-A +A
حمود أبو طالب
التحقت بوزارة الصحة قبل تولي الدكتور أسامة شبكشي لها بفترة قصيرة، كنت قادما من عالم مختلف فوجدت وزارة مثقلة بسوء الأداء والتردي وكنت وقتها قد بدأت الكتابة الأسبوعية في «عكاظ» فإذا بي أكتب مقالا ناريا فور تعيينه عنوانه «كيف الصحة» أشرت فيه بألم وصدق إلى السلبيات الرئيسية التي تنخر الوزارة. فور نشره قامت الدنيا ولم تقعد، ليس من الدكتور أسامة بل من غيره الذين أكدوا لي أنني «رحت في داهية» لأن النظام يمنع ضمنيا انتقاد الموظف لجهته، ولأنني لا أعرف قسوة الدكتور أسامة. لكن ما حدث هو تلقي رسالة طويلة منه تتحدث عن كل شؤون وشجون الوزارة وتتفق معي في كل ما قلته مع شكر منه وتلميح بضرورة التفاؤل لأن الوزارة مقدمة على مرحلة جديدة.

بعد فترة اختارني عضوا في لجان الحج التحضيرية التي تعمل طوال العام استعدادا لموسم الحج، كانت تجربة مرهقة جدا للجسد لكنها ممتعة جدا للعقل، وفي العام التالي كنت رئيسا لإحدى اللجان، وذات يوم تأخرت بضع دقائق عن اجتماع طارئ لم يكن مجدولا فسمعت من الوزير بعد الاجتماع وعلى انفراد تأنيبا قاسيا لم أتحمله فقررت بعد خروجي من مكتبه ترك اللجنة وليكن ما يكن وأخبرت سكرتيره بذلك، وقبل مغادرتي بلحظة طلبني الوزير فترددت لكني خجلت وعندما فتحت الباب وقف واستدار ليقابلني حاضناً معتذراً ودمعة تترقرق في عينه، وقال: يا ولدي إذا كنتم تتعبون أنا أتعب أضعاف تعبكم. تحملوني..


كان الدكتور أسامة شديدا لكنه عادل، وصارما لكنه منصف، وكل ذلك لأنه ينشد الكمال والمثالية في العمل، استلم الوزارة مديونة متعثرة معاقة فانتشلها وأدخلها الرعاية المركزة وضخ الأوكسجين في رئتيها ليعود النبض إليها. سدد ديونا باهظة وبدأ منظومة المشاريع الجديدة بنفس الميزانية لأنه وفريقه كانوا يحسنون التدبير، ولأنه وصل إلى الوزارة بتدرج طبيعي وخبرة متراكمة ولم يهبط إليها بالبراشوت. كان منقذ الصحة الحقيقي وخلال فترتين وزاريتين جعلها تمشي على قدميها، وعندما غادرها خرج نظيف اليد ممدوح العمل، لذلك حدث ما حدث مساء الأربعاء بعد ظهوره في برنامج من الصفر عندما ظهر الوسم المكتوب في عنوان المقال ليشارك فيه الآلاف إعجابا وتقديرا لمسيرة الدكتور أسامة وثناء على كفاحه وعصاميته وقصته الملهمة.

إلى الآن لم يتوقف الدكتور أسامة عن التفكير والعمل والإنتاج الذهني رغم ظروفه الصحية، إنه خُلق ليعمل ويعمل ويعمل، ولعل سيرة حياته الاستثنائية الملهمة تصبح في يوم ضمن مقررات طلاب الثانوية كما فعلنا مؤخرا مع الراحل غازي القصيبي بعد أن عاد إلينا الوعي بأهمية القامات الوطنية البارزة.