-A +A
محمد الساعد
سورية اليوم أقرب ما تكون إلى دكان صغير كثر فيه الشركاء ففسدت البيعة ولم يعودوا قادرين لا على البيع ولا على الشراء ولا فض الشراكة المتنازع عليها.

الدكان مليء بالروس والأمريكان والأوربيين «الفرنسيين والألمان»، ودول وتنظيمات الإقليم من الأتراك والإيرانيين والإسرائيليين وحزب الله والمقاتلين الشيعة القادمين من باكستان وأفغانستان، والسنة القادمين من داخل سورية وخارجها، إضافة إلى مقاولين استقدموا أخيرا لخدمة الجيش الروسي من دول وسط آسيا.


الأخطر من ذلك كله.. هو أن الدكان تم ملؤه بالأسلحة التقليدية والكيماوية والمتفجرات والتنظيمات الإرهابية ومقاولي الباطن وقتلة مأجورين، ولو فرطت فإن مجزرة «عالمية» كبرى ستقع ولا يعلم أحد نتائجها ولا مآلاتها إن على الإقليم أو العالم.

يا لها من سخرية موت بلا حاجة، ساحة قتال لا يعرف أولها من آخرها؛ ملايين شردوا، ودول هدمت بسبب نزوة ما يسمى «الربيع العربي»، الغريب أن تشابك اللعبة وتعقيدها في سورية متحكم فيه لحد اليوم خوفا من توسعه وتحولها لحرب عالمية ثالثة، ولعلنا نستذكر بضعة حوادث سخنت الساحة خلال الأسابيع الماضية، نرصد فيها قدرة الدول العظمى على إدارة «الموس» داخل الأجساد دون أن تتحول لحرب مفتوحة، ولكن هل سيبقى الوضع كما هو عليه ؟.

وجدت الولايات المتحدة الأمريكية أن الجيش الروسي يتقدم نحو مناطق تماس مهمة فأسقطت أحد الفصائل التابعة لها طائرة روسية تحذيرا له، خلال أيام أعلنت إسرائيل إسقاط طائرة إيرانية بدون طيار اخترقت الأجواء فوق الجولان، بعدها بأقل من أسبوع أسقط الجيش السوري بصواريخ سام ستة – الذي يعد خردة - طائرة إسرائيلية من طراز F16.

هل تصدقون المشهد أعلاه، بالطبع لم تسقط الفصائل ولا السوريون ولا الإيرانيون الطائرات، من أسقطها نكاية بالآخر ولتحقيق مزاحمات إستراتيجية هم الأمريكان والروس الذين وجدوا أن الساحة السورية هي أهم من ليننجراد ومن فيتنام ومن بولندا، وكل من على الأرض ليسوا سوى أدوات في أيديهم يتم تحريكهم بالنيابة متى لزم الأمر.

السؤال المهم هو.. إلى أين يذهب الصراع في سورية وإلى أين سيأخذنا، وهل سيبقى إيقاع المعارك ونتائجها منضبطا، أم وصلت القوى العظمى لقناعة أنه لا بد من تقاسم «الدكان» وفرض حل سلمي على الأطراف المتنازعة بعد هذه الفوضى الدامية التي تسببت فيها الإدارة الأمريكية السابقة وحليفتها ألمانيا وتركيا وقوى الشر في الدوحة.

الرئيس ترمب أعلن قبل أيام نيته الانسحاب من سورية مؤكدا أن بلاده حققت ما تريد حين استطاعت القضاء على داعش تماما، الروس هم أيضا أعلنوا انسحابا وهميا قبل أشهر، إلا أنهم لا يزالون على الأرض.

الأجهزة الأمنية الأمريكية وبالأخص وزارة الدفاع ترى أن من الخطر الانسحاب وترك الساحة السورية مشتعلة وسيارة الإطفاء الوحيدة قادمة من موسكو وهي من سيتحكم في إطفاء الحرائق بما يخدم إستراتيجيتها، ومن هنا لا بد من البقاء في سورية.

السعودية تتشارك مع هذه النظرة، حينما قال ولي العهد الأمير محمد بن سلمان إن بقاء الأمريكان في سورية ضرورة إستراتيجية ليس لسورية فقط بل لإقليم الشرق الأوسط والعالم، وهو ينصح بالبقاء على المدى المتوسط والطويل.

التحليل السعودي يستمد رؤيته من الاصطفاف بجانب الشعب السوري واحترام خياراته، مع التأكيد على عدم التفريط في عروبة سورية وعدم القبول بتحويلها لمقاطعة إيرانية، وهو امتداد لتحرك إستراتيجي بدأت به الرياض مبكرا لقطع الطريق أمام الإرهاب المتمثل في داعش وجبهة النصرة والقاعدة الذي استوطن سورية، وإرهاب آخر تغذيه فكرة التشيع السياسي القادم من طهران باتجاه الخليج والعراق مرورا بدمشق وانتهاء بالضاحية.

المعارضة السورية المنقسمة على نفسها وعلى بلدها وعلى كل شيء لم تتفق إلا على أمر واحد هو تحويل بشار الأسد إلى خيار وحيد أمام الغرب، بعد أن تفرغوا للحصول على المال والغنائم وتحولهم لمقاولين لمن يدفع أكثر.

كل ذلك جعل من بقاء بشار وإن مؤقتا أحد الحلول المطروحة، بل إن الأتراك والقطريين بمساندة من الإيرانيين بدأوا فعليا في إعادة تعويمه، وتركهم وحيدين ينفردون به خيار خطير، ومن هنا جاءت نصيحة الأمير محمد بن سلمان لبشار أن لا يترك سورية للإيرانيين، فسورية ليست مِلْكاً لبشار بل هي للشعب العربي السوري، وغدا يذهب بشار وتبقى سورية.

* إعلامي وكاتب سعودي