الآن وبعد غياب طويل عن «جدة» ها أنا أعود إليها مثقلاً بالحنين وبي شوق جارف لشقتي وشرفتي المطلة على البحر وتنهداته المفتوحة على المجاهل وعلى سماء لا تجلس إلا بمحاذة البحر، وأنا في الطائرة وعلى صوت الكابتن السعودي المحترف «سمير بخش» مرحباً بنا ولحظة اقترابها من الأرض رأيت شيئاً شبيهاً بقنديل صغير مكتنزاً بالضياء يبث رذاذ نوره ليقول لي ها هي «جدة»
آنذاك انتفض فؤادي فجأة استفاق خيالي خوفاً عليها، خوفاً على هذا النور المفروش على صفحة بحر لا نهائي من أن يتعرض للرضوض مرة أخرى من جراء «رشة مطر» أطلب من السائق الذي يعمل معي منذ ٢٥ عاماً أن يأخذني للمطل البحري الجديد حيث سافرت ولم أره.. جمال حقيقي يتماوج مع الأبعاد اللانهائية للزرقة، تماوجاً كحلياً، يتماهى مع روح النخيل المنعكس فوق مرايا الأمواج.. سطوة تفور عميقاً في القلب، آه كم يعذبني هذا التداخل وهذا التزاوج بين البحر والنخيل.. عذبني أكثر العبث المسجل على «اليوتيوب» ولكم سعدت بموقف «مجموعة الإنسان» الذي تصدى لحماية هذا البهاء، لو لم يتحرك سموه في الوقت المناسب كعادته لتحول كل ذلك البهاء إلي خرائب ولمشروع مهشم، لولاه لتحولت كل تلك النقود إلى نفايات، لقد كتب الدكتور هاني أبوراس سطراً جميلاً على جبين «جدة» بهذا الإنجاز، لكم حاول كثيرون أن يشفطوا بخراطيمهم الجهنمية هذا النور الممنوح من الله لهذه المدينة بالتعدي والسرقة والفساد وضخ مياه المجاري للبحر.. لعنت هذه البارقة الشيطانية، وتوكلت على تأمل البقية الباقية مما أنقذ من هذا الجمال الرباني، كان أذان الفجر يصلني طافحاً بالورع على عدة إيقاعات ووتائر منطلقاً من منابر مختلفة المقاسات والتصاميم مع صياح الديكة لم أسمعه منذ زمن، صياح أيقظ في نفسي مشاعر وذكريات وأطيافاً أعادتني إلى سحر «جدة» المطرز بالأساطير اليومية، أصل شقتي أؤدي صلاة الفجر، أتناول إفطاري في الشرفة.. حتم عليّ الصباح أن أكون جليس عصفور صقله هواء أزرق ولوحته شمس الصباح، عصفور شفاف لم يرتضِ أن يكون رهين قفص خشبي علق على حائط، رحت أرقب العصفور وأشاركه لبنة مرشوش عليها زعتر حلبي وتوست محمص، عصفور بمنقار حليبي ودقيق كالإبرة.. رأسه حنطي وريشاته خمرية مائلة إلى بياض سكري، كان يتقافز على حافة الشرفة الحديدي المصقول المشغول، هنا تذكرت كم كنا قساة عندما كنا نذهب إلى «القاهرة» في السبعينات الميلادية، إذ كنا نطلب صحناً مشوياً من العصافير، ماذا سيجد الإنسان الكبير من غذاء في عصفور صغير؟ إنها نفس الحقيقة في سلب معظم من كانوا في «الرتز» لفتات الشعب. أعود لتأمل البحر.. لكم كتبت عنه، ولكم ناجيت دواخله وأعماقه، ولكم داعبت حباته ورملته الطرية.. أشتاق إليه فأكتب عنه وخصوصاً كلما بعدت عنه.. حفظ الله «جدة» حفظك الله يا وطني.
آنذاك انتفض فؤادي فجأة استفاق خيالي خوفاً عليها، خوفاً على هذا النور المفروش على صفحة بحر لا نهائي من أن يتعرض للرضوض مرة أخرى من جراء «رشة مطر» أطلب من السائق الذي يعمل معي منذ ٢٥ عاماً أن يأخذني للمطل البحري الجديد حيث سافرت ولم أره.. جمال حقيقي يتماوج مع الأبعاد اللانهائية للزرقة، تماوجاً كحلياً، يتماهى مع روح النخيل المنعكس فوق مرايا الأمواج.. سطوة تفور عميقاً في القلب، آه كم يعذبني هذا التداخل وهذا التزاوج بين البحر والنخيل.. عذبني أكثر العبث المسجل على «اليوتيوب» ولكم سعدت بموقف «مجموعة الإنسان» الذي تصدى لحماية هذا البهاء، لو لم يتحرك سموه في الوقت المناسب كعادته لتحول كل ذلك البهاء إلي خرائب ولمشروع مهشم، لولاه لتحولت كل تلك النقود إلى نفايات، لقد كتب الدكتور هاني أبوراس سطراً جميلاً على جبين «جدة» بهذا الإنجاز، لكم حاول كثيرون أن يشفطوا بخراطيمهم الجهنمية هذا النور الممنوح من الله لهذه المدينة بالتعدي والسرقة والفساد وضخ مياه المجاري للبحر.. لعنت هذه البارقة الشيطانية، وتوكلت على تأمل البقية الباقية مما أنقذ من هذا الجمال الرباني، كان أذان الفجر يصلني طافحاً بالورع على عدة إيقاعات ووتائر منطلقاً من منابر مختلفة المقاسات والتصاميم مع صياح الديكة لم أسمعه منذ زمن، صياح أيقظ في نفسي مشاعر وذكريات وأطيافاً أعادتني إلى سحر «جدة» المطرز بالأساطير اليومية، أصل شقتي أؤدي صلاة الفجر، أتناول إفطاري في الشرفة.. حتم عليّ الصباح أن أكون جليس عصفور صقله هواء أزرق ولوحته شمس الصباح، عصفور شفاف لم يرتضِ أن يكون رهين قفص خشبي علق على حائط، رحت أرقب العصفور وأشاركه لبنة مرشوش عليها زعتر حلبي وتوست محمص، عصفور بمنقار حليبي ودقيق كالإبرة.. رأسه حنطي وريشاته خمرية مائلة إلى بياض سكري، كان يتقافز على حافة الشرفة الحديدي المصقول المشغول، هنا تذكرت كم كنا قساة عندما كنا نذهب إلى «القاهرة» في السبعينات الميلادية، إذ كنا نطلب صحناً مشوياً من العصافير، ماذا سيجد الإنسان الكبير من غذاء في عصفور صغير؟ إنها نفس الحقيقة في سلب معظم من كانوا في «الرتز» لفتات الشعب. أعود لتأمل البحر.. لكم كتبت عنه، ولكم ناجيت دواخله وأعماقه، ولكم داعبت حباته ورملته الطرية.. أشتاق إليه فأكتب عنه وخصوصاً كلما بعدت عنه.. حفظ الله «جدة» حفظك الله يا وطني.