كان لانعقاد القمة العربية الأخيرة التي عرفت باسم قمة القدس بمدينة الظهران السعودية التي تعد الأقرب للخليج العربي دلالات عديدة، منها ما هو سياسي وتاريخي، ومنها ما هو اقتصادي واستراتيجي وجغرافي، وكان نجاح القمة التي شهدت أكبر حضور من زعماء العالم العربي منذ ما يزيد على العقود السبعة دليلاً دامغاً على نجاح الدبلوماسية السعودية في استضافة الدول العربية في هذا الملتقى السياسي الرفيع، وبرهاناً لا يقبل الشك على أن المملكة باتت عماد المنطقة العربية وثقلها الإقليمي، وهو ما يمهد لحقبة جديدة تقود فيها المملكة المنطقة وسط أجواء بالغة الحساسية والتعقيد.
لو نظرنا ببعض التعمق لاختيار مدينة الظهران لتنعقد فيها تلك القمة الدورية التي لا تزال تمثل رمزاً لوحدة العرب ونموذجاً لتماسكهم، فسنجد مجموعة من الرسائل التي لن يعجز عن قراءتها أي متابع للأحداث في المنطقة، فعلى المستوى الجغرافي تعتبر مدينة الظهران مدينة حدودية لا يفصلها عن إيران سوى 150 كيلومتراً من مياه الخليج العربي، وتاريخياً تعتبر مركزاً ثقافياً ضارب القدم يقدره كل من المثقفين والمؤرخين، وعلى المستوى الاقتصادي تعد الظهران المدينة الاقتصادية الأولى في المملكة والمعروفة بمدينة الاقتصاد والبترول، وعلى المستوى الحضاري والعمراني تعد المدينة السعودية الأولى عن جدارة في كونها الأكثر حداثة وتمدناً وتطوراً.
لقد عبرت المملكة لطهران وبوضوح عن قدرتها على حشد أي تحالف وقيادته وقتما ترغب في ذلك، وتعكس بوضوح الثقل الاقتصادي للمملكة الذي يسهل ترجمته لاستراتيجيات أمنية تصب في صالح المملكة وتضمن تفوقها، ولهذا يعتبر انعقاد تلك القمة بالقرب من أقرب نقطة لإيران بمثابة رسالة تحذيرية معبرة وواضحة من المملكة لإيران، كما أنها رسالة للنظام الخميني بأن القدس عربية وستظل عربية، وأن المملكة وانطلاقاً من تشرفها برعاية الحرمين الشريفين أحق وأولى من طهران برعاية ودعم كل ما يخص المقدسات الإسلامية.
مضمون الرسالة -من جهته- يبعث على التساؤل عن قدرة إيران على التصدي للمملكة، والتي تعد قارة بذاتها تطل بمساحات شاسعة على شواطئ البحر الأحمر والخليج العربي معاً، كما أنها تمثل ثقلاً إقليميا ودولياً يتجاوز بمراحل ما تملكه طهران في هذا السياق، كما يثير تساؤلاً إزاء تعويل إيران على دولة تكاد لا ترى على الخريطة بالعين المجردة، إنها رسالة واضحة للنظام الإيراني بأن يعيد قراءة المشهد مرة أخرى قبل أن يقرر سيقف في صف من وسيعادي من، من سيستطيع الاعتماد عليه ومن سيجني الويلات عليه وعلى شعبه إن قام بمعاداته.
لو استمر العبث الإيراني في إشعال المنطقة على هذا النحو فإن الأمر سيكون وبالاً عليهم إن آجلاً أو عاجلاً، ومن المرجح -بل ومن المؤكد- أن تفكك النظام الإيراني سيأتي من الداخل وليس من الخارج، أي من الإيرانيين أنفسهم، فمن قراءة المشهد في إيران خلال الفترة القليلة الماضية اتضح أن جموع الشعب الإيراني فيما يبدو في حالة غليان وهياج، مكتوم تارة ومنفجر تارات أخرى، إنهم ناقمون على النظام ومستاؤون منه، يريدون تغييره بعد أن تجرعوا مرارة الجوع والذل والهوان، يريدون إسقاطه بعد أن أذاقهم العذاب وانطلق معربداً بخيرات البلاد لصالح مغامراته السياسية الرعناء.
تملك المملكة الكثير من الخبرات السياسية والقدرات العسكرية والقوى الاقتصادية التي تمكنها من إدارة حربها مع النظام الإيراني الأخرق مهما طال أمد ذلك الصراع، فالسياسة السعودية تتميز بالتأني والصبر وطول البال، لكنها في المقابل عندما تضرب تُؤلم، وعندما تقرر تحسم أمرها، وعندما ترغب تنفذ على الفور، ولقد دفعت بعض الأنظمة العربية الحمقاء كنظام صدام ونظام القذافي ثمن معاداتهم وحماقاتهم ونزواتهم السياسية ضد المملكة، ولوقوفهم نداً لندٍ لها، وقد بدأوا بالعدوان فانتهى بهم المطاف للتفكك والتمزق على نحو يثير الأسى والحزن، فالثمن الباهظ لم تدفعه تلك الأنظمة التي انهارت فحسب، بل دفعته شعوبهم العزلاء المغلوبة على أمرها، دفعته من حاضرها ومن مستقبلها أيضاً، وهو أمر تتجنب المملكة حدوثه مرة أخرى ولا ترغب في تكراره، آملة أن يتوقف النزاع ويعود كل منهم إلى رشده.
* كاتب سعودي
mohammed@dr-mufti.com
لو نظرنا ببعض التعمق لاختيار مدينة الظهران لتنعقد فيها تلك القمة الدورية التي لا تزال تمثل رمزاً لوحدة العرب ونموذجاً لتماسكهم، فسنجد مجموعة من الرسائل التي لن يعجز عن قراءتها أي متابع للأحداث في المنطقة، فعلى المستوى الجغرافي تعتبر مدينة الظهران مدينة حدودية لا يفصلها عن إيران سوى 150 كيلومتراً من مياه الخليج العربي، وتاريخياً تعتبر مركزاً ثقافياً ضارب القدم يقدره كل من المثقفين والمؤرخين، وعلى المستوى الاقتصادي تعد الظهران المدينة الاقتصادية الأولى في المملكة والمعروفة بمدينة الاقتصاد والبترول، وعلى المستوى الحضاري والعمراني تعد المدينة السعودية الأولى عن جدارة في كونها الأكثر حداثة وتمدناً وتطوراً.
لقد عبرت المملكة لطهران وبوضوح عن قدرتها على حشد أي تحالف وقيادته وقتما ترغب في ذلك، وتعكس بوضوح الثقل الاقتصادي للمملكة الذي يسهل ترجمته لاستراتيجيات أمنية تصب في صالح المملكة وتضمن تفوقها، ولهذا يعتبر انعقاد تلك القمة بالقرب من أقرب نقطة لإيران بمثابة رسالة تحذيرية معبرة وواضحة من المملكة لإيران، كما أنها رسالة للنظام الخميني بأن القدس عربية وستظل عربية، وأن المملكة وانطلاقاً من تشرفها برعاية الحرمين الشريفين أحق وأولى من طهران برعاية ودعم كل ما يخص المقدسات الإسلامية.
مضمون الرسالة -من جهته- يبعث على التساؤل عن قدرة إيران على التصدي للمملكة، والتي تعد قارة بذاتها تطل بمساحات شاسعة على شواطئ البحر الأحمر والخليج العربي معاً، كما أنها تمثل ثقلاً إقليميا ودولياً يتجاوز بمراحل ما تملكه طهران في هذا السياق، كما يثير تساؤلاً إزاء تعويل إيران على دولة تكاد لا ترى على الخريطة بالعين المجردة، إنها رسالة واضحة للنظام الإيراني بأن يعيد قراءة المشهد مرة أخرى قبل أن يقرر سيقف في صف من وسيعادي من، من سيستطيع الاعتماد عليه ومن سيجني الويلات عليه وعلى شعبه إن قام بمعاداته.
لو استمر العبث الإيراني في إشعال المنطقة على هذا النحو فإن الأمر سيكون وبالاً عليهم إن آجلاً أو عاجلاً، ومن المرجح -بل ومن المؤكد- أن تفكك النظام الإيراني سيأتي من الداخل وليس من الخارج، أي من الإيرانيين أنفسهم، فمن قراءة المشهد في إيران خلال الفترة القليلة الماضية اتضح أن جموع الشعب الإيراني فيما يبدو في حالة غليان وهياج، مكتوم تارة ومنفجر تارات أخرى، إنهم ناقمون على النظام ومستاؤون منه، يريدون تغييره بعد أن تجرعوا مرارة الجوع والذل والهوان، يريدون إسقاطه بعد أن أذاقهم العذاب وانطلق معربداً بخيرات البلاد لصالح مغامراته السياسية الرعناء.
تملك المملكة الكثير من الخبرات السياسية والقدرات العسكرية والقوى الاقتصادية التي تمكنها من إدارة حربها مع النظام الإيراني الأخرق مهما طال أمد ذلك الصراع، فالسياسة السعودية تتميز بالتأني والصبر وطول البال، لكنها في المقابل عندما تضرب تُؤلم، وعندما تقرر تحسم أمرها، وعندما ترغب تنفذ على الفور، ولقد دفعت بعض الأنظمة العربية الحمقاء كنظام صدام ونظام القذافي ثمن معاداتهم وحماقاتهم ونزواتهم السياسية ضد المملكة، ولوقوفهم نداً لندٍ لها، وقد بدأوا بالعدوان فانتهى بهم المطاف للتفكك والتمزق على نحو يثير الأسى والحزن، فالثمن الباهظ لم تدفعه تلك الأنظمة التي انهارت فحسب، بل دفعته شعوبهم العزلاء المغلوبة على أمرها، دفعته من حاضرها ومن مستقبلها أيضاً، وهو أمر تتجنب المملكة حدوثه مرة أخرى ولا ترغب في تكراره، آملة أن يتوقف النزاع ويعود كل منهم إلى رشده.
* كاتب سعودي
mohammed@dr-mufti.com