تشهد الأزمة اللامتناهية في سورية تداعيات وتطورات جديدة من خلال الاشتباكات المتصاعدة في مدينة «عفرين» في الشمال السوري، وتعد نقطة تحول استثنائية مقارنة بطبيعة الصراع المسلح متعدد الجوانب على الأراضي السورية منذ 2011، وتنذر بمرحلة أشد خطورة تتمثل في انتقال الصراع من «حرب الوكالات» إلى حرب إقليمية مباشرة بين الجيش التركي وقوات نظام الأسد تتداخل من خلفها «التحالفات الرمادية» بين أضلاع إقليمية ودولية أخرى تشارك في هذا الصراع والتي تتفق في ملفات وتتقاطع مع ملفات أخرى، وهو تطور خطير جداً ومآلاته بالغة المأساوية بلا شك.
لن أخوض في شرح وتحليل تعقيدات التحالفات القائمة والمصالح المتضادة في الميدان السوري وما يدور في عفرين وما يجري في ميادين المعارك القائمة في سورية، فالصحف ووسائل الإعلام العالمية متخمة بالتحليلات والمعلومات عن الأهمية الجغرافية لعفرين بالنسبة لفصائل المعارضة السورية وتركيا والأكراد، لكنني أميل إلى تحليل هذا الصراع المتفاقم من زوايا أبعد، لمحاولة التوصل إلى إجابات على عدة أسئلة أراها مفصلية ولم يكن ممكناً الإجابة عليها عند اندلاع هذه الأزمة الطاحنة في المنطقة، فهل كان «تدويل الصراع» سبباً في استمراريتها وتفاقمها؟! أم أن سورية كانت ضحية لمؤامرة دولية من الأساس؟! وهل الأزمة اندلعت نتيجة لتداعيات فوضى الربيع العربي؟!
في هذه المسألة، أكاد أجد الإجابات متجلية في كتاب «انتقام الجغرافيا» الصادر عام 2012 لمؤلفه روبرت كابلان وهو أحد أهم المحللين السياسيين في مؤسسة ستراتفور الشهيرة (Strategic Forecasting Inc.) والتي تعد من أهم مراكز الفكر الأمريكية وعلى مستوى العالم في مجال الدراسات الاستراتيجية الأمنية وتعنى بقطاع الاستخبارات، وغالبية الباحثين العاملين فيها كانوا من الضباط السابقين في الاستخبارات الأمريكية، ويشير الكتاب إلى الدور الحاسم الذي تلعبه الجغرافيا في الصراعات الحاصلة في العالم منذ قرون خلت وحتى اندلاع ما سمي بثورات الربيع العربي، رابطاً ما بين فوضى الربيع والصراع العالمي الدائر على مشاريع إمدادات الغاز، مشاريع الغاز التي تتنافس لربط شبكاتها ما بين آسيا وأوروبا والشرق الأوسط، وعلى رأسها مشاريع «نابوكو» و«ستريم»، فالأول مدعوم من الولايات المتحدة وعدد من الدول الأوروبية، والآخر مدعوم من روسيا والصين ودول أخرى حول العالم، بالإضافة إلى مشاريع ناشئة تسعى للدخول في نقل إمدادات الغاز تدعمها تحالفات أخرى مثل مشروع نقل الغاز الإيراني القطري إلى سورية ومشروع خط أنابيب السيل التركي ومشروع خط تيليسي – جيهان، جميعها تتقاطع في محيط الصراعات الدائرة في العالم، مثل الصراعات التي نشبت في منطقة دول القوقاز (GAAT)، وأزمات أوكرانيا، وأخيراً الشرق الأوسط.
إن ما يجري في المنطقة هو أحد تبعات حروب الغاز الباردة بين الدول العظمى، وما يحتويه كتاب «انتقام الجغرافيا» لم يكن طرحاً منعزلاً عن طروحات أخرى عدة سارت في ذات السياق من قبل أبرز المحللين السياسيين على مستوى العالم، ومنها على سبيل المثال مقال تحليلي كتبه الرائد والخبير في الشؤون العسكرية، روبرت تيلور في مجلة القوات المسلحة الأمريكية في 2014 بعنوان «صراع الأنابيب في سورية»، وتطرق في شرحه للأزمة السورية إلى التركيز على استيعاب قضية الصراع على الغاز وأنابيبه عند تحليل ظروف نشأة الأزمة في سورية عند النظر في مستقبل الصراع والحلول.
وطالما أن اقتصادات مشاريع الغاز العالمية هي عصب السياسة والصراعات الحالية في الشرق الأوسط، فإن الغموض الذى يحيط بسياسة التحالفات الرمادية التي نشأت في ظل الأزمة في سورية يزول تدريجياً، ونفهم من ذلك بأن أياً من مخرجات «جنيف 1» أو «مؤتمر سوتشي» لا علاقة مباشرة وواقعية لها في حل هذه الأزمة.
ktashkandi@okaz.com.sa
khalid_tashkndi@
لن أخوض في شرح وتحليل تعقيدات التحالفات القائمة والمصالح المتضادة في الميدان السوري وما يدور في عفرين وما يجري في ميادين المعارك القائمة في سورية، فالصحف ووسائل الإعلام العالمية متخمة بالتحليلات والمعلومات عن الأهمية الجغرافية لعفرين بالنسبة لفصائل المعارضة السورية وتركيا والأكراد، لكنني أميل إلى تحليل هذا الصراع المتفاقم من زوايا أبعد، لمحاولة التوصل إلى إجابات على عدة أسئلة أراها مفصلية ولم يكن ممكناً الإجابة عليها عند اندلاع هذه الأزمة الطاحنة في المنطقة، فهل كان «تدويل الصراع» سبباً في استمراريتها وتفاقمها؟! أم أن سورية كانت ضحية لمؤامرة دولية من الأساس؟! وهل الأزمة اندلعت نتيجة لتداعيات فوضى الربيع العربي؟!
في هذه المسألة، أكاد أجد الإجابات متجلية في كتاب «انتقام الجغرافيا» الصادر عام 2012 لمؤلفه روبرت كابلان وهو أحد أهم المحللين السياسيين في مؤسسة ستراتفور الشهيرة (Strategic Forecasting Inc.) والتي تعد من أهم مراكز الفكر الأمريكية وعلى مستوى العالم في مجال الدراسات الاستراتيجية الأمنية وتعنى بقطاع الاستخبارات، وغالبية الباحثين العاملين فيها كانوا من الضباط السابقين في الاستخبارات الأمريكية، ويشير الكتاب إلى الدور الحاسم الذي تلعبه الجغرافيا في الصراعات الحاصلة في العالم منذ قرون خلت وحتى اندلاع ما سمي بثورات الربيع العربي، رابطاً ما بين فوضى الربيع والصراع العالمي الدائر على مشاريع إمدادات الغاز، مشاريع الغاز التي تتنافس لربط شبكاتها ما بين آسيا وأوروبا والشرق الأوسط، وعلى رأسها مشاريع «نابوكو» و«ستريم»، فالأول مدعوم من الولايات المتحدة وعدد من الدول الأوروبية، والآخر مدعوم من روسيا والصين ودول أخرى حول العالم، بالإضافة إلى مشاريع ناشئة تسعى للدخول في نقل إمدادات الغاز تدعمها تحالفات أخرى مثل مشروع نقل الغاز الإيراني القطري إلى سورية ومشروع خط أنابيب السيل التركي ومشروع خط تيليسي – جيهان، جميعها تتقاطع في محيط الصراعات الدائرة في العالم، مثل الصراعات التي نشبت في منطقة دول القوقاز (GAAT)، وأزمات أوكرانيا، وأخيراً الشرق الأوسط.
إن ما يجري في المنطقة هو أحد تبعات حروب الغاز الباردة بين الدول العظمى، وما يحتويه كتاب «انتقام الجغرافيا» لم يكن طرحاً منعزلاً عن طروحات أخرى عدة سارت في ذات السياق من قبل أبرز المحللين السياسيين على مستوى العالم، ومنها على سبيل المثال مقال تحليلي كتبه الرائد والخبير في الشؤون العسكرية، روبرت تيلور في مجلة القوات المسلحة الأمريكية في 2014 بعنوان «صراع الأنابيب في سورية»، وتطرق في شرحه للأزمة السورية إلى التركيز على استيعاب قضية الصراع على الغاز وأنابيبه عند تحليل ظروف نشأة الأزمة في سورية عند النظر في مستقبل الصراع والحلول.
وطالما أن اقتصادات مشاريع الغاز العالمية هي عصب السياسة والصراعات الحالية في الشرق الأوسط، فإن الغموض الذى يحيط بسياسة التحالفات الرمادية التي نشأت في ظل الأزمة في سورية يزول تدريجياً، ونفهم من ذلك بأن أياً من مخرجات «جنيف 1» أو «مؤتمر سوتشي» لا علاقة مباشرة وواقعية لها في حل هذه الأزمة.
ktashkandi@okaz.com.sa
khalid_tashkndi@