حسناً فعلت النيابة العامة بإصدارها أخيراً بياناً صحفياً - بلغة حازمة - علّقت فيه على قفز وافتئات بعض الجهات التنفيذية على اختصاصها دون مسوغ نظامي، وردت من خلاله على التصريحات المتخبطة التي أطلقها أحد المتحدثين باسم إمارة من إمارات المناطق قبل أيام قليلة.
قالت النيابة في بيانها المقتضب الذي بثته وكالة الأنباء السعودية (واس): «إشارة لما تم تداوله أخيرا حول عدد من القضايا الجنائية توضح النيابة العامة أن هذه القضايا من صميم اختصاصها، بموجب الأنظمة والتعليمات»، مضيفة تعليقا على تصريحات منسوبة لبعض المتحدثين الإعلاميين: «إن النيابة العامة هي الجهة المعنية بجميع القضايا الجنائية في مرحلة جمع الأدلة، وتحليلها، والتحقيق، والادعاء، ولا يحق لأي من الجهات أو الأفراد التدخل أو التصريح بشأنها».
والحق أن لدى بعض الجهات التنفيذية في المملكة مشكلة كبيرة في فهم دورها واختصاصها ومهماتها، وهذا ملاحظ منذ سنوات طويلة وليس وليد اليوم، ومن هنا يكتسب بيان النيابة العامة أهميته؛ إذ يُحسب لها بلا شك سرعة إصداره، على عكس جهات أخرى تفضل الصمت عن مثل هذه التجاوزات من باب مجاملة بعض المسؤولين لزملائهم، أو رغبة مسؤول في عدم الاصطدام بمسؤول آخر يسعى لإظهار جهود جهازه على حساب الأجهزة الأخرى.
ولعل التجاوزات الأكثر ممارسة على أرض الواقع تلك التي تتم في المحافظات الصغيرة والمراكز البعيدة عن الأضواء؛ إذ قد يتحول بعض المحافظين أو رؤساء المراكز إلى مرجع وحيد لجميع مسؤولي الإدارات الحكومية هناك، دون أي اعتبار للأنظمة المرجعية الرسمية لكل إدارة أو جهاز، وما يزيد الأمر سوءا أن يعمد مدير الجهاز الحكومي على مخالفة أنظمة مرجعه الرسمي لتنفيذ أوامر المحافظ أو رئيس المركز، إما مجاملة وتملقاً له، أو خوفاً من أن يصطدم به، وفي بعض الحالات جهلاً بالأنظمة، والشواهد على ذلك كثيرة، ما يُوجب التركيز على التوعية في هذا الجانب ووضع حد لأي تجاوز من هذا النوع وبشكل سريع مع الإعلان عنه، فذلك يسهم بشكل كبير في علاج هذه الإشكالية، وضمان عدم شيوعها.
لو اطلع كثير من المتجاوزين الصغار على الأحكام التي تصدرها المحاكم الإدارية بشكل مستمر ضد تجاوزات بعض كبار المسؤولين والأجهزة الرسمية، لراجعوا حساباتهم ألف مرة قبل التفكير بمخالفة الأنظمة أو الالتفاف عليها، لكن المشكلة أن ثقافة المجتمع الوظيفي الرسمي لدينا لا تحبذ الحديث في مثل هذه الأمور، وكثيرا ما عوقب مسؤول أو ألغيت قراراته بحكم إداري دون أن يعرف ذلك حتى أفراد فريق عمله من باب «الستر زين»، و«جبر عثرات الكرام» وما إلى ذلك من أمثال تعشعش في ثقافتنا وتسهم في صناعة الترهل الإداري الذي تحاربه الدولة اليوم وهي في طريقها لتحقيق رؤية 2030.
أخيراً لا يسعنا إلا أن نقول للنيابة العامة «شكراً من القلب»، أما القافزون على اختصاصات غيرهم فنقول لهم بكل وضوح: «ما لكم شغل».
* كاتب وإعلامي سعودي
Hani_DH@
gm@mem-sa.com
قالت النيابة في بيانها المقتضب الذي بثته وكالة الأنباء السعودية (واس): «إشارة لما تم تداوله أخيرا حول عدد من القضايا الجنائية توضح النيابة العامة أن هذه القضايا من صميم اختصاصها، بموجب الأنظمة والتعليمات»، مضيفة تعليقا على تصريحات منسوبة لبعض المتحدثين الإعلاميين: «إن النيابة العامة هي الجهة المعنية بجميع القضايا الجنائية في مرحلة جمع الأدلة، وتحليلها، والتحقيق، والادعاء، ولا يحق لأي من الجهات أو الأفراد التدخل أو التصريح بشأنها».
والحق أن لدى بعض الجهات التنفيذية في المملكة مشكلة كبيرة في فهم دورها واختصاصها ومهماتها، وهذا ملاحظ منذ سنوات طويلة وليس وليد اليوم، ومن هنا يكتسب بيان النيابة العامة أهميته؛ إذ يُحسب لها بلا شك سرعة إصداره، على عكس جهات أخرى تفضل الصمت عن مثل هذه التجاوزات من باب مجاملة بعض المسؤولين لزملائهم، أو رغبة مسؤول في عدم الاصطدام بمسؤول آخر يسعى لإظهار جهود جهازه على حساب الأجهزة الأخرى.
ولعل التجاوزات الأكثر ممارسة على أرض الواقع تلك التي تتم في المحافظات الصغيرة والمراكز البعيدة عن الأضواء؛ إذ قد يتحول بعض المحافظين أو رؤساء المراكز إلى مرجع وحيد لجميع مسؤولي الإدارات الحكومية هناك، دون أي اعتبار للأنظمة المرجعية الرسمية لكل إدارة أو جهاز، وما يزيد الأمر سوءا أن يعمد مدير الجهاز الحكومي على مخالفة أنظمة مرجعه الرسمي لتنفيذ أوامر المحافظ أو رئيس المركز، إما مجاملة وتملقاً له، أو خوفاً من أن يصطدم به، وفي بعض الحالات جهلاً بالأنظمة، والشواهد على ذلك كثيرة، ما يُوجب التركيز على التوعية في هذا الجانب ووضع حد لأي تجاوز من هذا النوع وبشكل سريع مع الإعلان عنه، فذلك يسهم بشكل كبير في علاج هذه الإشكالية، وضمان عدم شيوعها.
لو اطلع كثير من المتجاوزين الصغار على الأحكام التي تصدرها المحاكم الإدارية بشكل مستمر ضد تجاوزات بعض كبار المسؤولين والأجهزة الرسمية، لراجعوا حساباتهم ألف مرة قبل التفكير بمخالفة الأنظمة أو الالتفاف عليها، لكن المشكلة أن ثقافة المجتمع الوظيفي الرسمي لدينا لا تحبذ الحديث في مثل هذه الأمور، وكثيرا ما عوقب مسؤول أو ألغيت قراراته بحكم إداري دون أن يعرف ذلك حتى أفراد فريق عمله من باب «الستر زين»، و«جبر عثرات الكرام» وما إلى ذلك من أمثال تعشعش في ثقافتنا وتسهم في صناعة الترهل الإداري الذي تحاربه الدولة اليوم وهي في طريقها لتحقيق رؤية 2030.
أخيراً لا يسعنا إلا أن نقول للنيابة العامة «شكراً من القلب»، أما القافزون على اختصاصات غيرهم فنقول لهم بكل وضوح: «ما لكم شغل».
* كاتب وإعلامي سعودي
Hani_DH@
gm@mem-sa.com