بحوث إصلاحات التعليم، كانت أحد النواتج التي تضمنتها اتفاقية التعاون العلمي والتعليمي بين السعودية والمملكة المتحدة أثناء زيارة سمو ولي العهد الأمير محمد بن سلمان إلى لندن. وتأتي الشراكة مع بريطانيا في إصلاح التعليم لحلحلة قضية حساسة يؤمن بها أغلب إن لم يكن كل المهتمين والمتخصصين في التعليم، وذلك لأن إصلاح التعليم ليس قضية مهمة بالنسبة لنا فقط، ولكنه همّ عالمي مُشترك اتفقت عليه أغلب الأمم، وكثير من الدول قامت بربط التنمية الاقتصادية بالإصلاح التعليمي. ولعل بريطانيا وأمريكا من أوائل الدول التي استشعرت أهمية الإصلاحات في مجالات التعليم بشقيه العام والعالي، بل واعتبرته أمنا وطنيا.
فأمريكا ابتدأت به عام 1983 من خلال هيئة مستقلة وقد قدمت دراستها وتقريرها بعنوان «أمة في خطر» إلى الرئيس ريغان تحت مظلة عامة تحمل لافتة «إصلاح التعليم والأمن القومي» ثم تمت دراسته مرة أخرى عام 2012 بقيادة المستشارة كونداليزا رايس وكان الباعث لكل ذلك هو التحذير من أن الفشل في تعليم الطلاب يجعلهم غير مؤهلين ولا جاهزين للمنافسة في سوق العمل وبشكل أكبر يُهدّد مقدرة الدولة في النماء ويقوُّض دورها في الاقتصاد العالمي ويُهدِّد مقدرتها في الإبقاء على دورها الريادي. هذا التحذير جاء نتيجة قراءة مباشرة للإحصاءات القومية الإجمالية على مستوى الدولة وذلك على الرغم من وجود العديد من حالات النجاح في المؤسسات التعليمية. أما في بريطانيا فكان قانون إصلاح التعليم لعام 1988 الذي تم اعتباره أهم التشريعات التعليمية منذ الحرب العالمية الثانية، وقد تمخض عن هذا القانون العديد من الإصلاحات التي مسّت جوهر التعليم البريطاني وانتشلته من أزمته ونقلته نقلة نوعية لاحقاً.
بدورها فإن الثورة التقنية واتصال العالم ببعضه قد جلبا العديد من الضغوطات والصعوبات للأنظمة التعليمية؛ فمن الضغوط التي تواجه التعليم العالي طبيعة المنافسة الناجمة عن العولمة، وضغوط التوظيف، وكذلك ارتفاع تكاليف الدراسة، إضافة إلى القيمة الحقيقية للشهادات العلمية وأخيراً توفير التخصصات والمحاضرات والدورات من خلال الإنترنت. من العناصر التي تم اقتراحها مؤخراً والتي يجب تضمينها في أي عملية إصلاح للنظام التعليمي: إصلاح مبادئ التعليم وأولوياته، آليات التحوّل إلى تعلُّم لمدى الحياة، تعديل أدوار المعلم الإدارية، مُبادرات التمويل والشراكات المجتمعية وعلاقة المسؤوليات والنتائج.
ولأن الهدف النهائي من التعليم هو تمكين الطلاب والمواطنين من أجل توفير الحياة الكريمة وتقوية المجتمع، فإن هذا لا يتحقق إلا من خلال التعامل بشفافية ورؤية واضحة ومنهجية علمية مع محاور في غاية الأهمية مثل: كيفية تجهيز الوظائف الحالية، إمكانية التجهيز للسياسات والمشاركة السياسية، آليات غرس الوعي الاجتماعي والثقافي والاقتصادي، وحتى كيفية التجهيز للوظائف المستقبلية. لكن من المهم معرفة أن أيّ إصلاح حقيقي للتعليم لا ينجح إلا بوجود إرادة سياسية في المقام الأول ودعم مجتمعي. هذا الدعم ينبع بالضرورة من احتياجات المجتمع ومن استيعاب كبير للتغيُّرات العالمية ويستوجب كذلك استحضار الممارسات الناجحة والمفاهيم الحديثة والاتجاهات المستقبلية خصوصا في التعليم العالي.
ولعل من حسن الحظ أو التخطيط معاً أن يتسنم الدكتور أحمد العيسى الذي كتب عن «إصلاح التعليم في السعودية» رأس الهرم في وزارة التعليم وهو الذي تناول قضية إصلاح النظام التعليمي لدينا تناولاً نقدياً، وعرض الأسباب الرئيسية التي تعيق مشاريع إصلاح النظام التعليمي وتقف وراء إخفاقه. في الاتجاه الآخر، يتحرك التعليم العالي نحو مزيد من التكامل بين أضلاعه الرئيسة والتنسيق والتناغم بين أدواره الأساسية، ونعني بها: إنتاج المعرفة ونشرها، تطوير المهارات، غرس المُوَاطَنة وتعزيزها وخلق الوظائف. هذه المفاهيم والاتجاهات تلقى قبولاً كبيراً في أنظمة وخبراء التعليم العالي. ففي نهاية المطاف، فإن أي خلل في عمل أي دور من هذه الأدوار أو غياب التنسيق مع الأدوار الأخرى لن يؤدي إلى الهدف النهائي وهو تعزيز الترابط والوعي الاجتماعي، وتقوية الفطنة الفكرية والسياسية، وتنمية الاكتفاء الذاتي الاقتصادي لدى المواطن.
من الكلمات المشهورة للرئيس الأمريكي جون كينيدي التي تُستحضر عند الحديث عن أهمية إصلاح التعليم قوله: إنه لا يمكن أن يكون تقدمنا كأمة أسرع من تقدمنا في التعليم. العقل البشري هو موردنا الأساسي.
* كاتب سعودي
Dr__Melfi@
فأمريكا ابتدأت به عام 1983 من خلال هيئة مستقلة وقد قدمت دراستها وتقريرها بعنوان «أمة في خطر» إلى الرئيس ريغان تحت مظلة عامة تحمل لافتة «إصلاح التعليم والأمن القومي» ثم تمت دراسته مرة أخرى عام 2012 بقيادة المستشارة كونداليزا رايس وكان الباعث لكل ذلك هو التحذير من أن الفشل في تعليم الطلاب يجعلهم غير مؤهلين ولا جاهزين للمنافسة في سوق العمل وبشكل أكبر يُهدّد مقدرة الدولة في النماء ويقوُّض دورها في الاقتصاد العالمي ويُهدِّد مقدرتها في الإبقاء على دورها الريادي. هذا التحذير جاء نتيجة قراءة مباشرة للإحصاءات القومية الإجمالية على مستوى الدولة وذلك على الرغم من وجود العديد من حالات النجاح في المؤسسات التعليمية. أما في بريطانيا فكان قانون إصلاح التعليم لعام 1988 الذي تم اعتباره أهم التشريعات التعليمية منذ الحرب العالمية الثانية، وقد تمخض عن هذا القانون العديد من الإصلاحات التي مسّت جوهر التعليم البريطاني وانتشلته من أزمته ونقلته نقلة نوعية لاحقاً.
بدورها فإن الثورة التقنية واتصال العالم ببعضه قد جلبا العديد من الضغوطات والصعوبات للأنظمة التعليمية؛ فمن الضغوط التي تواجه التعليم العالي طبيعة المنافسة الناجمة عن العولمة، وضغوط التوظيف، وكذلك ارتفاع تكاليف الدراسة، إضافة إلى القيمة الحقيقية للشهادات العلمية وأخيراً توفير التخصصات والمحاضرات والدورات من خلال الإنترنت. من العناصر التي تم اقتراحها مؤخراً والتي يجب تضمينها في أي عملية إصلاح للنظام التعليمي: إصلاح مبادئ التعليم وأولوياته، آليات التحوّل إلى تعلُّم لمدى الحياة، تعديل أدوار المعلم الإدارية، مُبادرات التمويل والشراكات المجتمعية وعلاقة المسؤوليات والنتائج.
ولأن الهدف النهائي من التعليم هو تمكين الطلاب والمواطنين من أجل توفير الحياة الكريمة وتقوية المجتمع، فإن هذا لا يتحقق إلا من خلال التعامل بشفافية ورؤية واضحة ومنهجية علمية مع محاور في غاية الأهمية مثل: كيفية تجهيز الوظائف الحالية، إمكانية التجهيز للسياسات والمشاركة السياسية، آليات غرس الوعي الاجتماعي والثقافي والاقتصادي، وحتى كيفية التجهيز للوظائف المستقبلية. لكن من المهم معرفة أن أيّ إصلاح حقيقي للتعليم لا ينجح إلا بوجود إرادة سياسية في المقام الأول ودعم مجتمعي. هذا الدعم ينبع بالضرورة من احتياجات المجتمع ومن استيعاب كبير للتغيُّرات العالمية ويستوجب كذلك استحضار الممارسات الناجحة والمفاهيم الحديثة والاتجاهات المستقبلية خصوصا في التعليم العالي.
ولعل من حسن الحظ أو التخطيط معاً أن يتسنم الدكتور أحمد العيسى الذي كتب عن «إصلاح التعليم في السعودية» رأس الهرم في وزارة التعليم وهو الذي تناول قضية إصلاح النظام التعليمي لدينا تناولاً نقدياً، وعرض الأسباب الرئيسية التي تعيق مشاريع إصلاح النظام التعليمي وتقف وراء إخفاقه. في الاتجاه الآخر، يتحرك التعليم العالي نحو مزيد من التكامل بين أضلاعه الرئيسة والتنسيق والتناغم بين أدواره الأساسية، ونعني بها: إنتاج المعرفة ونشرها، تطوير المهارات، غرس المُوَاطَنة وتعزيزها وخلق الوظائف. هذه المفاهيم والاتجاهات تلقى قبولاً كبيراً في أنظمة وخبراء التعليم العالي. ففي نهاية المطاف، فإن أي خلل في عمل أي دور من هذه الأدوار أو غياب التنسيق مع الأدوار الأخرى لن يؤدي إلى الهدف النهائي وهو تعزيز الترابط والوعي الاجتماعي، وتقوية الفطنة الفكرية والسياسية، وتنمية الاكتفاء الذاتي الاقتصادي لدى المواطن.
من الكلمات المشهورة للرئيس الأمريكي جون كينيدي التي تُستحضر عند الحديث عن أهمية إصلاح التعليم قوله: إنه لا يمكن أن يكون تقدمنا كأمة أسرع من تقدمنا في التعليم. العقل البشري هو موردنا الأساسي.
* كاتب سعودي
Dr__Melfi@