تقول الحكاية: في إحدى جولات الكشافين بأفريقيا، سخر أحد المثقفين من رجل بسيط كان يجلس على الأرض يقرأ كتاب دين، حيث قال له (هل وصلت هذه السخافات إلى هنا أيضاً)، عندها نظر إليه الأفريقي ثم نهض وأومأ إليه أن يتبعه دون أن يتكلم، فذهب المثقف وراءه للجهة الأخرى من الكوخ حيث وجد هناك كومة من العظام والجماجم، وهنا قال الأفريقي: لولا هذا الكتاب لكان مصيرك الآن كمصير هؤلاء، ولكن اشكر ربك لأن هذا الكتاب علمني ألا آكل لحوم البشر!؟
الطاغي على المشهد الثقافي اليوم، هو انزعاج الأدباء والفنانين والمذيعين من أي نقد يوجه لأعمالهم، حيث يختفي قناع الرقي والتحضر، ويظهر الوجه البشع لأخلاقهم، فيسلون ألسنتهم السليطة على معارضيهم، ويصفونهم بالغوغائيين والمرتزقة، وكأننا أمام إصدار جديد من الإقصاء ونبذ الآخر عنوانه (المطاوعة التنويريون)!
يعمد الأديب في روايته لسرد نثري طويل وأحداث فانتازية يسلط من خلالها الضوء على تيار أو حركة، فيشبعها بالنقد المبطن، لكنه حين ينتقد القراء عمله يخرج الإنسان الجاهل الذي بداخله، كذلك الفنان الكوميدي الذي لم تسلم منه أي جهة حكومية إلا وسخر من إجراءاتها البيروقراطية، نجده يشتاط غضباً مدعياً محاربته لمجرد إطلاق نكتة تجاه أخطاء عمله الأخير، أما ذلك المذيع اللامع الذي تعتمد محاور أسئلة برنامجه على تصيد الخلافات الدائرة بين المشاهير، نجده يرفض قطعياً الخوض في السقطة المريبة التي وقع فيها مؤخراً حين استضاف تلك الفنانة، ناعتاً كل المشاهدين والمتابعين بالجهلة وعديمي الفهم!
لقد بذلنا نحن الكتاب جهداً كبيراً في محاربة أفكار المتشددين دينياً حتى يسلم المجتمع من تسلطهم، لنصطدم اليوم بالمطاوعة المنفتحين الذين يظهرون الرقي والتحضر ويضمرون العداء لمن يخالفهم، لدرجة أنني بدأت أتخيل وجود (جمس الهيئة الجدد) يدور على الأسواق لمطالبة المرأة بكشف وجهها والمحلات بعدم إقفالها وقت الصلاة، بدأت أتخيل دعوة أحد المثقفين المشهورين لإقامة ندوة أدبية في حفل زواج ليبدي قراءته النقدية، وبدأت أتخيل مجموعة من اليبراليين يتجولون في معرض الكتاب لمصادرة الأعمال الداعية للفضيلة، وكأني أرى ما بينها رجل متدين يحزم حقائبه وينوي الهجرة لأثيوبيا ليعيش فيها وينهي فصول المضايقات التي يتعرض لها!
لقد أبحر بي خيالي حتى وصلت لتفسير موجة التنطع الانفتاحي بأنه ربما يعود لتأثرهم بمسرحيات ويليام شكسبير وروايات يوهان غوته، أو لانتهاجهم الفكر الماركسي المتشدد القائم على الضرب بيد من حديد لكل منتقديهم، وكم أتمنى من وزير الثقافة الاهتمام بهذا الملف الشائك للعودة لإقرار الوسطية منهجاً، بما يضفي القبول والتعايش بين الناس، بعيداً عن سطوة مطاوعة التيارات القدم والجدد.
الطاغي على المشهد الثقافي اليوم، هو انزعاج الأدباء والفنانين والمذيعين من أي نقد يوجه لأعمالهم، حيث يختفي قناع الرقي والتحضر، ويظهر الوجه البشع لأخلاقهم، فيسلون ألسنتهم السليطة على معارضيهم، ويصفونهم بالغوغائيين والمرتزقة، وكأننا أمام إصدار جديد من الإقصاء ونبذ الآخر عنوانه (المطاوعة التنويريون)!
يعمد الأديب في روايته لسرد نثري طويل وأحداث فانتازية يسلط من خلالها الضوء على تيار أو حركة، فيشبعها بالنقد المبطن، لكنه حين ينتقد القراء عمله يخرج الإنسان الجاهل الذي بداخله، كذلك الفنان الكوميدي الذي لم تسلم منه أي جهة حكومية إلا وسخر من إجراءاتها البيروقراطية، نجده يشتاط غضباً مدعياً محاربته لمجرد إطلاق نكتة تجاه أخطاء عمله الأخير، أما ذلك المذيع اللامع الذي تعتمد محاور أسئلة برنامجه على تصيد الخلافات الدائرة بين المشاهير، نجده يرفض قطعياً الخوض في السقطة المريبة التي وقع فيها مؤخراً حين استضاف تلك الفنانة، ناعتاً كل المشاهدين والمتابعين بالجهلة وعديمي الفهم!
لقد بذلنا نحن الكتاب جهداً كبيراً في محاربة أفكار المتشددين دينياً حتى يسلم المجتمع من تسلطهم، لنصطدم اليوم بالمطاوعة المنفتحين الذين يظهرون الرقي والتحضر ويضمرون العداء لمن يخالفهم، لدرجة أنني بدأت أتخيل وجود (جمس الهيئة الجدد) يدور على الأسواق لمطالبة المرأة بكشف وجهها والمحلات بعدم إقفالها وقت الصلاة، بدأت أتخيل دعوة أحد المثقفين المشهورين لإقامة ندوة أدبية في حفل زواج ليبدي قراءته النقدية، وبدأت أتخيل مجموعة من اليبراليين يتجولون في معرض الكتاب لمصادرة الأعمال الداعية للفضيلة، وكأني أرى ما بينها رجل متدين يحزم حقائبه وينوي الهجرة لأثيوبيا ليعيش فيها وينهي فصول المضايقات التي يتعرض لها!
لقد أبحر بي خيالي حتى وصلت لتفسير موجة التنطع الانفتاحي بأنه ربما يعود لتأثرهم بمسرحيات ويليام شكسبير وروايات يوهان غوته، أو لانتهاجهم الفكر الماركسي المتشدد القائم على الضرب بيد من حديد لكل منتقديهم، وكم أتمنى من وزير الثقافة الاهتمام بهذا الملف الشائك للعودة لإقرار الوسطية منهجاً، بما يضفي القبول والتعايش بين الناس، بعيداً عن سطوة مطاوعة التيارات القدم والجدد.