-A +A
عبدالله صادق دحلان
الغرف التجارية الصناعية بالمملكة لها تاريخ عريق منذ إنشاء أول غرفة في العهد السعودي، والحقيقة يعود تاريخ وأمجاد الغرف التجارية الصناعية في المملكة إلى تاريخ الرجال من أصحاب الأعمال الذين قادوا بعضويتهم ورئاستهم هذه الغرف بمساعدة الجهاز التنفيذي للأمانة العامة لهذه الغرف.

ومن يقرأ تاريخ الغرف التجارية الصناعية يلحظ أن الرواد من رجال الأعمال، صناعيين وتجاراً أمثال الشيخ إسماعيل أبو داوود والشيخ محمد رضا والشيخ محمد العوضي والشيخ صالح كامل في غرفة جدة، والشيخ صالح جمال في غرفة مكة، والشيخ سليمان العليان والشيخ عبدالرحمن الجريسي في غرفة الرياض، والشيخ سعد المعجل وخالد الزامل في الشرقية، والشيخ عبدالعزيز ساب ويوسف ميمني في المدينة المنورة، والشيخ عبدالله أبو ملحة والمهندس عبدالله المبطي في أبها وغيرهم من رؤساء الغرف التجارية في الماضي كانوا أصحاب فكر ومبادئ يؤمنون بالخدمة العامة أولا، مجردين من مصالحهم الخاصة، ويحرصون على عدم خلط المصالح الخاصة بالعامة، وخصصوا جزءا كبيرا من أوقاتهم وأموالهم لخدمة المشتركين في الغرف، وركزوا على مصالح المؤسسات الصغيرة، وكان لهم مكانة خاصة عند ولاة الأمر يستمعون لهم ولاقتراحاتهم ويلبون طلباتهم ذات المنفعة العامة، وكانوا يثقون بآرائهم، وكانت علاقاتهم بالوزراء علاقات تنسيق مشترك لتحقيق مصالح عامة، مقدمين مصلحة الغرف الممثلة للمشتركين فيها من مؤسسات صغيرة أو شركات كبيرة، وإذا وقع خلاف بينهم وبين أحد الوزراء أحالوا الأمر إلى ولي الأمر للفصل في الرأي.


وحيث إنني أحد الشهود على عصر تطور الغرف منذ حوالى 40 عاما فإنني أدلي بشهادتي لأولئك الأوائل من أعضاء ورؤساء الغرف، رحم الله من مات منهم وأطال الله في عمر من هو على قيد الحياة، حافظوا على كرامة الغرف ومصالح مشتركيها وسخروا جميع الإمكانات لخدمة المشتركين من المؤسسات الصغيرة قبل الكبيرة وخدموا مجتمعاتهم بأمانة وإخلاص.

وحرص معظم الأعضاء والرؤساء القدامى أن لا يثقلوا كاهل المشتركين في الغرف، برفع تسعيرة الخدمات المقدمة وغير المقننة من الدولة بل كانوا بالإجماع يقفون سدا منيعا ضد أي توجه لزيادة الرسوم الخدمية.

أما اليوم فقد تغير العهد ومات الأوائل وتقاعد الأحياء منهم وأعقبهم بعض الأعضاء والرؤساء الجدد بمفاهيم غريبة وبفكر لا يفرق بين مصلحة المشتركين ومصلحتهم، فرفضوا تخفيض قيمة الاشتراكات والتصاديق للمؤسسات الصغيرة ورفعوا رسوم الخدمات الأخرى.

وتحول هدف العضوية عند البعض من خدمة عامة للاقتصاد المحلي أو خدمة الغرف لمشتركيها إلى فكر يعتبر عضوية الغرف منصة للصعود منها إلى وظائف قيادية في الدولة أو عضوية مؤسسات حكومية، وتسابقوا في عضوية الوفود المرافقة للزيارات الرسمية، والبعض الآخر وجه مسار بعض خدمات الغرف كمنبر لتنمية دخله عن طريق استقطاب الوكالات أو الفرص التجارية، أو تلميع موقعه في المدينة والمنطقة - وهو أمر ينطبق على البعض وليس الكل.

ومع تغير نظام الانتخابات في الغرف وتحويلها إلى انتخابات فردية، تصارع المشتركون على استقطاب المرشحين لأنفسهم فقط، وتكونت المجالس من نوعيات غير متجانسة في الفكر والثقافة والعلم والتوجه، وأصبح القرار في المجالس ولادته عسيرة مع اختلاف الآراء وظهرت التحديات وأصبح القرار للقوي المؤثر أو للأغلبية المؤثرة بصرف النظر عن الكفاءات، وتحولت بعض الغرف إلى مراكز جباية من المشتركين للاشتراك والتصديق والخدمات الأخرى وصرف جزء كبير على مشاريع أو خدمات غير ذات فائدة مباشرة على المشتركين.

ونظرا لغياب النص القانوني في نظام الغرف والذي يعطي الجمعية العمومية الصلاحية الكاملة في مراقبة قرارات مجالس الإدارات واعتماد أو رفض الميزانيات وإسقاط عضوية بعض الأعضاء، فإن مجالس الإدارات لا تعطي للجمعيات العمومية أهمية كبرى سوى الدعوة لانعقادها وإبلاغها بتقرير مجلس الإدارة وبأي نسبة حضور وهو أمر يحتاج إلى إعادة نظر من وزارة التجارة.

إن ما دفعني للكتابة هو إشادتي في مقالة سابقة بقرار الدولة مشكورة بإعادة الرسوم للمؤسسات الصغيرة من عام 2016م وإعطائها ثلاث سنوات من تاريخ إنشائها كمهلة لبناء هذه المؤسسات، وهو قرار تشكر عليه الدولة في رعاية المؤسسات الصغيرة في الوقت الذي تتجاهل فيه الغرف التجارية هذا القرار برفضها الاقتداء به وإعفاء المؤسسات الصغيرة من رسوم الاشتراكات والتصاديق لمدة ثلاث سنوات من تاريخ إنشائها، رغم أن أصوات المؤسسات الصغيرة هي التي ترجح بعض الأشخاص في انتخاباتها.

متمنيا على وزير التجارة أن يعيد النظر في نظام الغرف التجارية وأن يفرض تطبيق قرار الدولة في إعادة الرسوم للمؤسسات الصغيرة على الغرف التجارية، وهي الأولى بدعم المؤسسات الصغيرة من أي جهة أخرى.

* كاتب اقتصادي سعودي