وما حب الديار شغفن قلبي ولكن حب من سكن الديارا، هذا ما يقوله لسان حال أكثر من 200 ألف مواطن إيطالي يسكنون بريطانيا للعمل أو الدراسة ويعيشون مع أسر ممتدة والبعض بشكل منفرد، الإيطاليون من أكثر الشعوب حبا للحياة والمرح والأناقة، ورغم قوة الاقتصاد الإيطالي وارتفاع دخل الأفراد إلا أن العديد منهم وبحكم المعرفة الشخصية يفضلون الاستقرار في بريطانيا، وهذا الحلم يبدو أنه سيصبح كابوساً لدى هؤلاء الشابات والشباب بعد تطبيق خروج بريطانيا في بداية ٢٠١٩.
بالمقابل ينتظر عدد كبير من البريطانيين خروجهم من الاتحاد الأوروبي حيث قال لي رجل إنجليزي مسن إنه سعيد بهذا الخروج، وإنه يتوقع أن تحذو بقية الدول حذو دولته، وقال قد تكون ألمانيا أو فرنسا وربما إيطاليا؟، وصدقت نبوءته ففي أقل من ٤٨ ساعة ظهر هذا التوقع للسطح مع أزمة إيطاليا السياسية الأخيرة والانتخابات الحكومية وتراجع بورصة ميلانو والتي هوى بسببها اليورو لأدنى مستوياته لأول مرة منذ ستة أشهر، إيطاليا التي تعد ثالث أقوى اقتصاد في منطقة اليورو تتراجع اقتصاديا هذا العام بسبب المشاكل الانتخابية، مما جعل المجتمع الأوروبي يعبر عن قلقه من تأثير ذلك خاصة مع ركود اليورو واحتمالية انهيار الاقتصاد الإيطالي بحسب رأي جيسون بيتي في مقالته التي حملت عنوان «الأزمة الإيطالية ماذا يحدث وماذا يعني ذلك لليورو وخروج بريطانيا»، حيث حلل من خلالها أسباب الأزمة وتداعياتها وتأثيرها على المنطقة، بالمجمل الشارع الأوروبي الآن يعيش جدلية انفراط العقد الأوروبي ومستقبل الاتحاد بأجمله في حال انهيار العملة.
لعل الحديث بالأرقام والوقائع غير مقنع للجيل الأوروبي المعاصر، هؤلاء الذين نشأوا تحت ظلال العولمة وتخرجوا من أنظمة تعليمية براغماتية، تجعلهم يضيقون ذرعا بهذه المخاوف، العديد من الشباب الأوروبيين والبريطانيين غير راضين عن قرارات الخروج من الاتحاد، بل يعيشون قلقاً ومخاوف من خسارة حرية التنقل والعودة لنقطة البداية.
ولعل أبرز تلك المخاوف تتلخص في مخاوف اقتصادية ومخاوف اجتماعية ومخاوف ثقافية، الجانب الاقتصادي لا يحتاج توضيحا فالكثير سيخسرون وظائفهم في حال تعديل أنظمة الإٍقامة والهجرة، الجانب الاجتماعي ستعاني الأسر المتنوعة الأعراق من هاجس الهوية واللغة بجانب التفاوت الحقيقي في التدين والقوانين المدنية، أما على الصعيد الثقافي الهلع من عودة شبح التفوق العرقي والصراعات القديمة بعد الانفصال، أوروبا التي عاشت عصرها الذهبي في الديمقراطية والانفتاح والتنوع مقبلة على ركود اقتصادي ومفترق طرق، فهل ستكون بوصلة روما بالاتجاه الصحيح؟ أم أنها ستضل الطريق وتسقط خرافة «كل الطرق تؤدي إلى روما»!.
ماذا يهمني كمواطن سعودي من كل ما سبق؟ سأكرر ثلاثية المخاوف لكن بلباس ثلاثية المستقبل السعودي تحت رمزية «السعودية أولا»، اقتصاديا فإن حماية الاقتصاد السعودي مهمة كل مواطن ومواطنة بأن يكون يدا عاملة لرفع الإنتاج ومحاربة الفساد، السعودية كمجتمع من خلال هوية وطنية شامخة وجيل يعتز بدينه وقيمه لينافس بمهنيته وأفكاره، ثقافيا تعزيز التنوع ومكافحة التمييز والمزيد من الثراء المعرفي تقوده الجامعات والمنظمات بأكملها، لست أبالغ لكن لعلنا سنسبق زماننا إن انطلقنا من حيث وقف الآخرون وكنا على قناعة إلى أين نحن ذاهبون!
* كاتبة سعودية
areejalajahani@gmail.com
بالمقابل ينتظر عدد كبير من البريطانيين خروجهم من الاتحاد الأوروبي حيث قال لي رجل إنجليزي مسن إنه سعيد بهذا الخروج، وإنه يتوقع أن تحذو بقية الدول حذو دولته، وقال قد تكون ألمانيا أو فرنسا وربما إيطاليا؟، وصدقت نبوءته ففي أقل من ٤٨ ساعة ظهر هذا التوقع للسطح مع أزمة إيطاليا السياسية الأخيرة والانتخابات الحكومية وتراجع بورصة ميلانو والتي هوى بسببها اليورو لأدنى مستوياته لأول مرة منذ ستة أشهر، إيطاليا التي تعد ثالث أقوى اقتصاد في منطقة اليورو تتراجع اقتصاديا هذا العام بسبب المشاكل الانتخابية، مما جعل المجتمع الأوروبي يعبر عن قلقه من تأثير ذلك خاصة مع ركود اليورو واحتمالية انهيار الاقتصاد الإيطالي بحسب رأي جيسون بيتي في مقالته التي حملت عنوان «الأزمة الإيطالية ماذا يحدث وماذا يعني ذلك لليورو وخروج بريطانيا»، حيث حلل من خلالها أسباب الأزمة وتداعياتها وتأثيرها على المنطقة، بالمجمل الشارع الأوروبي الآن يعيش جدلية انفراط العقد الأوروبي ومستقبل الاتحاد بأجمله في حال انهيار العملة.
لعل الحديث بالأرقام والوقائع غير مقنع للجيل الأوروبي المعاصر، هؤلاء الذين نشأوا تحت ظلال العولمة وتخرجوا من أنظمة تعليمية براغماتية، تجعلهم يضيقون ذرعا بهذه المخاوف، العديد من الشباب الأوروبيين والبريطانيين غير راضين عن قرارات الخروج من الاتحاد، بل يعيشون قلقاً ومخاوف من خسارة حرية التنقل والعودة لنقطة البداية.
ولعل أبرز تلك المخاوف تتلخص في مخاوف اقتصادية ومخاوف اجتماعية ومخاوف ثقافية، الجانب الاقتصادي لا يحتاج توضيحا فالكثير سيخسرون وظائفهم في حال تعديل أنظمة الإٍقامة والهجرة، الجانب الاجتماعي ستعاني الأسر المتنوعة الأعراق من هاجس الهوية واللغة بجانب التفاوت الحقيقي في التدين والقوانين المدنية، أما على الصعيد الثقافي الهلع من عودة شبح التفوق العرقي والصراعات القديمة بعد الانفصال، أوروبا التي عاشت عصرها الذهبي في الديمقراطية والانفتاح والتنوع مقبلة على ركود اقتصادي ومفترق طرق، فهل ستكون بوصلة روما بالاتجاه الصحيح؟ أم أنها ستضل الطريق وتسقط خرافة «كل الطرق تؤدي إلى روما»!.
ماذا يهمني كمواطن سعودي من كل ما سبق؟ سأكرر ثلاثية المخاوف لكن بلباس ثلاثية المستقبل السعودي تحت رمزية «السعودية أولا»، اقتصاديا فإن حماية الاقتصاد السعودي مهمة كل مواطن ومواطنة بأن يكون يدا عاملة لرفع الإنتاج ومحاربة الفساد، السعودية كمجتمع من خلال هوية وطنية شامخة وجيل يعتز بدينه وقيمه لينافس بمهنيته وأفكاره، ثقافيا تعزيز التنوع ومكافحة التمييز والمزيد من الثراء المعرفي تقوده الجامعات والمنظمات بأكملها، لست أبالغ لكن لعلنا سنسبق زماننا إن انطلقنا من حيث وقف الآخرون وكنا على قناعة إلى أين نحن ذاهبون!
* كاتبة سعودية
areejalajahani@gmail.com