لعل الإمارات هي من الدول القليلة في العالم العربي والإسلامي التي بدأت عملياً تنفيذ إستراتيجية تجديد الخطاب الديني، فأبوظبي اليوم عازمة على الضلوع في هذه المهمة الكبيرة، مما يجعلنا نطرح السؤال التالي: لماذا هي من دون بقية الدول تبرز في هذا الجانب فيما الآخرون يتحدثون ولا يفعلون شيئا ذا بال؟ إنه سؤال علينا طرحه في هذا السياق تعزيزاً لهذا الدور، واستنهاضاً لهمم الآخرين الذي يكتفون بإلقاء السمع فقط، إن المرء لا يسعه في حال كهذه سوى أن يكون مع أية خطوة تستهدف موضوع التجديد الفكري في الخطاب الديني، لتعيد إلينا إسلامنا المخطوف في روح نصوص كتابنا الحكيم. شخصياً، أرى أنني في صميم الداعمين للمجهودات التي يقوم بها الشيخ عبدالله بن بيه في أبوظبي عبر (منتدى تعزيز السلم في المجتمعات المسلمة)، وهو العلاّمة الموسوعي المعرفة الذي اختارته جامعة (جورج واشنطن) عام 2009 ليكون الشخص الأكثر تأثيراً بين خمسين شخصية على مستوى العالم، والدعم موصول إلى ما تقدمه هيئة أبوظبي للإعلام من مجهودات معرفية وثقافية لافتة، رافدة لإستراتيجية تجديد الخطاب الديني، خصوصاً في هذه المرحلة الفاصلة على مستوى المنطقة والعالم العربي الإسلامي، وأخص بالذكر برنامج (لعلهم يعقلون) الذي يستضيف المفكر والباحث الإسلامي الدكتور محمد شحرور، رغم الحملة الغامضة وغير المنصفة التي تعرض للبرنامج والقائمين عليه، مما يدل على أنه ما زال هنالك فكر مغلق لا يريد أن يستمع إلى قراءات جديدة للنصوص الدينية، ولا يريد أن يستمع إلى الآخر لمعرفة ما عنده، وهذه لعمري كارثة، لماذا لا نستمع ونتأمل ونرد بالحجة والمنطق والعقل على هذا البرنامج وشبيهه من برامج؟ إن الحرص على عدم قبول رأي الآخر المختلف، يعدُّ مرضاً مستعصياً لا يمكن معه أن تسجل المجتمعات البشرية أية خطوة إلى الإمام، وكأننا لا نريد أن نزداد وعياً ومعرفة، ونحن نعلم أن ارتفاع نسبة المعرفة والوعي لدى أفراد المجتمع، يشكل قوة ضغط شديدة في وجه التطرف الديني واحتكار العلم، فالمتطرفون هؤلاء غالباً ما يكونون بجهلهم على خلاف ما جاء به الدين الإسلامي الحنيف وشريعته السمحة، يعرفهم المرءُ جيداً من خلال خروجهم على ضوابط العمل الدعوي وتفلّتهم من معاييره الملزمة، ولم يحدث أن أخذ أي من هؤلاء الدعاة يوماً مقتضيات العصر والراهن المتحرك في ما يصدرونه من خطاب إلى الناس.
إن المجتمعات المستنيرة وعياً ومعرفةً كالتي ننتظرها ونسعة لنكونها، هي بالتأكيد مجتمعات طاردة للتطرف والتعصب الديني، ولن تكون بحال ملاذاً للإسلام السياسي أو الإسلام المؤدلج الذي يريد العمل وفقا لبرامج بعينها مسبقة الصنع. في الوقت ذاته، المجتمعات المستنيرة لن تكون جمعية نفع للدعاة الأميين الذين يسطحون الدين ورسالته، ويتقولون عليه ويفترون، أولئك على ما يبدون عليه من بساطة متصنعة، فإنهم يرفضون المناقشة والمحاججة في ما يعتقدون أنه حقائق دينية مسلمة، ولا حتى إذا ما قرأت عليهم (إدع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة، وجادلهم بالتي هي أحسن، إن ربك هو أعلم بمن ضلَّ عن سبيله، وهو أعلم بالمهتدين.. الآية). بالمقابل، ما الذي يراد بنا في المجتمعات الإسلامية؟ أيراد بنا أن نكون جهلاء لا نعلم شيئاً من ديننا الصحيح والسليم؟ أم يراد بنا أن نتلقى ما يُلقى إلينا صباح مساء من دعاة، إما أن يكونوا أميين يأخذون بظاهر النص ولا يريدون مناقشة فيه، وإما أن يكونوا دعاة مسيسين يقودوننا في شكل قطيع إلى مهاو خطرة؟ إنها أسئلة ربما تكون متعديّة قليلاً لبعض الخطوط (الإعلامية) كونها ذات علاقة بالدين، لكنها تكتسب مشروعية طرحها من الراهن المتخبط لهذه الأمة على كامل الجغرافيا. فعلاً ما الذي يراد بنا، أنتبع المقدس وهو كتابنا الحكيم، القرآن الكريم الذي لا يأتيه الباطل، أم أن علينا اتباع المرويات التاريخية، غير المقدسة التي أخذتنا بعيداً فقدسناها، وأنستنا مرجعنا الأصل وهو كتاب الله؟ ما الذي يريده منا المتطرفون والأميون وآخرون غيرهم ممن تلبسوا بالدين وهو منهم براء؟ ما حقيقة خطاباتهم التي يوجهونها إلينا؟ ألم يحن الوقت لنقف ولو لمرة واحدة لإعادة النظر في هذا السيل الجارف إلى درجة الهوس من المواعظ والأحكام والاستنباط والتحليل والتحريم والمرويات التاريخية التي تطالعنا عبر وسائل التواصل كافة؟ لنقف وقفة تقييم واحدة لنكون في صورة النقي والسليم والسمح الذي يقربنا إلى الله تعالى.
* إعلامي وكاتب إماراتي
إن المجتمعات المستنيرة وعياً ومعرفةً كالتي ننتظرها ونسعة لنكونها، هي بالتأكيد مجتمعات طاردة للتطرف والتعصب الديني، ولن تكون بحال ملاذاً للإسلام السياسي أو الإسلام المؤدلج الذي يريد العمل وفقا لبرامج بعينها مسبقة الصنع. في الوقت ذاته، المجتمعات المستنيرة لن تكون جمعية نفع للدعاة الأميين الذين يسطحون الدين ورسالته، ويتقولون عليه ويفترون، أولئك على ما يبدون عليه من بساطة متصنعة، فإنهم يرفضون المناقشة والمحاججة في ما يعتقدون أنه حقائق دينية مسلمة، ولا حتى إذا ما قرأت عليهم (إدع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة، وجادلهم بالتي هي أحسن، إن ربك هو أعلم بمن ضلَّ عن سبيله، وهو أعلم بالمهتدين.. الآية). بالمقابل، ما الذي يراد بنا في المجتمعات الإسلامية؟ أيراد بنا أن نكون جهلاء لا نعلم شيئاً من ديننا الصحيح والسليم؟ أم يراد بنا أن نتلقى ما يُلقى إلينا صباح مساء من دعاة، إما أن يكونوا أميين يأخذون بظاهر النص ولا يريدون مناقشة فيه، وإما أن يكونوا دعاة مسيسين يقودوننا في شكل قطيع إلى مهاو خطرة؟ إنها أسئلة ربما تكون متعديّة قليلاً لبعض الخطوط (الإعلامية) كونها ذات علاقة بالدين، لكنها تكتسب مشروعية طرحها من الراهن المتخبط لهذه الأمة على كامل الجغرافيا. فعلاً ما الذي يراد بنا، أنتبع المقدس وهو كتابنا الحكيم، القرآن الكريم الذي لا يأتيه الباطل، أم أن علينا اتباع المرويات التاريخية، غير المقدسة التي أخذتنا بعيداً فقدسناها، وأنستنا مرجعنا الأصل وهو كتاب الله؟ ما الذي يريده منا المتطرفون والأميون وآخرون غيرهم ممن تلبسوا بالدين وهو منهم براء؟ ما حقيقة خطاباتهم التي يوجهونها إلينا؟ ألم يحن الوقت لنقف ولو لمرة واحدة لإعادة النظر في هذا السيل الجارف إلى درجة الهوس من المواعظ والأحكام والاستنباط والتحليل والتحريم والمرويات التاريخية التي تطالعنا عبر وسائل التواصل كافة؟ لنقف وقفة تقييم واحدة لنكون في صورة النقي والسليم والسمح الذي يقربنا إلى الله تعالى.
* إعلامي وكاتب إماراتي