-A +A
إبراهيم إسماعيل كتبي
إذا سألت عن أخلاق الناس لسمعت شكوى عامة من تغير النفوس، وتراجع عادات وتقاليد عشنا عبقها مع أهلنا آباء وأجدادا وكانت حاكمة للصغير والكبير كحقوق وواجبات، وقيم الأسرة وأخلاق الحارة، واحترام الحقوق العامة والخاصة والتزام آداب الحوار، وجميعها من جوهر وتعاليم ديننا السمح الحنيف، ومن الحكم في ذلك «قبل أن تحدثني عن تعاليم الدين والقيم، دعني أراها في سلوكك»، و«البرتقالة لا يخرج منها سوى عصيرها وكذلك الإنسان يكون على ما نشأ وتربى».

خلاصة ما سبق أن الأخلاق والقيم أساس بناء المجتمع، والنسيج الاجتماعي لا يقوى إلا بالتعايش بين الجميع بغير سوء، وهذا هو التحدي الذي تواجهه البشرية في زمن الإنترنت من تغير هائل في الأخلاق العامة، وغلبة (الأنا) عند البعض والتحزب الفكري، وحروب داحس والغبراء على شبكات التواصل الإلكتروني التي تحولت إلى بيئة خصبة للشحناء والبغضاء، وكأن الحوار لغة ومبدأ لم يُعرف من قبل، مثلما يضيق التشدد والانغلاق ويجعل الصدور والعقول أضيق من سم الخياط، ناهيك عن الإرهاب الغادر الذي يسيء أولا إلى الدين الحنيف أكثر مما يسيء له الأعداء ويتزايد شرره في العالم، لولا حكمة الحكماء وحزم الحازمين في وأد شرور الفتن من بذورها وجذورها وتربتها.


الإسلام مدرسة عظيمة لثقافة الحياة السوية ونبع للقيم، وما أعظم تعاليمه السمحاء للتسامح والتراحم والترابط كالبنيان المرصوص يشد بعضه بعضا بالمودة والتراحم واحترام الرأي، ولكن للأسف باتت المجتمعات تشكو من تسرب القيم الأصيلة بمتغيرات هذا العصر، حتى تقنيات الاتصال والتواصل الاجتماعي والهواتف الذكية رغم نفعها، باتت تغتال التواصل الحقيقي وتسرق الوقت في العلم والعمل وتهدم الخصوصية.

إن سيرة الإنسان تعيش أكثر من عمره فهل نترك بصمة مضيئة لها. ألا يستحق ذلك وقفة صادقة لإعادة بناء وترتيب أولوياتنا ومسؤولياتنا التربوية؟ قال تعالى: «وقل اعملوا فسيرى الله عملكم ورسوله والمؤمنون». فاستقامة الحياة تقوم على الحرية المسؤولة، وفي الماضي كانت المجتمعات أكثر إدراكا لمعنى الحرية الاجتماعية المسؤولة، وعليها يربون الأبناء ويديرون شؤون الحياة، والاحترام في السلوك والكلمة والمظهر، وهذا الفهم للحرية نشأت عليه أجيال وأجيال قبل أن تفتح الدنيا أبواب العولمة، وانقلبت مفاهيم الحرية واختلط الجميل من القيم بالقبيح من الإساءات والمرفوض من الأقنعة الزائفة على الشبكة العنكبوتية.

لا حرية دون مسؤولية، وإلا تصبح مفسدة مطلقة، وغياب الحرية المسؤولة يعني تجاوز الضوابط الذاتية والأخلاق العامة وبكل ما ينظم الحقوق والواجبات، وفي الحديث الشريف «عاملوا الناس بمثل ما تحبوا أن تعاملوا» وتلك هي القواعد الأسمى للفضائل، وكما تقول العبارة الشهيرة «حريتك تنتهي عندما تبدأ حرية الآخرين» ودون ذلك يسود قانون الغاب بالفوضى وجهالات الفتن على شبكات التواصل ليست بخافية على أحد بكل اللغات.

بالقطع الأجيال الجديدة لا نلومها بالكامل، بل نلوم أولا التقصير في حقهم من الأسرة ومن المجتمع وحالة الفراغ النفسي والذهني حتى أصبح الكثيرون أسرى للعالم الافتراضي بكل مشاكله وسيئاته قبل إيجابياته التي لا نرى لها أثرا على الأخلاق وكسب المعرفة النافعة. كل هذا من صغائر الأمور وكبائرها ترتكب باسم الحرية، فهل أدرك هؤلاء حدودها ومعناها ومسؤوليتها أم سيظل مفهومها عند البعض حقا مطلقا على شبكات التواصل.

* كاتب سعودي