الجولة التي قام بها الأمير محمد بن سلمان والتي شملت بريطانيا والولايات المتحدة وفرنسا وإسبانيا أدت إلى بناء شراكات إستراتيجية متنوعة وعلى مستويات متعددة، بما يخدم مشروع السعودية 2030، والمحطة الفرنسية تعتبر أساسية؛ لأنها البوابة الأوروبية الأكثر تأثيرا وقلب القارة العجوز من الناحية السياسية والثقافية والإعلامية. لذلك فقد حاول البعض التشويش على الزيارة ولكن جهودهم باءت بالفشل وحققت الزيارة قفزة نوعية في العلاقات بين البلدين.
يقود الأمير محمد بن سلمان مشروعا إصلاحيا طموحا، يمكن أن يغير صورة المملكة في أعين العالم وفي الأعين الأوروبية والفرنسية على وجه التحديد. وهنالك نقاط محددة في المشروع الإصلاحي تلقى ترحيبا من قبل الدوائر السياسية والثقافية والإعلامية الفرنسية، أولها مقاومة المملكة للفكر المتطرف والمتشدد، وهذا الفكر من وجهة النظر الفرنسية يمثل الأرضية الأيديولوجية التي تتغذى منها تيارات التطرف الديني، وثانيها الانفتاح الثقافي والاجتماعي، والذي يفتح أبواب المملكة للفنون الحديثة والآداب العالمية، ثم الانفتاح الاجتماعي وخصوصا فيما يتعلق بوضع المرأة السعودية، حيث دائما ما كان اللوبي المعادي للمملكة في الغرب يتخذ هذا الموضوع حجة لمهاجمتها. هذا المشروع الإصلاحي الذي يوازن ما بين القيم الإسلامية العليا للمجتمع السعودي من جهة والانفتاح على العالم من جهة أخرى، من وجهة النظر الفرنسية، هو الكفيل بإدخال المملكة إلى طور متقدم من الحداثة، وهنا سوف تجد المملكة في باريس داعما لها على كافة هذه المستويات. وقد أكد الرئيس ماكرون في بيان صادر عن قصر الإليزيه، دعمه للمشروع الإصلاحي الذي يقوده ولي العهد. هذا الدعم لم يكن مجرد مساندة إعلامية وسياسية وإنما تمت ترجمة ذلك في اتفاقيات تم توقيعها بين الطرفين.
لعل أهم تلك الاتفاقيات هي الشراكة السعودية ـ الفرنسية لحماية التراث والمواقع التاريخية في المملكة وخصوصا في منطقة العلا، وهذا مشروع ضخم سوف تشارك به شركات فرنسية لها خبرة وباع طويل في هذا المجال. كما اتفق الطرفان على إقامة دار للأوبرا وكذا أوركسترا سعودية؛ فالمملكة تريد الاستفادة من التاريخ الثقافي لباريس في هذا المجال. كما تم توقيع اتفاقيات في التعاون الأكاديمي وبرنامج للمبتعثين السعوديين، وكذا مشاركة المملكة في مشاريع الذكاء الاصطناعي. التعاون سوف يشمل مشروعا للترجمة تشرف عليه الملحقية الثقافية التابعة للسفارة السعودية، وقد بدأ هذا المشروع بقطف أولى ثماره بترجمة 18 كتابا لمؤلفين وباحثين سعوديين إلى اللغة الفرنسية. قام الأمير محمد بن سلمان بالإشراف على توقيع اتفاقيات اقتصادية وعسكرية وثقافية تجاوزت قيمتها 18 مليار دولار، منها على سبيل المثال اتفاقية تعاون بين أرامكو السعودية مع شركة الطاقة الفرنسية الضخمة توتال، لتوسيع مجمع بتروكيماويات في المملكة، واتفاق مع شركتي سويز وفيوليا لمرافق معالجة المياه المستعملة الصناعية. وتم الإعلان عن مشروعين لصندوق الاستثمار السعودي الفرنسي، فايف كابيتال بالشراكة مع ويبيديا وسويز، واتفاق مماثل مع شنايدر وسافران وأورانج، وجي سي ديكووهي.
من جهة أخرى، جرى التوقيع من قبل الأمير محمد بن سلمان ووزيرة الدفاع الفرنسية فلورنس بارلي على عدد من المذكرات والاتفاقيات للتعاون في المجال الدفاعي بين البلدين لتطوير القوات المسلحة السعودية ونقل وتوطين التقنية وفقا لرؤية المملكة 2030.
هذه الاتفاقيات التي شملت مستويات مختلفة، والتي نقلت العلاقات الفرنسية ـ السعودية إلى مستوى متقدم من الشراكة الإستراتيجية، ما كانت لتتم لولا وجود أرضية سياسية صلبة، من جهة باريس فإنها حريصة تاريخيا على علاقات متينة مع المملكة العربية السعودية، باعتبارها قلب العالم العربي والإسلامي وبوابته، كما أن المملكة تمثل في هذه المرحلة القاعدة الصلبة للنظام العربي في ظل وجود صراعات وأزمات متفجرة، باعتبار حالة الاستقرار السياسي والاقتصادي التي تنعم بها المملكة. كما أن للمملكة دورا في مجمل قضايا المنطقة، والرئيس ماكرون الذي يريد أن تلعب فرنسا دورا مهما في الشرق الأوسط يدرك أن المملكة بوابة لابد من عبورها لتحقيق هذا الغرض. هذه العوامل ساهمت في إيجاد مساحة مشتركة كبيرة من التفاهم السياسي؛ ففرنسا عبرت عن تأييدها للتحالف العربي في حربه في اليمن، واتفاقها مع المملكة على ضرورة إيجاد حل سياسي للأزمة هناك، كما أن البلدين يدعمان الاستقرار في لبنان، وقد التقى الأمير محمد بن سلمان على هامش الزيارة رئيس الوزراء اللبناني سعد الحريري. وعبر البلدان عن دعمهما للحكومة العراقية ودعمهما للاستقرار في هذا البلد الذي يعاني الكثير من المصاعب والتدخلات الإقليمية التخريبية وخاصة من قبل إيران.
تحدث الأمير محمد بن سلمان بصراحة مع الرئيس الفرنسي حول معارضة بلاده للاتفاق النووي بالرغم من الموقف الفرنسي، وأشار في تصريح لافت إلى أن الاتفاق النووي يشبه اتفاق ميونيخ 1938 لمحاولة تجنب حرب في القارة الأوروبية ولكنه أدى في نهاية المطاف إلى إشعال الحرب العالمية الثانية، بينما عبر ماكرون عن تفهمه للقلق الذي أبداه ولي العهد، ولكن حتى في الموضوع الإيراني فإن فرنسا تشارك المملكة في معارضتها للبرنامج الصاروخي الباليستي الإيراني وكذلك معارضتها لدعم إيران لميليشيات إرهابية تنشر حالة عدم الاستقرار في المنطقة منها جماعة الحوثي وحزب الله وغيرهما، وأيضا معارضتها لتدخلات إيران في شؤون الدول العربية مما يخلف حالة من عدم الاستقرار. في الموضوع السوري الطرفان متفقان أن الحل في سورية يجب أن يقوم على عملية انتقال سياسي حقيقية، وأدانا استخدام النظام للأسلحة الكيماوية في دوما. واتفق الطرفان على الاستمرار في محاربة الإرهاب أينما وجد، وقد عبر الأمير محمد بن سلمان عن تأييده للعملية العسكرية التي تقودها فرنسا في دول الساحل والصحراء في أفريقيا لمحاربة الجماعات الإرهابية.
فرنسا وهي تواجه على مدى السنوات الماضية هجمات إرهابية، هي بحاجة إلى المملكة للاستفادة من تجربتها؛ لأن ماكرون عبر في أكثر من مناسبة أن مكافحة الإرهاب لا تتم فقط على مستوى أمني وعسكري وإنما عملية مستدامة تتم على مستوى الوعي والأيديولوجيا، وهذه الرؤية عبرت عنها المملكة خلال سنوات طويلة.
يمكننا القول إن زيارة ولي العهد الأمير محمد بن سلمان إلى باريس استطاعت بناء شراكة فرنسية ـ سعودية والدفع بها بخطوات ثابتة، سوف تكتمل فصولها عندما يزور ماكرون المملكة قبل نهاية هذا العام، وإذا ما وضعنا هذه الزيارة في إطار الجولة الغربية يمكننا القول إن شراكات المملكة مع الدول الكبرى قد وضعت المملكة لاعبا أساسيا على المسرح الدولي.
* كاتب عربي
ramialkhalife@
يقود الأمير محمد بن سلمان مشروعا إصلاحيا طموحا، يمكن أن يغير صورة المملكة في أعين العالم وفي الأعين الأوروبية والفرنسية على وجه التحديد. وهنالك نقاط محددة في المشروع الإصلاحي تلقى ترحيبا من قبل الدوائر السياسية والثقافية والإعلامية الفرنسية، أولها مقاومة المملكة للفكر المتطرف والمتشدد، وهذا الفكر من وجهة النظر الفرنسية يمثل الأرضية الأيديولوجية التي تتغذى منها تيارات التطرف الديني، وثانيها الانفتاح الثقافي والاجتماعي، والذي يفتح أبواب المملكة للفنون الحديثة والآداب العالمية، ثم الانفتاح الاجتماعي وخصوصا فيما يتعلق بوضع المرأة السعودية، حيث دائما ما كان اللوبي المعادي للمملكة في الغرب يتخذ هذا الموضوع حجة لمهاجمتها. هذا المشروع الإصلاحي الذي يوازن ما بين القيم الإسلامية العليا للمجتمع السعودي من جهة والانفتاح على العالم من جهة أخرى، من وجهة النظر الفرنسية، هو الكفيل بإدخال المملكة إلى طور متقدم من الحداثة، وهنا سوف تجد المملكة في باريس داعما لها على كافة هذه المستويات. وقد أكد الرئيس ماكرون في بيان صادر عن قصر الإليزيه، دعمه للمشروع الإصلاحي الذي يقوده ولي العهد. هذا الدعم لم يكن مجرد مساندة إعلامية وسياسية وإنما تمت ترجمة ذلك في اتفاقيات تم توقيعها بين الطرفين.
لعل أهم تلك الاتفاقيات هي الشراكة السعودية ـ الفرنسية لحماية التراث والمواقع التاريخية في المملكة وخصوصا في منطقة العلا، وهذا مشروع ضخم سوف تشارك به شركات فرنسية لها خبرة وباع طويل في هذا المجال. كما اتفق الطرفان على إقامة دار للأوبرا وكذا أوركسترا سعودية؛ فالمملكة تريد الاستفادة من التاريخ الثقافي لباريس في هذا المجال. كما تم توقيع اتفاقيات في التعاون الأكاديمي وبرنامج للمبتعثين السعوديين، وكذا مشاركة المملكة في مشاريع الذكاء الاصطناعي. التعاون سوف يشمل مشروعا للترجمة تشرف عليه الملحقية الثقافية التابعة للسفارة السعودية، وقد بدأ هذا المشروع بقطف أولى ثماره بترجمة 18 كتابا لمؤلفين وباحثين سعوديين إلى اللغة الفرنسية. قام الأمير محمد بن سلمان بالإشراف على توقيع اتفاقيات اقتصادية وعسكرية وثقافية تجاوزت قيمتها 18 مليار دولار، منها على سبيل المثال اتفاقية تعاون بين أرامكو السعودية مع شركة الطاقة الفرنسية الضخمة توتال، لتوسيع مجمع بتروكيماويات في المملكة، واتفاق مع شركتي سويز وفيوليا لمرافق معالجة المياه المستعملة الصناعية. وتم الإعلان عن مشروعين لصندوق الاستثمار السعودي الفرنسي، فايف كابيتال بالشراكة مع ويبيديا وسويز، واتفاق مماثل مع شنايدر وسافران وأورانج، وجي سي ديكووهي.
من جهة أخرى، جرى التوقيع من قبل الأمير محمد بن سلمان ووزيرة الدفاع الفرنسية فلورنس بارلي على عدد من المذكرات والاتفاقيات للتعاون في المجال الدفاعي بين البلدين لتطوير القوات المسلحة السعودية ونقل وتوطين التقنية وفقا لرؤية المملكة 2030.
هذه الاتفاقيات التي شملت مستويات مختلفة، والتي نقلت العلاقات الفرنسية ـ السعودية إلى مستوى متقدم من الشراكة الإستراتيجية، ما كانت لتتم لولا وجود أرضية سياسية صلبة، من جهة باريس فإنها حريصة تاريخيا على علاقات متينة مع المملكة العربية السعودية، باعتبارها قلب العالم العربي والإسلامي وبوابته، كما أن المملكة تمثل في هذه المرحلة القاعدة الصلبة للنظام العربي في ظل وجود صراعات وأزمات متفجرة، باعتبار حالة الاستقرار السياسي والاقتصادي التي تنعم بها المملكة. كما أن للمملكة دورا في مجمل قضايا المنطقة، والرئيس ماكرون الذي يريد أن تلعب فرنسا دورا مهما في الشرق الأوسط يدرك أن المملكة بوابة لابد من عبورها لتحقيق هذا الغرض. هذه العوامل ساهمت في إيجاد مساحة مشتركة كبيرة من التفاهم السياسي؛ ففرنسا عبرت عن تأييدها للتحالف العربي في حربه في اليمن، واتفاقها مع المملكة على ضرورة إيجاد حل سياسي للأزمة هناك، كما أن البلدين يدعمان الاستقرار في لبنان، وقد التقى الأمير محمد بن سلمان على هامش الزيارة رئيس الوزراء اللبناني سعد الحريري. وعبر البلدان عن دعمهما للحكومة العراقية ودعمهما للاستقرار في هذا البلد الذي يعاني الكثير من المصاعب والتدخلات الإقليمية التخريبية وخاصة من قبل إيران.
تحدث الأمير محمد بن سلمان بصراحة مع الرئيس الفرنسي حول معارضة بلاده للاتفاق النووي بالرغم من الموقف الفرنسي، وأشار في تصريح لافت إلى أن الاتفاق النووي يشبه اتفاق ميونيخ 1938 لمحاولة تجنب حرب في القارة الأوروبية ولكنه أدى في نهاية المطاف إلى إشعال الحرب العالمية الثانية، بينما عبر ماكرون عن تفهمه للقلق الذي أبداه ولي العهد، ولكن حتى في الموضوع الإيراني فإن فرنسا تشارك المملكة في معارضتها للبرنامج الصاروخي الباليستي الإيراني وكذلك معارضتها لدعم إيران لميليشيات إرهابية تنشر حالة عدم الاستقرار في المنطقة منها جماعة الحوثي وحزب الله وغيرهما، وأيضا معارضتها لتدخلات إيران في شؤون الدول العربية مما يخلف حالة من عدم الاستقرار. في الموضوع السوري الطرفان متفقان أن الحل في سورية يجب أن يقوم على عملية انتقال سياسي حقيقية، وأدانا استخدام النظام للأسلحة الكيماوية في دوما. واتفق الطرفان على الاستمرار في محاربة الإرهاب أينما وجد، وقد عبر الأمير محمد بن سلمان عن تأييده للعملية العسكرية التي تقودها فرنسا في دول الساحل والصحراء في أفريقيا لمحاربة الجماعات الإرهابية.
فرنسا وهي تواجه على مدى السنوات الماضية هجمات إرهابية، هي بحاجة إلى المملكة للاستفادة من تجربتها؛ لأن ماكرون عبر في أكثر من مناسبة أن مكافحة الإرهاب لا تتم فقط على مستوى أمني وعسكري وإنما عملية مستدامة تتم على مستوى الوعي والأيديولوجيا، وهذه الرؤية عبرت عنها المملكة خلال سنوات طويلة.
يمكننا القول إن زيارة ولي العهد الأمير محمد بن سلمان إلى باريس استطاعت بناء شراكة فرنسية ـ سعودية والدفع بها بخطوات ثابتة، سوف تكتمل فصولها عندما يزور ماكرون المملكة قبل نهاية هذا العام، وإذا ما وضعنا هذه الزيارة في إطار الجولة الغربية يمكننا القول إن شراكات المملكة مع الدول الكبرى قد وضعت المملكة لاعبا أساسيا على المسرح الدولي.
* كاتب عربي
ramialkhalife@