وأخيراً أعلنت وزارة النقل عن قرب تنفيذ مشروع الجسر البري الذي سيربط البحر الأحمر بالخليج العربي في خط حديدي.
لما افتتحت سكة حديد الرياض - الدمام في ١٩٥١، قالت أم القرى «إن الملك بمناسبة افتتاح الخط الحديدي قد أبدى رغبته في استمرار العمل لإيصالها الى جدة». وفي أكتوبر ١٩٥٣ وضعت شركة الهندسة الدولية بسان فرانسيسكو تخطيطات هندسية ورسوما لسكة حديد الرياض - جدة، في مجلد ضخم، باللغتين العربية والإنجليزية.. لكن الوابور النجدي لم ينسكب هديره غرباً. ولعل المسافة والمواصلات بين الحجاز ونجد هي هاجس الدهر. وضع العرب القدامى المؤلفات والمعاجم والأرجوزات الشعرية في وصف الطريق ومسالكه ومنازله ومراحله وأعلامه.. يتسقطون الأخبار، ويتصيدون الأنباء.. تعبيراً عن حلمهم القديم لاستئناس الطريق وإخضاعه في ناموس مرن. كانت الرحلة من قلب نجد إلى مكة تستغرق من أقل من شهر إلى أكثر من سبعين يوماً، تكثر وتقل بحسب السير والمهل. والقرون الوسطى، هي عصر الحركة البطيئة، ترتحل فيها الأخبار، البضائع والسلع والبشر بسرعات ثابتة، وتكشف عن أنماط مستقرة. خرج المكيّون منذ عهد بركات إلى الشرق في مواسم للغزو أو الصيد أو التنزه، وقفل النجديون إلى مكة منذ عهد أجود بن زامل في «القفل العُقيلي» أو «حاج الشرق» في أتباع كثر من جماعة أهل الشرق والحسا، ينزلون خلف بستان ابن مزنة بأعلى مكة وإلى جهة سبيل جاني بك، يجلبون الخيل الأصائل واللؤلؤ والمعادن الفاخرة، مصاحبا للتصدق والبذل والتفريق على أصحاب الوظائف. وإلى الأزمنة المتأخرة، التي طوت عصور النبالة والفروسية والمغازي، في قوافل السمن التي يسيّرها مغامرون وتجّار عصاميون من البلدات النجدية تخترق النفوذ عبر الدروب السلطانية والموازية، تبيع السمن مضاعفاً في أسواق المدّعى وتعود منها بأثقال البُن والرقيق. سمتها جميعها السير في حذر، وتسلّك المسالك المراوغة، هرباً من مكدّرات المجاز ووعورة الطبيعة وأشقياء البدو. يقول فيرنان بروديل، إن المسافة هي العدو الأكبر لأي وحدة بشرية. أزاح الإمام عبدالعزيز أعند الخصوم لمّا وحّد أجزاء الجزيرة العربية، إلا المسافة بقيت عقبة تهدد مشروعه. شقّت أول رحلة رسمية ملكية في عام ١٩٢٤ الطريق بين الرياض ومكة في مائة وخمس وستين ساعة، أي ستة وعشرين يوما. كان زمناً قياسياً لمن يرتحل على ظهور الجمال والرواحل، يسيّرها في حل وترحال، يرقب الكلأ، ويتحرى آبار المياه في الصحراء القاحلة الطويلة، ويومها لم يكن في مفاوز القفار تلك هاتف ولا برق سلكي أو لا سلكي. لكن عبدالعزيز أدرك سرّ عبارة بروديل. في رحلة ربيع ١٩٢٦.. استعان بالسيارات، التي ابتاعها من الأهالي، وضمّها إلى أسطوله السلطاني الذي وصل إلى اثنتين وعشرين سيارة. انطلق في الأربعاء ٢٤ ربيع الثاني من مكة، ووصل الرياض يوم الاثنين ٢٩ ربيع الثاني. مختصراً المسافة إلى ستة أيام. كان يلخّص إرادة الذهنية المحلية إلى تقليص الزمن، وتوسيع المدى. وابُتعث صدّيق رئيس سوّاقي سيارات القصر الملكي إلى أوروبا لشراء سيارات مخصوصة أكثر ملاءمة لطبيعة الأرض. وفي مايو ١٩٣٠ استخدمت أجناس السيارات المجلوبة من أوروبا، ووصلت إلى ما يقارب ثلاثمائة سيارة، في الركب الملكي القادم من الرياض إلى مكة. ترافقه هيئة هندسية مخصصة للركب، وصناديق بنزين وزعت على محطات الطريق مسبقاً. ابتهجت الصحافة المحلية حينها بما أسمته «القافلة البخارية»- إنها المرة الأولى في تاريخ الجزيرة العربية التي تختصر المسافة فيها من شهر إلا قليلا إلى بضعة أيام. كانت مقدمة لانقلاب كبير سيمس حياة الجزيرة العربية، ويوقظ أحلامها المكبوتة، ويعيدها إلى مسرح الأحداث. وكم كان محرر أم القرى واعياً بذلك حينما علّق على الحدث العظيم «لقد كان طول المسافة ووعورة المسالك يحولان دون التعارف والتقارب بين أبنائها». وإذا كانت القرون الوسطى هي قرون الاحتياط والمهل والحذر، فإن القرن العشرين هو قرن طيّ المسافة واختصارها بين عاصمتي الإقليمين الرئيسيين اللذين كوّنا المملكة الحديثة. كانت تلك «سمته البنيوية» كما في لغة بروديل. في آخر العشرينات الميلادية توالت الدعوات للرواد لاكتشاف الطرق الجديدة الصالحة للسيارات عبر رمال الدهناء والنفود وريعان وعقبات الجبال. اكتشف سعود، أكبر أنجال جلالة الملك، في فبراير ١٩٢٩، أثناء خروجه للصيد والقنص في ضاحية الرمحية، أول طريق للسيارات يصل بين الرياض والأحساء، بمعاونة من الروّاد من رجال حاشيته مفرّج بن مبارك وبداح بن معيكل -وقد دوّنت صحيفة أم القرى خط سيّره بما يشبه الفتح، تحت عنوان: «اكتشاف طريق السيارات إلى الأحساء»، واعتبرته من «الحوادث المهمة في مستقبل قلب الجزيرة العمراني والاقتصادي»، وهو يستغرق خمس عشرة ساعة وخمسين دقيقة، بمقدار سير ثلاثين كيلا في الساعة. وصارت الرياض تأكل «الليمون الحلو» القادم من بساتين الحسا لأول مرة، إذ كان يتعذر عليه الوصول للرياض على ظهور الإبل. واكتشف عبدالوهاب حلواني، من أعيان الطائف، طرقاً للسيارات من الطائف إلى ليّة والهدى، افتتحها ومهدها للسيارات ووضع علامات عليها على نفقته الخاصة منذ ١٩٣٢. وقبلهم في ١٩٢٢ تبرع التاجر سليمان قابل بخمسمائة ريال مجيدي لمساعدة الأعمال الإنشائية الضخمة لتأييد ثنية طريق الحجون.
ودعا عبدالوهاب نائب الحرم عضو مجلس الشورى لجمع تبرعات لتعبيد طرق الطائف في سبتمبر ١٩٣٢. وشرعت الحكومة في ذات العام في إصلاح طرق الطائف الحيوية، التي تربط بين الحجاز ونجد. وفي ١٩٣٦ تأسست هيئة للطرق برئاسة عبدالوهاب قزاز، مهمتها الكشف عن الطرق الجديدة، وإعداد تقارير مفصّلة لإصلاحها، وكان باكورة الطرق المكتشفة هي طريق الرفصة من رابغ إلى بئر عروة بالقرب من المدينة المنورة. وفي ديسمبر ١٩٣٧ أمر جلالة الملك بإصلاح طريق بادية نجد وفي مقدمته الأجزاء الواقعة بين العاصمتين مكة -الرياض، وباشر المهندسون تشييد طريقين في المربع وآخر في جبل اليمامة اسمه أبوالقد، وهو طريق قديم مندرس كان قد أسسه المرحوم الإمام فيصل بن تركي من وادي ثمامة ومن أثال ومن أعلى نجد إلى الرياض.
وفي مايو ١٩٣٩ افتتحت الحكومة طريق الطائف الجديد، الذي يمر من السيل الكبير فالمدرج فريع المنحوت فالبيعة فالسيل الصغير فالطائف. ويختصر الطريق للسيارات من الطريق الأول بمسافة ساعة كاملة. وريع المنحوت المذكور كان أخطر ممرات طريق القوافل، وهو صعب المراس من أيام الجمّالة. وكانت مشاريع تعبيد الطرق انطلقت في ١٩٢٧، بداية بطريق مكة -جدة الذي باشرته الحكومة وعينت لجنة لمراقبة الأعمال مؤلفة من سليمان شفيق كمالي، وعبدالله جفالي، وثلاثة من المهندسين. وفي نفس العام صدرت تراخيص شركات السيارات الأهلية والمساهمة، ومن روّادها سليمان قابل، وعباس القطّان وفرج إسلام. وفي نوفمبر ١٩٣٠ طلب محمد صالح أبوزناده من الحكومة امتياز أول شركة لتسيير السيارات بين الحجاز ونجد، وأعلن في صحيفة أم القرى عن سبعين وظيفة لسائق. لكن الحكومة رخّصت فعلياً لأول خط تجاري بين الحجاز -نجد، في مايو ١٩٣٧، من نصيب الشيخ محمد الطويل وشركة «نجد» للسيارات. الذي عني بنقل الركّاب بالأجرة بين العاصمتين ونقل الحجّاج بين مكة وموانئ نجد والخليج؛ العقير والجبيل والكويت. وسعّرت الشركة النجدية أجر الراكب في «اللوري» بين الرياض إلى مكة ذهابا وإيابا بثلاثة جنيهات ذهباً، وفي السيارة الصغيرة «البوكس» بسبعة جنيهات ذهبا. وكانت وزارة المالية أطلقت أول خدمة رسمية لنقل الركاب بين المدينتين، منذ أكتوبر ١٩٣٤ في أول خط ترانس -وطني لنقل البريد بالسيارات من مكة إلى الرياض فالأحساء. وكان البريد بين مكة والرياض يرتحل مرة واحدة في كل خمسة عشر يوم.
وأول مخابرة لاسلكية جرت بين الرياض والطائف في ١٩ أغسطس ١٩٣١. واحتفى حينها مجلس شورى الحجاز برئاسة النائب الثاني محمد شرف رضا، بالمخابرة الأولى بين القطرين في برقية أرسلت إلى جلالة الملك.
وفي فبراير ١٩٣٣ اكتملت شبكة المواصلات اللاسلكية في أنحاء البلاد، لأول مرة في التاريخ، بمركز رئيسي في الرياض يربطها مع ٢٧ مركزا لاسلكيا آخر، و١٩ مركزا تلفونيا.
وفي الخميس ٢٤ مايو ١٩٣٣ جرت المكالمة التلفونية الأولى بين مكة والرياض، بين الأميرين سعود وفيصل، ودامت عشرين دقيقة. ومع أبريل ١٩٤١ اختصرت المسافة بالسيارات بين الرياض وضاحية الشرائع في مكة إلى يوم ونصف. ولم يأتِ فبراير ١٩٤٢ حتى أصدرت مطابع الحكومة أول كتاب لمسافات الطرق في المملكة. كان أشبه بخرائط جوجل في زمانه. من المطايا وعلى أكوار النياق إلى قطار الإكسبرس، ومن المغازي والخفارة والمغامرة إلى استئناس الجغرافيا وتطويع الدهر، ترقد قصة تحوّلاتنا.
mahsabbagh@
لما افتتحت سكة حديد الرياض - الدمام في ١٩٥١، قالت أم القرى «إن الملك بمناسبة افتتاح الخط الحديدي قد أبدى رغبته في استمرار العمل لإيصالها الى جدة». وفي أكتوبر ١٩٥٣ وضعت شركة الهندسة الدولية بسان فرانسيسكو تخطيطات هندسية ورسوما لسكة حديد الرياض - جدة، في مجلد ضخم، باللغتين العربية والإنجليزية.. لكن الوابور النجدي لم ينسكب هديره غرباً. ولعل المسافة والمواصلات بين الحجاز ونجد هي هاجس الدهر. وضع العرب القدامى المؤلفات والمعاجم والأرجوزات الشعرية في وصف الطريق ومسالكه ومنازله ومراحله وأعلامه.. يتسقطون الأخبار، ويتصيدون الأنباء.. تعبيراً عن حلمهم القديم لاستئناس الطريق وإخضاعه في ناموس مرن. كانت الرحلة من قلب نجد إلى مكة تستغرق من أقل من شهر إلى أكثر من سبعين يوماً، تكثر وتقل بحسب السير والمهل. والقرون الوسطى، هي عصر الحركة البطيئة، ترتحل فيها الأخبار، البضائع والسلع والبشر بسرعات ثابتة، وتكشف عن أنماط مستقرة. خرج المكيّون منذ عهد بركات إلى الشرق في مواسم للغزو أو الصيد أو التنزه، وقفل النجديون إلى مكة منذ عهد أجود بن زامل في «القفل العُقيلي» أو «حاج الشرق» في أتباع كثر من جماعة أهل الشرق والحسا، ينزلون خلف بستان ابن مزنة بأعلى مكة وإلى جهة سبيل جاني بك، يجلبون الخيل الأصائل واللؤلؤ والمعادن الفاخرة، مصاحبا للتصدق والبذل والتفريق على أصحاب الوظائف. وإلى الأزمنة المتأخرة، التي طوت عصور النبالة والفروسية والمغازي، في قوافل السمن التي يسيّرها مغامرون وتجّار عصاميون من البلدات النجدية تخترق النفوذ عبر الدروب السلطانية والموازية، تبيع السمن مضاعفاً في أسواق المدّعى وتعود منها بأثقال البُن والرقيق. سمتها جميعها السير في حذر، وتسلّك المسالك المراوغة، هرباً من مكدّرات المجاز ووعورة الطبيعة وأشقياء البدو. يقول فيرنان بروديل، إن المسافة هي العدو الأكبر لأي وحدة بشرية. أزاح الإمام عبدالعزيز أعند الخصوم لمّا وحّد أجزاء الجزيرة العربية، إلا المسافة بقيت عقبة تهدد مشروعه. شقّت أول رحلة رسمية ملكية في عام ١٩٢٤ الطريق بين الرياض ومكة في مائة وخمس وستين ساعة، أي ستة وعشرين يوما. كان زمناً قياسياً لمن يرتحل على ظهور الجمال والرواحل، يسيّرها في حل وترحال، يرقب الكلأ، ويتحرى آبار المياه في الصحراء القاحلة الطويلة، ويومها لم يكن في مفاوز القفار تلك هاتف ولا برق سلكي أو لا سلكي. لكن عبدالعزيز أدرك سرّ عبارة بروديل. في رحلة ربيع ١٩٢٦.. استعان بالسيارات، التي ابتاعها من الأهالي، وضمّها إلى أسطوله السلطاني الذي وصل إلى اثنتين وعشرين سيارة. انطلق في الأربعاء ٢٤ ربيع الثاني من مكة، ووصل الرياض يوم الاثنين ٢٩ ربيع الثاني. مختصراً المسافة إلى ستة أيام. كان يلخّص إرادة الذهنية المحلية إلى تقليص الزمن، وتوسيع المدى. وابُتعث صدّيق رئيس سوّاقي سيارات القصر الملكي إلى أوروبا لشراء سيارات مخصوصة أكثر ملاءمة لطبيعة الأرض. وفي مايو ١٩٣٠ استخدمت أجناس السيارات المجلوبة من أوروبا، ووصلت إلى ما يقارب ثلاثمائة سيارة، في الركب الملكي القادم من الرياض إلى مكة. ترافقه هيئة هندسية مخصصة للركب، وصناديق بنزين وزعت على محطات الطريق مسبقاً. ابتهجت الصحافة المحلية حينها بما أسمته «القافلة البخارية»- إنها المرة الأولى في تاريخ الجزيرة العربية التي تختصر المسافة فيها من شهر إلا قليلا إلى بضعة أيام. كانت مقدمة لانقلاب كبير سيمس حياة الجزيرة العربية، ويوقظ أحلامها المكبوتة، ويعيدها إلى مسرح الأحداث. وكم كان محرر أم القرى واعياً بذلك حينما علّق على الحدث العظيم «لقد كان طول المسافة ووعورة المسالك يحولان دون التعارف والتقارب بين أبنائها». وإذا كانت القرون الوسطى هي قرون الاحتياط والمهل والحذر، فإن القرن العشرين هو قرن طيّ المسافة واختصارها بين عاصمتي الإقليمين الرئيسيين اللذين كوّنا المملكة الحديثة. كانت تلك «سمته البنيوية» كما في لغة بروديل. في آخر العشرينات الميلادية توالت الدعوات للرواد لاكتشاف الطرق الجديدة الصالحة للسيارات عبر رمال الدهناء والنفود وريعان وعقبات الجبال. اكتشف سعود، أكبر أنجال جلالة الملك، في فبراير ١٩٢٩، أثناء خروجه للصيد والقنص في ضاحية الرمحية، أول طريق للسيارات يصل بين الرياض والأحساء، بمعاونة من الروّاد من رجال حاشيته مفرّج بن مبارك وبداح بن معيكل -وقد دوّنت صحيفة أم القرى خط سيّره بما يشبه الفتح، تحت عنوان: «اكتشاف طريق السيارات إلى الأحساء»، واعتبرته من «الحوادث المهمة في مستقبل قلب الجزيرة العمراني والاقتصادي»، وهو يستغرق خمس عشرة ساعة وخمسين دقيقة، بمقدار سير ثلاثين كيلا في الساعة. وصارت الرياض تأكل «الليمون الحلو» القادم من بساتين الحسا لأول مرة، إذ كان يتعذر عليه الوصول للرياض على ظهور الإبل. واكتشف عبدالوهاب حلواني، من أعيان الطائف، طرقاً للسيارات من الطائف إلى ليّة والهدى، افتتحها ومهدها للسيارات ووضع علامات عليها على نفقته الخاصة منذ ١٩٣٢. وقبلهم في ١٩٢٢ تبرع التاجر سليمان قابل بخمسمائة ريال مجيدي لمساعدة الأعمال الإنشائية الضخمة لتأييد ثنية طريق الحجون.
ودعا عبدالوهاب نائب الحرم عضو مجلس الشورى لجمع تبرعات لتعبيد طرق الطائف في سبتمبر ١٩٣٢. وشرعت الحكومة في ذات العام في إصلاح طرق الطائف الحيوية، التي تربط بين الحجاز ونجد. وفي ١٩٣٦ تأسست هيئة للطرق برئاسة عبدالوهاب قزاز، مهمتها الكشف عن الطرق الجديدة، وإعداد تقارير مفصّلة لإصلاحها، وكان باكورة الطرق المكتشفة هي طريق الرفصة من رابغ إلى بئر عروة بالقرب من المدينة المنورة. وفي ديسمبر ١٩٣٧ أمر جلالة الملك بإصلاح طريق بادية نجد وفي مقدمته الأجزاء الواقعة بين العاصمتين مكة -الرياض، وباشر المهندسون تشييد طريقين في المربع وآخر في جبل اليمامة اسمه أبوالقد، وهو طريق قديم مندرس كان قد أسسه المرحوم الإمام فيصل بن تركي من وادي ثمامة ومن أثال ومن أعلى نجد إلى الرياض.
وفي مايو ١٩٣٩ افتتحت الحكومة طريق الطائف الجديد، الذي يمر من السيل الكبير فالمدرج فريع المنحوت فالبيعة فالسيل الصغير فالطائف. ويختصر الطريق للسيارات من الطريق الأول بمسافة ساعة كاملة. وريع المنحوت المذكور كان أخطر ممرات طريق القوافل، وهو صعب المراس من أيام الجمّالة. وكانت مشاريع تعبيد الطرق انطلقت في ١٩٢٧، بداية بطريق مكة -جدة الذي باشرته الحكومة وعينت لجنة لمراقبة الأعمال مؤلفة من سليمان شفيق كمالي، وعبدالله جفالي، وثلاثة من المهندسين. وفي نفس العام صدرت تراخيص شركات السيارات الأهلية والمساهمة، ومن روّادها سليمان قابل، وعباس القطّان وفرج إسلام. وفي نوفمبر ١٩٣٠ طلب محمد صالح أبوزناده من الحكومة امتياز أول شركة لتسيير السيارات بين الحجاز ونجد، وأعلن في صحيفة أم القرى عن سبعين وظيفة لسائق. لكن الحكومة رخّصت فعلياً لأول خط تجاري بين الحجاز -نجد، في مايو ١٩٣٧، من نصيب الشيخ محمد الطويل وشركة «نجد» للسيارات. الذي عني بنقل الركّاب بالأجرة بين العاصمتين ونقل الحجّاج بين مكة وموانئ نجد والخليج؛ العقير والجبيل والكويت. وسعّرت الشركة النجدية أجر الراكب في «اللوري» بين الرياض إلى مكة ذهابا وإيابا بثلاثة جنيهات ذهباً، وفي السيارة الصغيرة «البوكس» بسبعة جنيهات ذهبا. وكانت وزارة المالية أطلقت أول خدمة رسمية لنقل الركاب بين المدينتين، منذ أكتوبر ١٩٣٤ في أول خط ترانس -وطني لنقل البريد بالسيارات من مكة إلى الرياض فالأحساء. وكان البريد بين مكة والرياض يرتحل مرة واحدة في كل خمسة عشر يوم.
وأول مخابرة لاسلكية جرت بين الرياض والطائف في ١٩ أغسطس ١٩٣١. واحتفى حينها مجلس شورى الحجاز برئاسة النائب الثاني محمد شرف رضا، بالمخابرة الأولى بين القطرين في برقية أرسلت إلى جلالة الملك.
وفي فبراير ١٩٣٣ اكتملت شبكة المواصلات اللاسلكية في أنحاء البلاد، لأول مرة في التاريخ، بمركز رئيسي في الرياض يربطها مع ٢٧ مركزا لاسلكيا آخر، و١٩ مركزا تلفونيا.
وفي الخميس ٢٤ مايو ١٩٣٣ جرت المكالمة التلفونية الأولى بين مكة والرياض، بين الأميرين سعود وفيصل، ودامت عشرين دقيقة. ومع أبريل ١٩٤١ اختصرت المسافة بالسيارات بين الرياض وضاحية الشرائع في مكة إلى يوم ونصف. ولم يأتِ فبراير ١٩٤٢ حتى أصدرت مطابع الحكومة أول كتاب لمسافات الطرق في المملكة. كان أشبه بخرائط جوجل في زمانه. من المطايا وعلى أكوار النياق إلى قطار الإكسبرس، ومن المغازي والخفارة والمغامرة إلى استئناس الجغرافيا وتطويع الدهر، ترقد قصة تحوّلاتنا.
mahsabbagh@