخر، ولهذا فإني لا أظن أن النتيجة التي توصلت إليها تحمل أي قدر من المبالغة؛ وهي أن جشع بعض التجار وملاك العقارات هو سبب الأزمة الحقيقية للمواطن. أذكر أنني قرأت ذات مرة أن حكومة إحدى الدول الأوروبية وخلال فترة الحرب العالمية الثانية لاحظت استغلال بعض ملاك العقار لظروف الحرب من خلال زيادة إيجار المساكن على مواطنيها، وهو ما دفع الدولة للتصرف بحزم، محذرة بأنها ستقوم بتأميم أي عقار يقوم ملاكه بمثل هذه التجاوزات.
تجدر الإشارة إلى أنه خلال فترة السبعينات من القرن المنصرم كانت هناك رقابة شديدة وأنظمة صارمة من حكومة المملكة على العقارات السكنية، حيث لم يكن ليستطيع المالك إخراج المستأجر من العقار طالما أنه يقوم بدفع قيمة الإيجار، ولم يكن باستطاعته أيضاً حتى زيادة قيمة الإيجار عليه، لكن نظام حرية العقار والذي صدر بعد ذلك تسبب في ارتفاع متزايد في الأسعار لا زلنا نعاني منها وحتى يومنا الحاضر، وكم أتمنى من المسؤولين بوزارة الإسكان القيام بدراسة مستفيضة لأنظمة العقار السكني للخروج بتوصيات تساعد الدولة في وضع التشريعات الكفيلة بمنع التجاوزات من قبل الملاك.
على الجانب الآخر.. أعتبر نفسي أحد رواد التسوق الإلكتروني، حيث أقوم بشراء الكثير من السلع من الخارج رغم توافرها هنا في السوق المحلي، وأذكر – على سبيل المثال - أنني قمت ذات مرة بشراء قرص صلب لحفظ البيانات من متجر أمازون، وقمت بدفع ضريبة القيمة المضافة -6% - في بلد الشراء وهي الولايات المتحدة، كما تحملت تكلفة شحنها من الولاية التي بها التاجر إلى الولاية التي بها عنوان بريد «واصل» بالولايات المتحدة، ثم تحملت تكلفة شحنها مرة أخرى من خلال بريد «واصل» من الولايات المتحدة إلى عنواني بمدينة جدة، ومع ذلك وجدت أن السعر النهائي لهذه السلعة مضافاً إليها جميع هذه التكاليف تعادل 75% من سعرها في السوق المحلي.
من المؤكد أن فرض الضريبة المضافة سيتبعه خطوات تصعيدية أخرى من قبل التجار؛ حيث سيحرص الكثير منهم على زيادة سعر بيع السلع والمنتجات بحجة ارتفاع أسعار المواد الخام، وارتفاع تكلفة العمالة بسبب زيادة الرسوم، وزيادة رسوم البلدية، إلخ، لذلك فإن المواطن البسيط سيجد نفسه بين طرفي الكماشة، الطرف الأول هو ارتفاع سعر السلعة والطرف الثاني هو ضريبة القيمة المضافة، والأولى أشد عبئاً عليه من الثانية.
لا شك لدينا أن الدعم الأخير الذي أمر به الملك سلمان والمتمثل في حساب المواطن وأيضاً بدلات الغلاء المعيشي، سيساهم في سداد جزء كبير من الفارق الذي سيتحمله المواطن جراء ارتفاع أسعار الوقود، وكنتيجة لفرض ضريبة القيمة المضافة على بعض السلع الاستهلاكية، ولكن.... هذا «فقط» في حال بقاء أسعار السلع والخدمات على حالها - وهو الأمر المستبعد -، ولذلك فإن هناك خطوات أخرى ينتظرها المواطن من الدولة لعلاج الأزمة المرتقبة، وهي خطوات من شأنها أن تسهم بشكل كبير في تخفيف العبء عنه، ومن أهم هذه الخطوات ضرورة مراقبة أسعار العقارات المؤجرة للمواطنين للتأكد من عدالة قيمتها، وتوحيد أسعار بعض السلع الاستهلاكية الأساسية في جميع منافذ البيع للتأكد من قيمتها العادلة، وعندما سيتحقق ذلك من المؤكد أن المواطن سيجد نفسه غير معني كثيراً بفرض ضريبة القيمة المضافة أو حتى فرض غيرها، طالما توفرت له أركان المعيشة الأساسية وتحققت أركان العدالة بين جميع المواطنين.
mohammed@dr-mufti.com
قبل سنوات وعندما ارتفعت أسعار النفط ووصلت إلى أرقام فلكية، تزامن ذلك مع زيادة الإنفاق العام من خلال زيادة رواتب العاملين في الدولة، ودعم أسعار الوقود – من خلال تخفيض سعر بيعه للمواطن - وكذلك تقديم الدعم لعاطلين عن العمل – من خلال برنامج حافز - وغيرها من الخدمات، لكن الوجه الآخر السلبي لزيادة ذلك الإنفاق تمثل في ارتفاع أسعار السلع الاستهلاكية وغير الاستهلاكية – كالعقارات ومواد البناء - بشكل مبالغ فيه جداً، ذلك أن التاجر وصاحب العقار يريد أيضاً نصيبه من كعكة الرخاء، وليس له سبيل في ذلك إلا استنزاف جيوب المواطنين، وكانت النتيجة... ارتفاع أسعار السلع الاستهلاكية وأسعار العقارات ومواد البناء مما تسبب في زيادة حدة أزمة السكن إلى أن وصلت إلى ما هي عليه الآن.
قبل فترة قمت بزيارة لأحد أصدقائي – من محدودي الدخل - في مسكنه، وهو عقار مستأجر، وتفاجأت بأنه يقوم بدفع ما يقارب 40 ألف ريال كإيجار سنوي، مع أن عمر العقار يتجاوز الـ20 عاماً، وتساءلت وقتها عن سر ارتفاع سعر الإيجار خاصة إذا ما أخذنا في الاعتبار عدم تطبيق المملكة لما يسمى بضريبة البلدية Council Tax على العقارات السكنية كما هو الحال في الكثير من الدول، ومع يقيني التام بأن المالك استرد قيمة العقار مرات عديدة، وكانت الإجابة أن هذا سعر السوق، وأن من لا يرغب من المستأجرين يمكنه أن يبحث عن عقار آخر، ولهذا فإني لا أظن أن النتيجة التي توصلت إليها تحمل أي قدر من المبالغة؛ وهي أن جشع بعض التجار وملاك العقارات هو سبب الأزمة الحقيقية للمواطن. أذكر أنني قرأت ذات مرة أن حكومة إحدى الدول الأوروبية وخلال فترة الحرب العالمية الثانية لاحظت استغلال بعض ملاك العقار لظروف الحرب من خلال زيادة إيجار المساكن على مواطنيها، وهو ما دفع الدولة للتصرف بحزم، محذرة بأنها ستقوم بتأميم أي عقار يقوم ملاكه بمثل هذه التجاوزات.
تجدر الإشارة إلى أنه خلال فترة السبعينات من القرن المنصرم كانت هناك رقابة شديدة وأنظمة صارمة من حكومة المملكة على العقارات السكنية، حيث لم يكن ليستطيع المالك إخراج المستأجر من العقار طالما أنه يقوم بدفع قيمة الإيجار، ولم يكن باستطاعته أيضاً حتى زيادة قيمة الإيجار عليه، لكن نظام حرية العقار والذي صدر بعد ذلك تسبب في ارتفاع متزايد في الأسعار لا زلنا نعاني منها وحتى يومنا الحاضر، وكم أتمنى من المسؤولين بوزارة الإسكان القيام بدراسة مستفيضة لأنظمة العقار السكني للخروج بتوصيات تساعد الدولة في وضع التشريعات الكفيلة بمنع التجاوزات من قبل الملاك.
على الجانب الآخر.. أعتبر نفسي أحد رواد التسوق الإلكتروني، حيث أقوم بشراء الكثير من السلع من الخارج رغم توافرها هنا في السوق المحلي، وأذكر – على سبيل المثال - أنني قمت ذات مرة بشراء قرص صلب لحفظ البيانات من متجر أمازون، وقمت بدفع ضريبة القيمة المضافة -6% - في بلد الشراء وهي الولايات المتحدة، كما تحملت تكلفة شحنها من الولاية التي بها التاجر إلى الولاية التي بها عنوان بريد «واصل» بالولايات المتحدة، ثم تحملت تكلفة شحنها مرة أخرى من خلال بريد «واصل» من الولايات المتحدة إلى عنواني بمدينة جدة، ومع ذلك وجدت أن السعر النهائي لهذه السلعة مضافاً إليها جميع هذه التكاليف تعادل 75% من سعرها في السوق المحلي.
من المؤكد أن فرض الضريبة المضافة سيتبعه خطوات تصعيدية أخرى من قبل التجار؛ حيث سيحرص الكثير منهم على زيادة سعر بيع السلع والمنتجات بحجة ارتفاع أسعار المواد الخام، وارتفاع تكلفة العمالة بسبب زيادة الرسوم، وزيادة رسوم البلدية، إلخ، لذلك فإن المواطن البسيط سيجد نفسه بين طرفي الكماشة، الطرف الأول هو ارتفاع سعر السلعة والطرف الثاني هو ضريبة القيمة المضافة، والأولى أشد عبئاً عليه من الثانية.
لا شك لدينا أن الدعم الأخير الذي أمر به الملك سلمان والمتمثل في حساب المواطن وأيضاً بدلات الغلاء المعيشي، سيساهم في سداد جزء كبير من الفارق الذي سيتحمله المواطن جراء ارتفاع أسعار الوقود، وكنتيجة لفرض ضريبة القيمة المضافة على بعض السلع الاستهلاكية، ولكن.... هذا «فقط» في حال بقاء أسعار السلع والخدمات على حالها - وهو الأمر المستبعد -، ولذلك فإن هناك خطوات أخرى ينتظرها المواطن من الدولة لعلاج الأزمة المرتقبة، وهي خطوات من شأنها أن تسهم بشكل كبير في تخفيف العبء عنه، ومن أهم هذه الخطوات ضرورة مراقبة أسعار العقارات المؤجرة للمواطنين للتأكد من عدالة قيمتها، وتوحيد أسعار بعض السلع الاستهلاكية الأساسية في جميع منافذ البيع للتأكد من قيمتها العادلة، وعندما سيتحقق ذلك من المؤكد أن المواطن سيجد نفسه غير معني كثيراً بفرض ضريبة القيمة المضافة أو حتى فرض غيرها، طالما توفرت له أركان المعيشة الأساسية وتحققت أركان العدالة بين جميع المواطنين.
mohammed@dr-mufti.com