عندما تتسع الفجوة بين مخيلة الإنسان، أو المجتمع بشكل عام، وواقعه، يحدث حينها الانفجار الذي لا تصور لشكله وقوته، وقبل ذلك يبدأ بالتصرف وفق منطق تائه بين المخيلة وبين الواقع، الذي يصور ذلك الإنسان أو هذا المجتمع كمخلوق مشوه التركيب والسلوك وممسوخ المشاعر، كون وعيه أصبح ذلك الطريد الذي لا تعرف وجهته في صحارى الوجود الشاسعة...
هذا بالضبط ما حدث ويحدث الآن مع دولة إيران، التي جعلت المجتمع، فرده وجماعاته، ذلك المخلوق المتأرجح ألما وتيها بين غيث المخيلة واتساع صورها وبين نار الواقع ولهيبها الحارق. بزغت روح هذه الفكرة وأنا أستمع لما قاله صاحب السمو الملكي الأمير خالد بن سلمان، سفير بلادنا في واشنطن، وهو يختصر واقع الاختلاف بين السعودية وإيران، في مقولته لدى مشاركته في اللقاء السياسي السنوي لميت رومين: نحن دولة تعمل وتسعى لتحقيق رؤية 2030 وإيران دولة تسعى وتنطلق من رؤية عام 1979....، وهو يؤكد على أن إيران تسير إلى الخلف بطموح لا ينتهي......، فبالإضافة إلى عمق تصريحه وقوته وما يحمله من دلالات، نجده يحمل توجها ولغة جديدة في السياسة، وهي لغة الاختصار، التعبير الذي يشبه الرصاص، ويزيح أكوام الثرثرة البالية عن طريق القول والتعبير السياسي، وهذا ما يعكس صدق تقديم الرؤية السعودية للغتها وعناصرها وطبيعة العمل فيها.
ولعل ما حملته كلمة الأمير خالد استطاع به أن يمسح الضباب والغبار والكلام الأثري عن المرآة التي تبصر من خلالها إيران وجهها كل صباح، لتجد الحقيقة عالقة في كل زاوية، فتكتشف، ولا أظن أن تعنتها سيساعدها على ذلك، ما كانت تخفيه المرآة من معالم، ستجد أن الصفعة التي وجهت لها، ذات قدرة على جعل كيانها يتوقف قليلا عن الترنح بسبب شدة السكر بخمر الافتتان بالقوة والتعلق على جبال الأحلام البدائية، ليدرك أنه يعيش فعلا في حالة من التفكير العبثي في تخيل صنع المستقبل، حيث لا يجتمع العلم والأخلاق والتخطيط، مع الارتهان للنظر لهذا المستقبل بعينين طافحتين بالظلمة، فإيران التي قال عنها سموه، تعيش في رؤية تسير على سلالم التاريخ والتفكير الماضوي، هي إيران التي تمد أشجارها لجيرانها لتسقط عليها أصلب الحجارة وأشرس أدوات الخيانة، فالتفكير البدائي والرؤى التي لم تنعتق من قيود وسجون الماضي المشوه، لا يمكنها أن تحقق ذلك التوازن لكيانها الذي يبهج ترنحه سكرا، رغبة القوى العظمى في الرقص على إيقاعاته، ليس اتباعا ورضا، بل تتبعا ليصل النائم مرة أخرى إلى فراشه، الذي أخرجه منه حلم لا يكاد يبصر إلا نفسه تنتفخ، حالمة بتغيير المكان، متناسية أن التشوه الخلقي والخلقي في كيانها السياسي، إنما هو انعكاس لحالة التيه بين تطلع وتخيل وحب أطياف من شعبها للحياة، وبين واقع يفرضه هذا النظام الذي مازالت حالات النمو المتأخر تلاحق أطرافه.
إن الذي يريد الحديث عن الفارق بيننا وبين إيران، لا يجهد نفسه في البحث. فعلا. بل يرجع إلى هذه المقولة التاريخية لسموّه «المشكلة مع إيران ليست طائفية إنما صراع رؤى، نحن في المملكة لدينا رؤية 2030، وهم لديهم رؤية 1979، نحن نريد أن نقود المنطقة نحو المستقبل ورفاهية الشعوب، وهم يريدون جر المنطقة الى الماضي بصراعاته الفكرية والطائفية».
ومن هذا يمكننا القول ودون أدنى شك، أن هناك فارقا كبيرا في معادلة البناء التنموي التي تنتهجها بلادنا، عبر رؤيتها، وتلك التي تنتهجها إيران، فالأولى تحلق برؤيتها عبر جناحين، جناح التوازن الديني القائم على قواعد راسخة في الفهم الواضح للدين، الذي يسعى للانفتاح المعرفي والتنموي والحضاري، وجناح الفهم العميق للشجاعة والقوة، الذي هو الحكمة، والسعي للسلام والدفاع عن الحقوق..؛ أما الثانية فهي تتخبط في فضاء التحليق كطيور مغلقة العينين، وتضرب السكون بأجنحة التطرف والفهم الخارج من الضلالات والبدع للدين، والتطلع للعالم بشعور الطمع الحاد والتعالي على المفاهيم والخلط بين شجاعة الجبان وفكرته القديمة في ضرب الصغير ليخاف الكبير، وتوهمها بأن حفظ البلاد يأتي من خلال السلاح وحده.
فالمملكة تجاوزت عبارات القول السياسي الطويلة، إلى ذلك الاختصار في القول والقول عبر العمل، برؤية أزالت كل العوالق الفكرية ودمرت كل مفاهيم التصور السلبي لعلاقتنا بالآخر وعلاقتنا ببعضنا وبنظرتنا لعناصر المجتمع والتي تعد المرأة ودورها مع الرجل أكثرها فاعلية، وها هو خالد بن سلمان يقولها وبقوة وثقة، لا رغبة لديها للالتفات للضجيج والفتونة السياسية، ولا وقت أصلا لديها للمزيد من المفاوضات والمساومات التي لم تستوعب أن الكائن السياسي في هذه البلاد، ينمو ولله الحمد كأي مخلوق تشكل ملامح جوهره المضيئة جل رؤيته في السير نحو المستقبل الذي يقف في الأمام وليس في الخلف. وهو يحمل ولاء لم تصنعه الشعارات ولم ترفعه أيادي الآخرين الهزيلة، بل عبر الولاء الذي شكله حبه الفطري لوطنه وإيمانه بقضاياه، مرددا هذه المقولة «الشعب السعودي لا يحب بلده لأنه متطور، إنما يعمل على تطوير بلاده لأنه يحبها».
* أكاديمي وباحث سعودي
karmanaif@
هذا بالضبط ما حدث ويحدث الآن مع دولة إيران، التي جعلت المجتمع، فرده وجماعاته، ذلك المخلوق المتأرجح ألما وتيها بين غيث المخيلة واتساع صورها وبين نار الواقع ولهيبها الحارق. بزغت روح هذه الفكرة وأنا أستمع لما قاله صاحب السمو الملكي الأمير خالد بن سلمان، سفير بلادنا في واشنطن، وهو يختصر واقع الاختلاف بين السعودية وإيران، في مقولته لدى مشاركته في اللقاء السياسي السنوي لميت رومين: نحن دولة تعمل وتسعى لتحقيق رؤية 2030 وإيران دولة تسعى وتنطلق من رؤية عام 1979....، وهو يؤكد على أن إيران تسير إلى الخلف بطموح لا ينتهي......، فبالإضافة إلى عمق تصريحه وقوته وما يحمله من دلالات، نجده يحمل توجها ولغة جديدة في السياسة، وهي لغة الاختصار، التعبير الذي يشبه الرصاص، ويزيح أكوام الثرثرة البالية عن طريق القول والتعبير السياسي، وهذا ما يعكس صدق تقديم الرؤية السعودية للغتها وعناصرها وطبيعة العمل فيها.
ولعل ما حملته كلمة الأمير خالد استطاع به أن يمسح الضباب والغبار والكلام الأثري عن المرآة التي تبصر من خلالها إيران وجهها كل صباح، لتجد الحقيقة عالقة في كل زاوية، فتكتشف، ولا أظن أن تعنتها سيساعدها على ذلك، ما كانت تخفيه المرآة من معالم، ستجد أن الصفعة التي وجهت لها، ذات قدرة على جعل كيانها يتوقف قليلا عن الترنح بسبب شدة السكر بخمر الافتتان بالقوة والتعلق على جبال الأحلام البدائية، ليدرك أنه يعيش فعلا في حالة من التفكير العبثي في تخيل صنع المستقبل، حيث لا يجتمع العلم والأخلاق والتخطيط، مع الارتهان للنظر لهذا المستقبل بعينين طافحتين بالظلمة، فإيران التي قال عنها سموه، تعيش في رؤية تسير على سلالم التاريخ والتفكير الماضوي، هي إيران التي تمد أشجارها لجيرانها لتسقط عليها أصلب الحجارة وأشرس أدوات الخيانة، فالتفكير البدائي والرؤى التي لم تنعتق من قيود وسجون الماضي المشوه، لا يمكنها أن تحقق ذلك التوازن لكيانها الذي يبهج ترنحه سكرا، رغبة القوى العظمى في الرقص على إيقاعاته، ليس اتباعا ورضا، بل تتبعا ليصل النائم مرة أخرى إلى فراشه، الذي أخرجه منه حلم لا يكاد يبصر إلا نفسه تنتفخ، حالمة بتغيير المكان، متناسية أن التشوه الخلقي والخلقي في كيانها السياسي، إنما هو انعكاس لحالة التيه بين تطلع وتخيل وحب أطياف من شعبها للحياة، وبين واقع يفرضه هذا النظام الذي مازالت حالات النمو المتأخر تلاحق أطرافه.
إن الذي يريد الحديث عن الفارق بيننا وبين إيران، لا يجهد نفسه في البحث. فعلا. بل يرجع إلى هذه المقولة التاريخية لسموّه «المشكلة مع إيران ليست طائفية إنما صراع رؤى، نحن في المملكة لدينا رؤية 2030، وهم لديهم رؤية 1979، نحن نريد أن نقود المنطقة نحو المستقبل ورفاهية الشعوب، وهم يريدون جر المنطقة الى الماضي بصراعاته الفكرية والطائفية».
ومن هذا يمكننا القول ودون أدنى شك، أن هناك فارقا كبيرا في معادلة البناء التنموي التي تنتهجها بلادنا، عبر رؤيتها، وتلك التي تنتهجها إيران، فالأولى تحلق برؤيتها عبر جناحين، جناح التوازن الديني القائم على قواعد راسخة في الفهم الواضح للدين، الذي يسعى للانفتاح المعرفي والتنموي والحضاري، وجناح الفهم العميق للشجاعة والقوة، الذي هو الحكمة، والسعي للسلام والدفاع عن الحقوق..؛ أما الثانية فهي تتخبط في فضاء التحليق كطيور مغلقة العينين، وتضرب السكون بأجنحة التطرف والفهم الخارج من الضلالات والبدع للدين، والتطلع للعالم بشعور الطمع الحاد والتعالي على المفاهيم والخلط بين شجاعة الجبان وفكرته القديمة في ضرب الصغير ليخاف الكبير، وتوهمها بأن حفظ البلاد يأتي من خلال السلاح وحده.
فالمملكة تجاوزت عبارات القول السياسي الطويلة، إلى ذلك الاختصار في القول والقول عبر العمل، برؤية أزالت كل العوالق الفكرية ودمرت كل مفاهيم التصور السلبي لعلاقتنا بالآخر وعلاقتنا ببعضنا وبنظرتنا لعناصر المجتمع والتي تعد المرأة ودورها مع الرجل أكثرها فاعلية، وها هو خالد بن سلمان يقولها وبقوة وثقة، لا رغبة لديها للالتفات للضجيج والفتونة السياسية، ولا وقت أصلا لديها للمزيد من المفاوضات والمساومات التي لم تستوعب أن الكائن السياسي في هذه البلاد، ينمو ولله الحمد كأي مخلوق تشكل ملامح جوهره المضيئة جل رؤيته في السير نحو المستقبل الذي يقف في الأمام وليس في الخلف. وهو يحمل ولاء لم تصنعه الشعارات ولم ترفعه أيادي الآخرين الهزيلة، بل عبر الولاء الذي شكله حبه الفطري لوطنه وإيمانه بقضاياه، مرددا هذه المقولة «الشعب السعودي لا يحب بلده لأنه متطور، إنما يعمل على تطوير بلاده لأنه يحبها».
* أكاديمي وباحث سعودي
karmanaif@