استبقت إيران الخروج المتوقع من قبل الولايات المتحدة من الاتفاق النووي، بالقول بأنها باقية في هذا الاتفاق ما بقي الأطراف الأخرى، مع إطلاق تصريحات على مستويين؛ الأول للولايات المتحدة والآخر لجميع الأطراف الإقليمية وبالطبع للدول الخمس الباقية في الاتفاقية.
وجود الخطابين بداية يوحي للبعض بأن هناك بالفعل محافظين وإصلاحيين في إيران، وأن نقض الاتفاق يعني عودة المحافظين المتشددين للحكم، وبالتالي يحرقون العلم الأمريكي والاتفاق النووي داخل البرلمان، في مسرحية هزلية، خصوصا إذا ما عدنا بالذاكرة قليلا وتذكرنا صور «السيلفي» بين نواب نفس البرلمان ووزيرة خارجية الاتحاد الأوروبي السيدة فيدريكا موغريني، مما يعني أنه تيار محافظ صيفا وتقدمي شتاء.
والحديث عن وجود خطابين وتيارين متنافسين في إيران، كان من أكبر الحجج التي ساقتها إدارة أوباما، لتقول إن الاتفاق النووي فرصة لضم إيران إلى حظيرة العالم الطبيعي، وإعطاء رسالة لطهران مفادها أنها قد تحقق بالدبلوماسية ما اعتقدت أنها قد تحصل عليه بالسلاح النووي.
والمشكلة في هذا الطرح الفهم الناقص لفكرة التيارين في إيران، فأولاً هناك صلاحيات اقتصادية وعسكرية وسياسية محصورة بخامنئي، ولا يتدخل فيها أي تيار يحكم، كما أن هناك دولة أكبر من الدولة وهي دولة الحرس الثوري، والذي عادة ما تكون ميزانيته بحجم ميزانية الدولة، وهذا الحرس الثوري يسير في مشاريعه الإقليمية وتطوير الصواريخ، وكأن الاتفاق لا يعنيه، ولهذا شهدت السنوات الثلاث بعد الاتفاق مزيدا من التمويل والتسليح للميليشيات التابعة لإيران في العالم العربي.
وعودة إلى الخطابين الصادرين من إيران، فإن هناك الخطاب الناعم الذي يوحي للعالم بأنها دولة ديموقراطية تلتزم باتفاقيتها، وتنكر مخالفتها لما ورد في الاتفاق النووي، وتؤكد أنها التزمت بعدم مخالفة بنود خفض التخصيب، وهو الخطاب الذي يتناول الحاجة الاقتصادية الإيرانية والمنفعة الأوروبية معا، ولكنه يتصادم مع الخطاب الإيراني الآخر والأكثر عقلانية، والذي يقول أنه في حقيقة الأمر «أن الأوروبيين أضعف من أن يتصدوا لعواقب خروج واشنطن من الاتفاق».
ولهذا يتسم الخطاب الموجه للولايات المتحدة بالعنف الذي يأمل أن يكون تهديدا للولايات المتحدة للتراجع عن مزيد من العقوبات الاقتصادية، وقد قال علي لاريجاني رئيس البرلمان الإيراني «يجب التحدث مع الأمريكيين بلغة القوة فقط ولا يوجد حل آخر».
ولهذا السؤال عن ما هي خيارات إيران بعد خروج واشنطن من الاتفاق النووي؟ وهذا يتبين من الوضع الاقتصادي ومن الصفقات التي تمت خلال السنوات الثلاث مع الشركات الأوروبية، وبالعودة إلى نتائج الاتفاق النووي، نجد أن الاقتصاد الإيراني شهد نموا بما يقارب 6% في العام الأول، وبعد نحو ثلاث سنوات يقترب النمو من 12.5%، مما يعطي دلالة لحجم الضغط الذي كانت تمثله العقوبات، وبالتالي حجم الانهيار المتوقع مع عودة العقوبات في نوفمبر القادم، أو حتى قبل ذلك في موعد مراجعة العقوبات الأمريكية بعد شهرين.
كما أن معظم الصفقات التي قامت بها إيران، كانت تشير إلى حجم تخلف إيران عن ركب التقنية، فاحتاجت أن توقع صفقة مع شركة توتال النفطية الفرنسية، لتطوير ورفع كفاءة تقنيات استخراج وتكرير النفط، كما أن الصفقات تشير إلى النقص الكبير في الطائرات المدنية وقدم الطائرات الموجودة، ولهذا تسابق إيران الزمن ذعرا من العقوبات، ومثال ذلك تصريح «أصغر فخرية كاشان»، كبير مستشاري وزير الطرق بأن طهران تتواصل مع شركة «إيرباص الأوروبية» المنتجة للطائرات في محاولة لإنجاز الصفقة، حتى الوقت المحدود المتاح قبل عودة العقوبات.
كل هذه المؤشرات الاقتصادية، إضافة للانهيار الكبير في الريال الإيراني، يعني بالنتيجة محدودية الخيارات العسكرية، لأن إيران لن تتحمل حربا مباشرة، لا تمتلك حتى قدرة بيعها على الشعب، كما أن إيران وعت منذ نهاية الحرب مع صدام حسين، أنها لن تقوم بحرب مباشرة، وأن الميليشيات العربية التابعة ستقوم بما يكفي للحرب بالوكالة، وبالتالي الحديث عن حرب ليس إلا دعاية من أطراف موالية لإيران ضمن الخطاب الذي يسعى لإيقاف العقوبات الأمريكية.
ما زاد من مشكلة إيران قبل خروج واشنطن من الاتفاق، أن كوريا الشمالية قررت أن تصبح دولة غير نووية، وهذا يضع إيران في الزاوية أكثر، كما أن الضربة الأمريكية الفرنسية البريطانية لسورية، كانت رسالة واضحة لطهران حول مشروعها في سورية، والرسالة الضمنية في هذه الضربة أن روسيا لن تحمي المصالح الإيرانية، وأن وجود روسيا في سورية مرتبط بمصالح موسكو ومقاربتها مع الدول الكبرى.
هذا الأمر تأكد بعد عودة نتنياهو من موسكو، وقيام الطائرات الإسرائيلية بإطلاق 100 صاروخ على أهداف إيرانية في سورية، مما دمر البنية التحتية الإيرانية في سورية، وهو الأمر الذي يمنع إيران من تحريك حزب الله في حرب مباشرة مع إسرائيل، ليس لأنها تريد أن تحمي المكاسب السياسية من الانتخابات الأخيرة فقط، ولكن لأنها لو فعلت ذلك ستقتل فرصة بقاء أي طرف أوروبي في الاتفاق النووي.
* إعلامي وكاتب سعودي
وجود الخطابين بداية يوحي للبعض بأن هناك بالفعل محافظين وإصلاحيين في إيران، وأن نقض الاتفاق يعني عودة المحافظين المتشددين للحكم، وبالتالي يحرقون العلم الأمريكي والاتفاق النووي داخل البرلمان، في مسرحية هزلية، خصوصا إذا ما عدنا بالذاكرة قليلا وتذكرنا صور «السيلفي» بين نواب نفس البرلمان ووزيرة خارجية الاتحاد الأوروبي السيدة فيدريكا موغريني، مما يعني أنه تيار محافظ صيفا وتقدمي شتاء.
والحديث عن وجود خطابين وتيارين متنافسين في إيران، كان من أكبر الحجج التي ساقتها إدارة أوباما، لتقول إن الاتفاق النووي فرصة لضم إيران إلى حظيرة العالم الطبيعي، وإعطاء رسالة لطهران مفادها أنها قد تحقق بالدبلوماسية ما اعتقدت أنها قد تحصل عليه بالسلاح النووي.
والمشكلة في هذا الطرح الفهم الناقص لفكرة التيارين في إيران، فأولاً هناك صلاحيات اقتصادية وعسكرية وسياسية محصورة بخامنئي، ولا يتدخل فيها أي تيار يحكم، كما أن هناك دولة أكبر من الدولة وهي دولة الحرس الثوري، والذي عادة ما تكون ميزانيته بحجم ميزانية الدولة، وهذا الحرس الثوري يسير في مشاريعه الإقليمية وتطوير الصواريخ، وكأن الاتفاق لا يعنيه، ولهذا شهدت السنوات الثلاث بعد الاتفاق مزيدا من التمويل والتسليح للميليشيات التابعة لإيران في العالم العربي.
وعودة إلى الخطابين الصادرين من إيران، فإن هناك الخطاب الناعم الذي يوحي للعالم بأنها دولة ديموقراطية تلتزم باتفاقيتها، وتنكر مخالفتها لما ورد في الاتفاق النووي، وتؤكد أنها التزمت بعدم مخالفة بنود خفض التخصيب، وهو الخطاب الذي يتناول الحاجة الاقتصادية الإيرانية والمنفعة الأوروبية معا، ولكنه يتصادم مع الخطاب الإيراني الآخر والأكثر عقلانية، والذي يقول أنه في حقيقة الأمر «أن الأوروبيين أضعف من أن يتصدوا لعواقب خروج واشنطن من الاتفاق».
ولهذا يتسم الخطاب الموجه للولايات المتحدة بالعنف الذي يأمل أن يكون تهديدا للولايات المتحدة للتراجع عن مزيد من العقوبات الاقتصادية، وقد قال علي لاريجاني رئيس البرلمان الإيراني «يجب التحدث مع الأمريكيين بلغة القوة فقط ولا يوجد حل آخر».
ولهذا السؤال عن ما هي خيارات إيران بعد خروج واشنطن من الاتفاق النووي؟ وهذا يتبين من الوضع الاقتصادي ومن الصفقات التي تمت خلال السنوات الثلاث مع الشركات الأوروبية، وبالعودة إلى نتائج الاتفاق النووي، نجد أن الاقتصاد الإيراني شهد نموا بما يقارب 6% في العام الأول، وبعد نحو ثلاث سنوات يقترب النمو من 12.5%، مما يعطي دلالة لحجم الضغط الذي كانت تمثله العقوبات، وبالتالي حجم الانهيار المتوقع مع عودة العقوبات في نوفمبر القادم، أو حتى قبل ذلك في موعد مراجعة العقوبات الأمريكية بعد شهرين.
كما أن معظم الصفقات التي قامت بها إيران، كانت تشير إلى حجم تخلف إيران عن ركب التقنية، فاحتاجت أن توقع صفقة مع شركة توتال النفطية الفرنسية، لتطوير ورفع كفاءة تقنيات استخراج وتكرير النفط، كما أن الصفقات تشير إلى النقص الكبير في الطائرات المدنية وقدم الطائرات الموجودة، ولهذا تسابق إيران الزمن ذعرا من العقوبات، ومثال ذلك تصريح «أصغر فخرية كاشان»، كبير مستشاري وزير الطرق بأن طهران تتواصل مع شركة «إيرباص الأوروبية» المنتجة للطائرات في محاولة لإنجاز الصفقة، حتى الوقت المحدود المتاح قبل عودة العقوبات.
كل هذه المؤشرات الاقتصادية، إضافة للانهيار الكبير في الريال الإيراني، يعني بالنتيجة محدودية الخيارات العسكرية، لأن إيران لن تتحمل حربا مباشرة، لا تمتلك حتى قدرة بيعها على الشعب، كما أن إيران وعت منذ نهاية الحرب مع صدام حسين، أنها لن تقوم بحرب مباشرة، وأن الميليشيات العربية التابعة ستقوم بما يكفي للحرب بالوكالة، وبالتالي الحديث عن حرب ليس إلا دعاية من أطراف موالية لإيران ضمن الخطاب الذي يسعى لإيقاف العقوبات الأمريكية.
ما زاد من مشكلة إيران قبل خروج واشنطن من الاتفاق، أن كوريا الشمالية قررت أن تصبح دولة غير نووية، وهذا يضع إيران في الزاوية أكثر، كما أن الضربة الأمريكية الفرنسية البريطانية لسورية، كانت رسالة واضحة لطهران حول مشروعها في سورية، والرسالة الضمنية في هذه الضربة أن روسيا لن تحمي المصالح الإيرانية، وأن وجود روسيا في سورية مرتبط بمصالح موسكو ومقاربتها مع الدول الكبرى.
هذا الأمر تأكد بعد عودة نتنياهو من موسكو، وقيام الطائرات الإسرائيلية بإطلاق 100 صاروخ على أهداف إيرانية في سورية، مما دمر البنية التحتية الإيرانية في سورية، وهو الأمر الذي يمنع إيران من تحريك حزب الله في حرب مباشرة مع إسرائيل، ليس لأنها تريد أن تحمي المكاسب السياسية من الانتخابات الأخيرة فقط، ولكن لأنها لو فعلت ذلك ستقتل فرصة بقاء أي طرف أوروبي في الاتفاق النووي.
* إعلامي وكاتب سعودي