قبل عشرين عاما لوح إدوارد سعيد في كتابه «المثقف والسلطة» بخطورة اختفاء صورة المثقف في المجتمع واختفاء مكانته، بل ذكر أن عدم اعتبار المثقف كشخص مهني مشكلة حقيقية بحيث لا تصبح الثقافة هويته المهنية، بالتالي عليه أن يمارس أي مهنة أخرى كي يجد قوت يومه، قصص مأساوية نسمعها بشكل متكرر عن الصعوبات التي يواجهها المثقفون الحقيقيون وكيف نخسر وجودهم بغياب التقدير والتمكين لهم.
العجيب أننا في كل حوار ولقاء نستمع لهذه العبارة «لا تجعلوا الحمقى مشاهير»، ولكن لا نستمع للعبارة العملية «لا تجعلوا المثقفين غائبين»، فنحن نحارب الرديء بالهواء، أغلب حواراتنا هوائية وذات اتجاه أحادي، بالتالي يبقى الرديء ويتكاثر، في حين حاجة مجتمعنا للأصوات المفكرة تفوق حاجته لسنابات الفاشنيستات والباطنيستات وتغريدات الفارغين، بل تجد من يتحدث في صلب تخصصه يناله من النقد جانب، ألستم تطالبون بإزالة الحمقى من قوائمكم إذن لماذا لا تطرحون البديل؟ أو لماذا لا تتقبلونه؟
هذه حقيقة يجب مواجهتها إذا أردنا بالفعل التخلص من المحتوى الفارغ، أن نصنع محتوى ثقافيا متقدما مع محاولة تبسيط لغته دون أن يفقد قيمته المعرفية، إن صناعة صورة ذهنية إيجابية عن المجتمع لا تنفصل عن تمكين العقول المبدعة والطاقات الشابة، وحتى نصنعها علينا دمجهم كمنظمات تربوية وثقافية في المدخلات دون المساس بحرية رأيهم، فالمعضلة الحقيقية التي يواجهها المثقف الحر عندما يطرح رأيه بصراحة ثم يغضب منه المتلقي وينصرف عن الفكرة إلى ذات الشخص لينازعه.
لكن الشمس تشرق دائما، وأول التطورات الثقافية التي أبهجت الجميع هو قرار إنشاء وزارة الثقافة والتي بالفعل كنا في انتظارها، وهو قرار تاريخي يمثل حقبة ثقافية قادمة تحفل بالفن والفكر بعقول سعودية مبدعة، ننتظر أن تعلن الوزارة عن فتح الأبواب وتشكيل قاعدة بيانات وأوعية ثقافية حاضنة، مع مراعاة التنوع والمساواة، فنريد أن نرى المرأة في الإدارة العليا في الوزارة وأن تشارك في صناعة الصوت والقرار.
كلمة أخيرة، أعتقد أنه حان الوقت لنا كمجتمع لأن نتصالح مع مثقفينا مهما اختلفنا معهم، أن نتقبل الجميع تحت مظلة الوطن، أن نتسامح ونتجنب الإقصاء والتطرف، الفكر يواجه بالفكر هذا دستور حضاري وإنساني، جهود الجميع مقدرة، بل الوعي ما هو إلا سلسلة لمن سبقونا، فمهما كانت الاختلافات لنكن أرقى ولا نجعلها خلافات، التغيرات المجتمعية والثقافية تحتاج لزمن حتى تظهر محاسنها وتصحح مشكلاتها، لذلك الاستعجال في إسقاط الأحكام والتوقعات على الآخرين لن يخدم العمل، امنحوا المجتهدين فرصتهم.
* كاتبة سعودية
areejaljahani@gmail.com
العجيب أننا في كل حوار ولقاء نستمع لهذه العبارة «لا تجعلوا الحمقى مشاهير»، ولكن لا نستمع للعبارة العملية «لا تجعلوا المثقفين غائبين»، فنحن نحارب الرديء بالهواء، أغلب حواراتنا هوائية وذات اتجاه أحادي، بالتالي يبقى الرديء ويتكاثر، في حين حاجة مجتمعنا للأصوات المفكرة تفوق حاجته لسنابات الفاشنيستات والباطنيستات وتغريدات الفارغين، بل تجد من يتحدث في صلب تخصصه يناله من النقد جانب، ألستم تطالبون بإزالة الحمقى من قوائمكم إذن لماذا لا تطرحون البديل؟ أو لماذا لا تتقبلونه؟
هذه حقيقة يجب مواجهتها إذا أردنا بالفعل التخلص من المحتوى الفارغ، أن نصنع محتوى ثقافيا متقدما مع محاولة تبسيط لغته دون أن يفقد قيمته المعرفية، إن صناعة صورة ذهنية إيجابية عن المجتمع لا تنفصل عن تمكين العقول المبدعة والطاقات الشابة، وحتى نصنعها علينا دمجهم كمنظمات تربوية وثقافية في المدخلات دون المساس بحرية رأيهم، فالمعضلة الحقيقية التي يواجهها المثقف الحر عندما يطرح رأيه بصراحة ثم يغضب منه المتلقي وينصرف عن الفكرة إلى ذات الشخص لينازعه.
لكن الشمس تشرق دائما، وأول التطورات الثقافية التي أبهجت الجميع هو قرار إنشاء وزارة الثقافة والتي بالفعل كنا في انتظارها، وهو قرار تاريخي يمثل حقبة ثقافية قادمة تحفل بالفن والفكر بعقول سعودية مبدعة، ننتظر أن تعلن الوزارة عن فتح الأبواب وتشكيل قاعدة بيانات وأوعية ثقافية حاضنة، مع مراعاة التنوع والمساواة، فنريد أن نرى المرأة في الإدارة العليا في الوزارة وأن تشارك في صناعة الصوت والقرار.
كلمة أخيرة، أعتقد أنه حان الوقت لنا كمجتمع لأن نتصالح مع مثقفينا مهما اختلفنا معهم، أن نتقبل الجميع تحت مظلة الوطن، أن نتسامح ونتجنب الإقصاء والتطرف، الفكر يواجه بالفكر هذا دستور حضاري وإنساني، جهود الجميع مقدرة، بل الوعي ما هو إلا سلسلة لمن سبقونا، فمهما كانت الاختلافات لنكن أرقى ولا نجعلها خلافات، التغيرات المجتمعية والثقافية تحتاج لزمن حتى تظهر محاسنها وتصحح مشكلاتها، لذلك الاستعجال في إسقاط الأحكام والتوقعات على الآخرين لن يخدم العمل، امنحوا المجتهدين فرصتهم.
* كاتبة سعودية
areejaljahani@gmail.com