سبقني الأستاذ سلطان البازعي في الرد على سمية الغنوشي، في صحيفة الحياة بعنوان «ليبراليون خليجيون دون ليبرالية»، وجرأتها في استيلاد مصطلحات تجمع بين النقيضين والمتنافرين دون أدنى حرج، أو حتى تطوّع بالشرح والإبانة، على نحو ما أشار إليه أستاذنا البازعي لمصطلح «السلطوية الليبرالية»، غير أن الأمر بدا مستفحلاً عند «الغنوشي» في مقالها الآخر بعنوان «السلفيون كارثة على الدين والدنيا»، حيث لم يخرج عن حالة «الالتياث الاصطلاحي»، و«الفوضى التعميمية»، و«المجانية» في توزيع الاتهامات بشكل يجعلني مضطراً إلى الربط بين صاحبة المقال ووالدها راشد الغنوشي، على ما في هذا النهج من مزالق، أحرص على تحاشيها حين أتناول أي مكتوب بمسبار النقد، الذي أتوسم فيه أن لا يمارس الإسقاط من خارج المقال إلى حيز المكتوب، لكن «الغنوشي الابنة» لم تدع مجالاً لذلك، فالمقال «إخونجي» النزعة من ديباجته إلى خاتمته المضطربة، وهو أمر يمكن ملاحظته دون أي عناء، ويدرك الغايات منه بلا مشقة، بخاصة وأنه بدا بشكل «مقلوب» حيث يقدم «النتائج» في سطحيتها، ثم يتبعها بـ«التحليل» على التياثه وضعف أدواته، والمحصلة «مقال يسعي لأبلسة مناهضي الإخوان المسلمين، في مقابل غسل تاريخهم وإخراجهم من معاطن الفكر المتطرف ورعاية الارهاب والتأسيس له وزعزعة أمن الشعوب، إلى رحابة الفكر المعتدل».. هكذا!
غير أن المقال لم يأخذني بالانتباه في هذا المجال - فقد بلوت تنظيم الإخوان المسلمين، وأعرف طريقة تفكير قيادته، وقدرتهم على المراوغة والكذب باللافتات اللوامع حسب مقتضيات الكسب المرحلي، في سياق من «التذاكي» المضحك، وغير ذلك مما يمكن أن يلحظه دارس هذه الجماعة من صفات المراوغة والتدليس، والخطاب المفخخ، وما إلى ذلك من مورثاته البائسة - بقدر ما أثار دهشتي استمرار كاتبته في صك المصطلحات المتناقضة بذات الخفة التي مارستها في مقالها المشار إليه آنفًا، فإذا حرصتَ واجتهدتَ في أن تقبض مفهومًا محددًا لـ«السلفية» مثلاً في المقال؛ فإنك ستجد نفسك تبعًا لـ«الغنوشي» أمام «سلفيات» عديدات، فـ«سمية» تقول: «ليس سرًّا أن التيارات السلفية باتت في أغلبها عبئًا ثقيلاً على الإسلام وإفسادًا للدين والدنيا عامة. ولا أتحدث هنا عن السلفية كونها مدرسة فقهية محددة من بين المذاهب السنية الأربع».
في هذا المجتزأ تحطب الكاتبة بليل بهيم، وتقول كلامًا لا يقف على قوائم العلم والمعرفة، وإنما ينظر بعين مطفأة إلى مقولات عابرة تطير بها الأسافير بجهل نشط، و«خفة» يحسدون عليها، ففي هذا المجتزأ تنحصر السلفية في كونها «مدرسة فقهية محددة» تتصل بالمذهب الحنبلي على وجه التخصيص، بما يشي وكأن بقية المذاهب ليست سلفية في مرجعيتها.. وهذا قول يجافي الحقيقة، ويعمل بشكل «خفي» على «شيطنة» هذا المصطلح عبر الربط بين «الغالين والمتطرفين سلوكيًا مع ادعائهم الانتساب لهذه الفئة، وأصل السلفية ومرجعيتها، فالأصوب في سياق نقد مثل هذه الجماعات بتفنيد حجج انتمائهم لـ«السلفية» وليس الإشارة إلى أنهم الجزء المتطرف منها، إنفاذًا لغاية المقال الساعية نحو «تلطيخ» جدران الجماعات - حزب النور تحديدًا - المساند للرئيس المصري عبدالفتاح السيسي، في حملته الانتخابية، واتخاذ هذا المدخل «الإخونجي» سبيلاً إلى وخز «التيار السلفي» عامة، مع اجتهاد الكاتبة في فرز تيار ديني تراه هي ولا أراه، في ثنايا استثنائها بالقول: «ولا أتحدث أيضًا عن التدين التلقائي الذي يغلب عليه السمت السلفي المحافظ»..
هكذا؛«التدين التلقائي»!
وإن أردت مزيدًا من هذه الأقوال والمصطلحات المرسلة بشكل فوضوي فاقرأ لـ«سمية» قولها: «وعلى الجهة المقابلة تطالعنا سلفيات أخرى تبدو في ظاهرها بالغة التشدد الفكري والفقهي، لكنها شديدة الانصياع السياسي، تؤدي دورًا شبيهًا بالإكليروس الديني في القرون الوسطى بأوروبا»..
ومما يثير العجب حرصها على «غسل تاريخ الإخوان المسلمين الإجرامي»، بإخراجهم سالمين من دائرة العنف والتكفير، وإلصاق هذه الجريرة بغيرهم، بقولها: «في السلفيات الدينية نزوع عنيف يسوّغ التكفير وإزهاق أرواح غير المسلمين ويستحل دماء المسلمين»..
هكذا يمكن للقارئ أن يمضي مصحوبًا بالحيرة والدهشة إزاء هذه «الجرأة الغنوشية»؛ على أن دهشته ستكون أعظم حين يطالع خاتمة المقال، وقد رسمت فيه «سمية» الحل بقولها: «ثمة حاجة ملحة اليوم للقطع مع التيارات السلفية فكرًا وممارسة، ومع تركيزها المفرط في المظاهر والأشكال، ومقولات تطبيق الشريعة وأسلمة الدولة والمجتمع، والتوجه بدلاً من ذلك نحو طرح برنامج سياسي واضح لإصلاح الوضع العربي وإخراجه من متاهات الدكتاتورية وانتشاله من أتون الحروب الأهلية. هذا يعني تحرير الإسلام من ألاعيب السلفيين والحكام المستبدين. وقد يكون الرد الأمثل على ذلك المضي صوب ما أسميه بالليبرالية الإسلامية»..
نعم؛ الليبرالية الإسلامية! وكأنما هناك شيوعية إسلامية، وإمبريالية إسلامية، ومكافيلية إسلامية... إلخ
هذا الجملة الأخيرة تمثل محصلة المخاتلة السياسية، للإخوانجية وجوهر المخاتلة يكمن في خطف لافتة الإسلام وتجييرها لإكساب أي سلوك تقوم به جماعة من المسلمين صفة الإسلامي، بكل حمولة الطهرانية والقداسة في هذه الكلمة، فلو أن الجميع تواطؤوا على طرح رؤاهم الفكرية بعيدًا عن هذه اللافتة، وأدركوا أن محصلة تفكيرهم المهتدية بروح الشريعة وضوابط الإسلام، ليست هي «الإسلام» وإنما ناتج فهمه هم له، فلن نكون بحاجة لأن نضع الإسلام -بسعته المستوعبة للإنسانية في عالمية رسالته- في حرج الفهم الضيق لجماعة من الجماعات.
غير أن المقال لم يأخذني بالانتباه في هذا المجال - فقد بلوت تنظيم الإخوان المسلمين، وأعرف طريقة تفكير قيادته، وقدرتهم على المراوغة والكذب باللافتات اللوامع حسب مقتضيات الكسب المرحلي، في سياق من «التذاكي» المضحك، وغير ذلك مما يمكن أن يلحظه دارس هذه الجماعة من صفات المراوغة والتدليس، والخطاب المفخخ، وما إلى ذلك من مورثاته البائسة - بقدر ما أثار دهشتي استمرار كاتبته في صك المصطلحات المتناقضة بذات الخفة التي مارستها في مقالها المشار إليه آنفًا، فإذا حرصتَ واجتهدتَ في أن تقبض مفهومًا محددًا لـ«السلفية» مثلاً في المقال؛ فإنك ستجد نفسك تبعًا لـ«الغنوشي» أمام «سلفيات» عديدات، فـ«سمية» تقول: «ليس سرًّا أن التيارات السلفية باتت في أغلبها عبئًا ثقيلاً على الإسلام وإفسادًا للدين والدنيا عامة. ولا أتحدث هنا عن السلفية كونها مدرسة فقهية محددة من بين المذاهب السنية الأربع».
في هذا المجتزأ تحطب الكاتبة بليل بهيم، وتقول كلامًا لا يقف على قوائم العلم والمعرفة، وإنما ينظر بعين مطفأة إلى مقولات عابرة تطير بها الأسافير بجهل نشط، و«خفة» يحسدون عليها، ففي هذا المجتزأ تنحصر السلفية في كونها «مدرسة فقهية محددة» تتصل بالمذهب الحنبلي على وجه التخصيص، بما يشي وكأن بقية المذاهب ليست سلفية في مرجعيتها.. وهذا قول يجافي الحقيقة، ويعمل بشكل «خفي» على «شيطنة» هذا المصطلح عبر الربط بين «الغالين والمتطرفين سلوكيًا مع ادعائهم الانتساب لهذه الفئة، وأصل السلفية ومرجعيتها، فالأصوب في سياق نقد مثل هذه الجماعات بتفنيد حجج انتمائهم لـ«السلفية» وليس الإشارة إلى أنهم الجزء المتطرف منها، إنفاذًا لغاية المقال الساعية نحو «تلطيخ» جدران الجماعات - حزب النور تحديدًا - المساند للرئيس المصري عبدالفتاح السيسي، في حملته الانتخابية، واتخاذ هذا المدخل «الإخونجي» سبيلاً إلى وخز «التيار السلفي» عامة، مع اجتهاد الكاتبة في فرز تيار ديني تراه هي ولا أراه، في ثنايا استثنائها بالقول: «ولا أتحدث أيضًا عن التدين التلقائي الذي يغلب عليه السمت السلفي المحافظ»..
هكذا؛«التدين التلقائي»!
وإن أردت مزيدًا من هذه الأقوال والمصطلحات المرسلة بشكل فوضوي فاقرأ لـ«سمية» قولها: «وعلى الجهة المقابلة تطالعنا سلفيات أخرى تبدو في ظاهرها بالغة التشدد الفكري والفقهي، لكنها شديدة الانصياع السياسي، تؤدي دورًا شبيهًا بالإكليروس الديني في القرون الوسطى بأوروبا»..
ومما يثير العجب حرصها على «غسل تاريخ الإخوان المسلمين الإجرامي»، بإخراجهم سالمين من دائرة العنف والتكفير، وإلصاق هذه الجريرة بغيرهم، بقولها: «في السلفيات الدينية نزوع عنيف يسوّغ التكفير وإزهاق أرواح غير المسلمين ويستحل دماء المسلمين»..
هكذا يمكن للقارئ أن يمضي مصحوبًا بالحيرة والدهشة إزاء هذه «الجرأة الغنوشية»؛ على أن دهشته ستكون أعظم حين يطالع خاتمة المقال، وقد رسمت فيه «سمية» الحل بقولها: «ثمة حاجة ملحة اليوم للقطع مع التيارات السلفية فكرًا وممارسة، ومع تركيزها المفرط في المظاهر والأشكال، ومقولات تطبيق الشريعة وأسلمة الدولة والمجتمع، والتوجه بدلاً من ذلك نحو طرح برنامج سياسي واضح لإصلاح الوضع العربي وإخراجه من متاهات الدكتاتورية وانتشاله من أتون الحروب الأهلية. هذا يعني تحرير الإسلام من ألاعيب السلفيين والحكام المستبدين. وقد يكون الرد الأمثل على ذلك المضي صوب ما أسميه بالليبرالية الإسلامية»..
نعم؛ الليبرالية الإسلامية! وكأنما هناك شيوعية إسلامية، وإمبريالية إسلامية، ومكافيلية إسلامية... إلخ
هذا الجملة الأخيرة تمثل محصلة المخاتلة السياسية، للإخوانجية وجوهر المخاتلة يكمن في خطف لافتة الإسلام وتجييرها لإكساب أي سلوك تقوم به جماعة من المسلمين صفة الإسلامي، بكل حمولة الطهرانية والقداسة في هذه الكلمة، فلو أن الجميع تواطؤوا على طرح رؤاهم الفكرية بعيدًا عن هذه اللافتة، وأدركوا أن محصلة تفكيرهم المهتدية بروح الشريعة وضوابط الإسلام، ليست هي «الإسلام» وإنما ناتج فهمه هم له، فلن نكون بحاجة لأن نضع الإسلام -بسعته المستوعبة للإنسانية في عالمية رسالته- في حرج الفهم الضيق لجماعة من الجماعات.