في اليابان تأخر قطار 25 ثانية فقط فاعتذرت الشركة المشغلة عن ما سببته هذه الثواني من الإزعاج، ومن قبل ذلك بأشهر وفي اليابان أيضا تحرك قطار قبل موعده لعدة ثوان، فكان ذلك في نظر اليابانيين عارا على بلادهم.
هذا التأخير والتقديم غير المقصود لثوانٍ معدودة عند اليابانيين وأمثالهم هي في نظر شعوب كثيرة لا تعني مشكلة، ولا تفرق كثيرا عند المسؤولين ولا الناس، ولذلك تتأخر طائرات وقطارات وباصات وإدارات لدقائق وأكثر دون اكتراث حتى وإن انزعج الركاب والمراجعون، وهذا أصل المشكلة عندما يعتاد الفرد أو المسؤول أو المجتمع عامة على تأخير الموعد.
أيضا في تلك المجتمعات يحترمون أشياء كثيرة كحقوق وواجبات على المستوى الشخصي والعام، كالمحافظة على النظافة في الشوارع التي تعكس سلوكياتهم الحضارية صغارا وكبارا، والسلوكيات المرورية في انضباط دقيق بعضنا لا يطيق عليه صبرا في مجتمعاتنا. وفي حالة كهذه من الالتزام الدقيق يكون الفرد جزءا من المجتمع وقوانينه وأنظمته، ويعيشون بروح الجماعة فلا تتعارض المصلحة الخاصة مع العامة ولا هذه على حساب تلك، ولا تطغى (الأنا) والتجاوز على الغير وحقوقهم، لأن في يقينهم وقناعتهم أن الإضرار بالغير وبالمصلحة العامة في العمل والخدمات سيدفع الفرد ثمنها، وفيه إساءة للشخص أولا ولجهة العمل بل لبلادهم.
أين نحن من كل ذلك في مجتمعاتنا حيث الانضباط آخر ما يلفت الاهتمام بل أحيانا يصبح الالتزام عبئا ثقيلا ناهيك عن المخالفات، فلا تردعها إلا عقوبات ودونها يتجرأ من يتجرأ ويتحايل من يتحايل على الأنظمة وقواعد المرور ووقت الدوام، ناهيك عن النظافة العامة للشوارع، وفي ذلك حدث ولا حرج في سلوكيات لا تحترم النظافة العامة وتجعل شوارعنا وكأنها بحاجة إلى عامل وسيارة نظافة على مدار الساعة.
عودة إلى الوقت وثقافته الغائبة التي لا تحرك ساكنا، ومن ذلك ما يحدث في الاجتماعات من تأخر البعض رغم تحديد المكان والتوقيت، فتبدأ الاجتماعات بغير انضباط، والذي تأخر لا يعرف ما أثير في أول الاجتماع وموضوعاته، فإما أن يعاد الحديث حتى يكون في الصورة ويضيع الوقت في التكرار، أو يصبح الأمر مجرد حضور والسلام.
القضية هنا ليست فقط في الوقت إنما في قيمة الانضباط والجدية والدقة التي تضيف فائدة، والعالم بات يحسب الوقت بالثانية، وضياعها سدى يعني خسارة في الإنجاز ومصالح كثيرة، وللأسف إذا حسبنا الهدر في أوقات الدوام على مدار العام وعلى مستوى جميع الأجهزة وفي القطاع الخاص سنجد ملايين الساعات تضيع سدى بين تأخير وتزويغ وتأخير مصالح الناس ومعاملات المراجعين، وكذلك الطلاب والطالبات في الدراسة الذين يؤجلون عمل اللحظة واليوم إلى الغد وربما إلى بعد غد أو ما لا نهاية.
هذه الظاهرة إشكالية كبيرة وهي ليست مجرد إهمال وعدم انضباط إنما في محصلتها تعد مظهرا لفساد شخصي في حق مصالح خاصة وعامة، مع أن العبادات الإسلامية مقرونة بتوقيتات دقيقة ومع ذلك لا نرى أثرا لها في تفاصيل الحياة وثقافة الوقت.
الأمم التي تقدمت أدركت أن السر يكمن في الوقت وبناء العقل والانضباط وروح الإنجاز، ومثل هذه الثقافة تبدأ من البيت ثم في صروح التعليم وبالتالي ميدان العمل، وإهمال هذه الثقافة وغياب القدوة فيها يصبح حرثا في البحر. قال تعالى «إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم».
* كاتب سعودي
هذا التأخير والتقديم غير المقصود لثوانٍ معدودة عند اليابانيين وأمثالهم هي في نظر شعوب كثيرة لا تعني مشكلة، ولا تفرق كثيرا عند المسؤولين ولا الناس، ولذلك تتأخر طائرات وقطارات وباصات وإدارات لدقائق وأكثر دون اكتراث حتى وإن انزعج الركاب والمراجعون، وهذا أصل المشكلة عندما يعتاد الفرد أو المسؤول أو المجتمع عامة على تأخير الموعد.
أيضا في تلك المجتمعات يحترمون أشياء كثيرة كحقوق وواجبات على المستوى الشخصي والعام، كالمحافظة على النظافة في الشوارع التي تعكس سلوكياتهم الحضارية صغارا وكبارا، والسلوكيات المرورية في انضباط دقيق بعضنا لا يطيق عليه صبرا في مجتمعاتنا. وفي حالة كهذه من الالتزام الدقيق يكون الفرد جزءا من المجتمع وقوانينه وأنظمته، ويعيشون بروح الجماعة فلا تتعارض المصلحة الخاصة مع العامة ولا هذه على حساب تلك، ولا تطغى (الأنا) والتجاوز على الغير وحقوقهم، لأن في يقينهم وقناعتهم أن الإضرار بالغير وبالمصلحة العامة في العمل والخدمات سيدفع الفرد ثمنها، وفيه إساءة للشخص أولا ولجهة العمل بل لبلادهم.
أين نحن من كل ذلك في مجتمعاتنا حيث الانضباط آخر ما يلفت الاهتمام بل أحيانا يصبح الالتزام عبئا ثقيلا ناهيك عن المخالفات، فلا تردعها إلا عقوبات ودونها يتجرأ من يتجرأ ويتحايل من يتحايل على الأنظمة وقواعد المرور ووقت الدوام، ناهيك عن النظافة العامة للشوارع، وفي ذلك حدث ولا حرج في سلوكيات لا تحترم النظافة العامة وتجعل شوارعنا وكأنها بحاجة إلى عامل وسيارة نظافة على مدار الساعة.
عودة إلى الوقت وثقافته الغائبة التي لا تحرك ساكنا، ومن ذلك ما يحدث في الاجتماعات من تأخر البعض رغم تحديد المكان والتوقيت، فتبدأ الاجتماعات بغير انضباط، والذي تأخر لا يعرف ما أثير في أول الاجتماع وموضوعاته، فإما أن يعاد الحديث حتى يكون في الصورة ويضيع الوقت في التكرار، أو يصبح الأمر مجرد حضور والسلام.
القضية هنا ليست فقط في الوقت إنما في قيمة الانضباط والجدية والدقة التي تضيف فائدة، والعالم بات يحسب الوقت بالثانية، وضياعها سدى يعني خسارة في الإنجاز ومصالح كثيرة، وللأسف إذا حسبنا الهدر في أوقات الدوام على مدار العام وعلى مستوى جميع الأجهزة وفي القطاع الخاص سنجد ملايين الساعات تضيع سدى بين تأخير وتزويغ وتأخير مصالح الناس ومعاملات المراجعين، وكذلك الطلاب والطالبات في الدراسة الذين يؤجلون عمل اللحظة واليوم إلى الغد وربما إلى بعد غد أو ما لا نهاية.
هذه الظاهرة إشكالية كبيرة وهي ليست مجرد إهمال وعدم انضباط إنما في محصلتها تعد مظهرا لفساد شخصي في حق مصالح خاصة وعامة، مع أن العبادات الإسلامية مقرونة بتوقيتات دقيقة ومع ذلك لا نرى أثرا لها في تفاصيل الحياة وثقافة الوقت.
الأمم التي تقدمت أدركت أن السر يكمن في الوقت وبناء العقل والانضباط وروح الإنجاز، ومثل هذه الثقافة تبدأ من البيت ثم في صروح التعليم وبالتالي ميدان العمل، وإهمال هذه الثقافة وغياب القدوة فيها يصبح حرثا في البحر. قال تعالى «إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم».
* كاتب سعودي